مانشستر يونايتد يضرب موعداً مع توتنهام في نهائي الدوري الأوروبي    منافس جديد في عالم الحواسب اللوحية من Honor    نائبة أمريكية تحذر من انهيار مالي وشيك    "تل المخروط".. "هرم" غامض في غابات الأمازون يحير العلماء!    واقعة خطيرة.. هجوم مسلح على لاعبي فلامنغو    ليفربول يقدم عرض للتعاقد مع نجم مانشستر سيتي بروين    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    العليمي اشترى القائم بأعمال الشركة اليمنية للإستثمار (وثائق)    الغيثي: أميركا غير مقتنعة بأن حكومة الشرعية في عدن بديل للحوثيين    وطن في صلعة    باشراحيل: على مواطني عدن والمحافظات الخروج للشوارع وإسماع صوتهم للعالم    الطائرات اليمنية التي دمرتها إسرائيل بمطار صنعاء لم يكن مؤمنا عليها    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    الجولاني يعرض النفط والتواصل مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات    دبلوماسي امريكي: لن ننتظر إذن تل أبيب لمنع اطلاق النار على سفننا    تغاريد حرة .. صرنا غنيمة حرب    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    تحديد موعد أولى جلسات محاكمة الصحفي محمد المياحي    إعلام عبري: ترامب قد يعلن حلا شاملا وطويل الامد يتضمن وقف حرب غزة ومنح قيادة حماس ضمانات    البرلماني بشر: اتفاق مسقط لم ينتصر لغزة ولم يجنب اليمن الدمار    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    تعيين نواب لخمسة وزراء في حكومة ابن بريك    وسط فوضى أمنية.. مقتل وإصابة 140 شخصا في إب خلال 4 أشهر    رئاسة المجلس الانتقالي تقف أمام مستجدات الأوضاع الإنسانية والسياسية على الساحتين المحلية والإقليمية    صنعاء.. عيون انطفأت بعد طول الانتظار وقلوب انكسرت خلف القضبان    السامعي يتفقد اعمال إعادة تأهيل مطار صنعاء الدولي    سيول الامطار تجرف شخصين وتلحق اضرار في إب    القضاء ينتصر للأكاديمي الكاف ضد قمع وفساد جامعة عدن    *- شبوة برس – متابعات خاصة    تكريم طواقم السفن الراسية بميناء الحديدة    صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" يطلق سلسلة بطولات عالمية جديدة ل"جولف السيدات"    . الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويواصل الزحف نحو اللقب السعودي    باريس سان جيرمان يبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صناعة داعش
نشر في الخبر يوم 30 - 11 - 2015

ليست رغبتنا أن لا يرمي السلفيون قنابلهم، ولكن على من يرمون هذه القنابل… على حزب الله وإيران والصدر وسوريا" –
تصريح لمستشار في وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2007 فكرة دراستي هذه ليست جديدة على القاريء العزيز، فالكل يؤمن بأن داعش هي صناعة أمريكية، بعد أن انتشرت صور الخليفة "زير النساء" – بطل قصص الاغتصاب الكثيرة التي نقرؤها عنه هذه الأيام –
وأظهرت أنه عميل إسرائيلي، وتصاريح مسؤولين كثر غربيين يقرّون بأنهم وراء إنشاء داعش، وتصاريح سوندون التي غزت المواقع الاجتماعية. منذ فترة وأنا أحاول تتبع مصادر هذه الأخبار، وأعترف أنني لم أجد ما يؤكدها ويحسم أمرها سوى تصريحات الساسة الغربيين، وفي هذه الدراسة سأحاول تسليط الضوء على بعض الجوانب بالتحليل وربط الأخبار والأحداث ليتمكن القاريء العزيز من تكوين قناعاته حول مجموعة من الأسئلة بخصوص داعش – وسأسميها داعش في معظم الأحيان وليس الدولة الإسلامية، لأن أحد شروط تحقيق الشرعية لأية دولة هو الاعتراف بها –
وأهم تلك الأسئلة:
لماذا لا تحارب داعش الاحتلال الصهيوني؟ وما هي علاقته بها؟
وكيف دعم داعش؟
لنبدأ: لماذا لا تحارب داعش الاحتلال الصهيوني؟
عندما كانت غزة تقصف عام 2014، كانت وسائل الإعلام تتناقل خطبة خليفة المسلمين – المزعوم – وقد مر الخليفة مرور الكرام على فلسطين بعبارة واحدة في معرض حديثه عن الإرهاب الذي يتعرض له المسلمون في العالم! يومها كانت قلوبنا كلها مع شعب غزة، واستبشر الناس خيرا عندما تناقلت وسائل إعلام داعش صورا لملثمين يطلقون صواريخا على العدو المحتل، فالخليفة يبدو أنه يعمل ولا يتكلم! ولكن هذه السعادة لم تدم فقد تبيّن أن هذه الصور قديمة تعود لعام 2012 ومطلقوها هم مقاتلو مجلس مجاهدي الشورى. أما الإعلام الغربي فقد ركز على الوجه الهمجي الذي تتفنن داعش في إظهاره، وأسقط هذا الوجه على حماس لتبرير الإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة. ومن ناحية أخرى نجدهم أشداء بشكل خاص على المسلمين يقتلونهم ويسبون نساءهم، ويهجّرون الأقليات، وهنا برز سؤال بديهي من قبلنا نحن المنافقين الجهلة، لماذا لا تحارب داعش العدو الصهيوني إسرائيل؟
لماذا الجميع وليس إسرائيل؟
لماذا تتبنى عمليات تفجير سيارات مفخخة في غزة؟ لماذا تفجر دور عبادة وأسواق تجارية؟
لماذا لم نرَ تفجيرا واحدا في أرض المعركة الحقيقية؟
بالطبع هذه أسئلة تحاصرهم كما حاصرت من قبلهم القاعدة، فالاثنان لم يعلنا فلسطين منطقة جهاد!
الظواهري برر ذلك بترتيب الأوليات، ففلسطين بحسب وصفه دار الإسلام، وتحريرها فرض عين على كل مسلم، كما جاء في خطابه المتلفز عام 2007، وهكذا تهرّب من المسألة برمتها. وسوّف البغدادي الموضوع، فداعش أيضا تتهرب من الإجابة عن هذه المسألة الواضحة، ويتلخص ردّهم في أن تحرير فلسطين لن يتأتى إلا بعد إقامة الخلافة في بلاد الشام والعراق، ويجيب أحدهم: يعلم الله مدى اشتياق جنود الخليفة لقتال اليهود في فلسطين، ولكن من يستعجل سيعاقب بحرمانه من ذلك! وآخر يقول إن الأولوية هي تحرير بغداد ثم دمشق ثم بلاد الشام ثم فلسطين.
والمبدأ الأساسي في التبرير هو أن محاربة المرتدين المجاورين أولى من محاربة الكفار البعيدين، ويسقطون على هذه الفرضية أحداثا تاريخية بعيدة، فحروب الردة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم التي قادها سيدنا أبو بكر الصديق كانت قبل الفتوحات، والرسول حارب بني قريظة بعد فتح مكة، وصلاح الدين حرر القدس بعد أن استولى على مصر الفاطمية الشيعية، وبالطبع فهُم يرون أن الشيعة أخطر بكثير من اليهود.
ودائما تجد جوابهم جاهزا إذا ما سئلوا عن العمليات الانتحارية في الأراضي المحتلة، فالرد الآلي هو "هذا كله على الطاولة ولكن الوقت لم يحِن" ويضيف المجيب إن هذا سؤال أحمق. هم يسقطون أحداثا تاريخية ويحوّروها لتتناسب مع أهدافهم ويستخدمونها لتبرير فكرهم المتطرف، فتأجيل الرسول لحرب بني قريظة لا علاقة له بمسألة الوقت، الرسول عليه الصلاة والسلام كان رئيسا لدولة وحارب جيوب تمرد تلبست بالخيانة العظمى لبسط سيطرة وحماية دولته، وكذلك الحال بالنسبة لأبي بكر الصديق الذي كان رئيسا لدولة وقضى على حركات التمرد داخل دولته. أما صلاح الدين فهو لم يحارب الفاطميين لأنهم شيعة، بل لبسط سلطانه فهو أصلا من ولاة الفاطميين واستغل مرض الخليفة الفاطمي وقلب الحكم، ثم حاربهم ليقضي على أي جيوب تمرد. والأمر الآخر أن القياس لا يؤخذ أبدا بتجرّد وتقليد أعمى، بل هو مرتبط بالقدرة والمناخ العام، وواضح أن داعش ليست لديها القدرة على بسط سيطرتها على أية دولة راسخة مستقرة، وإنما تتمدد في وسط الفوضى، وكل ما تقوم به هو تدمير الدول ولن تستطيع بأي شكل الوقوف ضد القوى الغربية في أي من الحروب إذا استدعى الأمر ذلك. وأترك لرجال الدين تفنيد مبررات داعش وأخواتها غير المنطقية، أما أنا فسأحاول تبرير ذلك من زاوية الإبقاء على داعش لأهداف صهيونية.
داعش والمحافظون الجدد حلم المحافظون الجدد بتقسيم العراق إلى ثلاثة بلدان، وقد تحدثت بشيء من التفصيل في مقال لي
تحت عنوان: الشرق الأوسط الجديد… وجهان لعملة واحدة، والمنشور بتاريخ 12.4.2015، عن دراسة أعدها لورنس موراويك بإشراف الصهيوني ريتشارد بيرل الذي كان أحد أهم موظفي البيت الأبيض، لصالح معهد راند، وسميت الدراسة الشرق الأوسط الجديد، وتقترح الدراسة تقسيم العراق وتدمير سوريا ومصر والسعودية بإشاعة الفوضى فيهم، وسمت العراق المحور التكتيكي والجائزة هي مصر. بريان وايتيكر، محرر شؤون الشرق الأوسط في جريدة الجارديان البريطانية، كتب إن استراتيجية راند قد استلهمت من دراسة نشرها معهد الدراسات الاستراتيجية الاسرائيلية والسياسية المتقدمة، شارك أيضا فيها ريتشارد بيرل الذي كان في موقع حساس في البيت الأبيض إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
تحمل هذه الورقة تشابها مذهلا مع ما تحدثه داعش من إشاعة الفوضى في المنطقة، فمن خلال هذه الفوضى سيوفر الصهاينة البيئة لإضعاف سوريا وتوريط الشيعة في حرب طائفية ضد السنة.
وحتى تنجح هذه الخطة فإنها تحتاج إلى دعم الولايات المتحدة. في العام 1996 أعد كل من بيرل وفيث وستة آخرون ورقة لصالح معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة الاسرائيلية قدمت لنتنياهو تحت عنوان "الانفصال التام (Clean Break): استراتيجية جديدة لتأمين العالم"، نقرأها كبيان للمحافظين الجدد، فعلى الصعيد الداخلي الاسرائيلي طالبت بتغييرات اقتصادية كتخفيض الضرائب وبيع أراضي الدولة، وسعي الكيان المحتل للحصول المستمر على دعم النواب والشيوخ الأمريكان، وبعيدا عن الاقتصاد فإنها تقدم مخططا لاستخدام أعداء بالوكالة لتغيير خريطة المنطقة وإشاعة الفوضى، وهذا ما يحدث الآن.
ولكن كيف حصلت اسرائيل على دعم الولايات المتحدة في هذا الصدد؟
فتكشف مؤسسة ستراتفورد للأبحاث والدراسات الاستخباراتية الخاصة عن جوانب مهمة، فخطة راند كانت نشطة أثناء حكم بوش حتى عام 2003، ففي عام 2002 قدم ديك شيني وزير الدفاع ونائبه بول ولفويتز سيناريو لانضمام مناطق السنة العراقية إلى الأردن واستقلال الأكراد، وتضيف الدراسة أن داعش هي الذراع لإخراج هذا السيناريو. وفي العام 2006 أعلن جون بيدن عن دعمه لتقسيم العراق على أساس إثني، وفي العام 2006 نفض التراب عن دراسة راند، وعادت مرة أخرى إلى الأضواء في عام 2008 واندمجت معها دراسة معهد الدراسات الاستراتيجية الاسرائيلية لتصبحا وحدة واحدة أمام صاحب القرار الأمريكي. في عام 2008 قامت مؤسسة راند بتقديم تقرير موّلته إدارة التدريب العسكري والعقيدة تحت عنوان "فَرّق وسُد" ولا يحتاج العنوان إلى أية إضافة أو تعليق. ولتطبيق الاستراتيجية الإسرائيلية ووضعها ضمن أجندة السياسة الاسرائيلية هنالك مؤسستين مهمتين تعتبران من حجارة الأساس في سياسة الدفاع الأمريكية هما: المعهد اليهودي للأمن القومي ومعهد سياسة الأمن، وقد وجدا قبل ثلاثين عاما في المحافظين الجدد منصة لإيصال أفكارهما، وسيطرا على واحدة من أهم لجان الكونغرس وهي لجنة الخطر المحدق، وكان من نجاحاتهما الكبيرة زيادة تسليح العدو الصهيوني أيام حكم ريغان. وتبوأ أعضاء هاتين المؤسستين أعلى المناصب في البيت الأبيض مثل مايكل ليدين وبيرل وفيث، ونجحوا في تبني سياسة برنامج "مجموع الحروب" وهي ورقة تتحدث عن حروب صغيرة في دول عديدة في المنطقة من خلال داعش. وتحدّث في هذه الورقة ميكل ليدين عن تغيير أنظمة في دول عديدة في المنطقة من خلال إشاعة الفوضى، وأي من هؤلاء الصهاينة لا يفرقون بين الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي. إذن من هذا كله نستطيع بسهولة الوصول إلى استنتاج أن وجود داعش في المنطقة ليس إلا أحد مخرجات استراتيجيات صهيونية، سوقتها مؤسسات صهيونية متنفذه في السياسة الأمريكية بأيدي صهاينة يحكمون السياسة الأمريكية. علاقة الولايات المتحدة لم تصبح داعش دولة بين عشية وضحاها، ولكن فيما يبدو أن الجميع دعمها وسمح لها بالتمدد. منذ عام 2003 والولايات المتحدة، بشكل مباشر أو سري، تدعم المجموعات المسلحة الجهادية، وهذا الدعم كما رأينا أنه ناتج عن سياسة المحافظين الجدد التي تحكمها الصهيونية، بهدف الدفاع عن، وزيادة سيطرة الأحتلال الصهيوني، وإعادة تقسيم المنطقة، ويجب أن لا ننسى أبدا أن الولايات المتحدة دعمت القاعدة أثناء الحرب الباردة في أفغانستان ثم حاربتها، فالسيناريو هذا معروف ومثبت الفاعلية، وما نشهده ما هو إلا إعادة إنتاج له. مؤسسة سترانفورد الخاصة للدراسات الاستخباراتية سربت تقريرا على لسان البنتاغون في العام 2001 يكشف أن الولايات المتحدة وبريطانيا دربتا قوات معارضة سورية بإشراف المخابرات الأمريكية وذلك للتخلص من نظام الأسد، ومنذ ذلك الوقت ودول عربية وتركيا تدعم هذه القوات. وفي تقرير مهم لجامعة القوات المشتركة الأمريكية تحت عنوان "تجزئة أعدائنا" في العام 2004، يتحدث عن خطة ما بعد حرب العراق، تتضمن إشعال حرب جديدة أطرافها الأعداء يحاربون بعضهم بعضا، وجعل كل فريق محبوبا ومدعوما من مؤيديه، وإشاعة الفرقة بين الأعداء، وتحريض الشعوب على كراهيتهم. الاحتلال الأمريكي زرع بذور هذه الفتنة حال احتلالهم للعراق عام 2003 وصنعوا من الزرقاوي أسطورة، فالبغدادي أسس جيش السنة واندمج مع مجلس مجاهدي الشورى ثم اندمجوا مع الزرقاوي، وبعيد الاندماج اغتالت الولايات المتحدة الزرقاوي مفسحة المجال للبغدادي بالرئاسة! والغريب أن معظم قيادات داعش من خرّيجي سجن بوكا الذي كان في معسكر بوكا بالقرب من أم قصر في جنوب العراق وتديره قوات الاحتلال الامريكية، وتقول التقارير أن البغدادي مكث في السجن لمدة عشرة شهور في عام 2004، كما لبث في نفس السجن كل من عدنان نجم وعبد الحكيم الدليمي وغيرهم من كبار قيادات داعش، وأحد مسؤولي السجن صرح أن سياسة السجن كانت بتجميع السجناء حسب أيدلوجيتهم، وأكد سجناء سابقون أن السجن كان مدرسة للقاعدة حيث يتتلمذ الإرهابيون المبتدئون على يد الإرهابيين المتمرسين، الذين يلقون الدروس عن العمليات الانتحارية وتصنيع العبوات، ويؤكد السجين عادل جاسم ذلك قائلا: مكثت في السجن أسبوعين، وشهدت خلال هذين الأسبوعين تجنيد 25-34 إرهابيا أمام مرآى ومسمع القوات الأمريكية ولم تحرك ساكنا.
معظم السجناء كانوا من جنود البعث السابقين، مكثوا سوية في السجن فكانت فرصة مجانية لهم لرسم أهدافهم العسكرية، وتمكنوا بخبراتهم السابقة من وضع هيكلية عسكرية لداعش كأي جيش منظم آخر، وحصلوا على دعم العشائر السنية نتيجة لسياسات المالكي الإثنية.
وكثير من التقارير الصحفية توقفت عند مسألة أن معظم قواد داعش قتلوا بأيدي الجيش العراقي والسوري، وليس نتيجة القصف الجوي! رولاند دوما وزير الخارجية الفرنسي قال عام 2009 كنت في بريطانيا قبل عامين من الثورة السورية وقابلت مسؤولين بريطانيين كبار قالوا أنهم يحضرون شيئا لسوريا.
ومن أهم الصحفيين الذين تحدثوا عن دعم الولايات المتحدة ودول عدة لداعش هو الصحفي سيد شريف شاهزاد، الذي قتل في ظروف غامضة في العام 2011، شريف كتب عشرات التقارير الصحفية، وقد قابل مسؤول وزارة الدفاع الباكستانية
– هنا علينا أن نذكر أن المخابرات والجيش الباكستاني يرتبطان بتحالفات وثيقة مع الولايات المتحدة، لماذا؟
لأن الباكستان دائما بحاجة إلى دعم دولة عظمى نتيجة علاقتها المضطربة مع جارتها اللدودة الهند – في مقابلة خاصة مع موقع آسيا اليوم في شهر 2 من عام 2005، ذكر شاهزاد أن أنصار صدام تم تجنيدهم وتدريبهم تحت إمرة أبي مصعب الزرقاوي وتم تسليحهم من قبل المخابرات الباكستانية بأسلحة أمريكية، وقال أيضا أن الولايات المتحدة تلعب دورا مزدوجا في دعم الشيعة والسنة.
ظاهر جمال صحفي عراقي لم يستطع أن يجد علاقة بين منفذي العمليات الإرهابية التي أججت الفتنة الطائفية وأبي مصعب الزرقاوي، بينما أكد أبو يوسف أحد قيادات الجيش الحر أنه أجرى تدريبات عسكرية للجيش الحر فما لبث المتدربون أن تسربوا لداعش.
دول أخرى دعمت داعش علينا أن نعي مسألة هامة هي أن دولا عربية عديدة دعمت الجماعات المتطرفة لتحقيق سياسات واستراتيجيات، ومن ذلك دعم المجموعات السنية التي تحارب التمدد الشيعي في العراق، ودعمهم لسوريا لقلب نظام الحكم في سوريا، وكان الجميع يعلم بذلك، ويعلمون أيضا أن أموالا كثيرة كانت تذهب من خلال الكويت، فإيران دعمت سياسات المالكي الطائفية وتدعم بشار في قتل شعبه وتدعم حزب الله، لذلك وبضغط وتحرك شعبي في العالم السني تم الحشد لدعم السنة والذراع جاهز لذلك من خلال داعش وأخواتها.
وتجمع كافة التقارير أن دولا عربية تمد داعش بالمال والسلاح، والولايات المتحدة أيضا تدعم داعش من خلال صندوق دعم سوريا، وتقول تقارير إن وزارة المالية الأمريكية تعلم وتغض النظر عن أموال تذهب مباشرة إلى داعش، ويقول مسؤولوا البنتاغون أن %50 من الدعم يذهب إلى المتشددين، وفي 14.4.2014 تحدث تقرير للواشنطن بوست عن تسليم أغذية وأدوية أمريكية للسوريين من الولايات المتحدة، فالمخابز مليئة بالطحين الأمريكي، وبعلم من الولايات المتحدة فإن جزءا من هذه المساعدات يذهب إلى الجماعات المتطرفة.
موقع الاستخبارات الإسرائيلية المستقل debkafile الذي يديره صحفيان يعملان في مجلة الاكونومست منذ 23 عاما، كتب أن تركيا تعطي أسلحة للقاعدة وجبهة النصرة، وأن اسرائيل تدعم فصائل متطرفة والعديد من مصابيهم يعالجون في المستشفيات الاسرائيلية.
ويقول شاشناك جوشي من معهد الخدمات الملكية المتحدة: السعودية قامت بأخطاء عديدة إلا أن دعمها لداعش ليست واحدة منها. إنه النفط أحد أهداف إحداث الفوضى، واستغلال داعش كأحد وسائل تنفيذ أهداف الغرب في بلادنا هو النفط، وكيف ذلك لنرى :
– 28.1.2014 نشرت النيويورك تايمز تقريرا قالت فيه أن الجماعات المتطرفة تسيطر على آبار النفط العراقية والسورية، وأن الجماعات المتوسطة المدعومة من الغرب بعيدة عن هذا الأمر. – 28.4.2013 تقرير لصحيفة التايمز يقول أن الجماعات المتطرفة تسيطر على العديد من محطات الكهرباء.
– 22.4.2013 قام الاتحاد الاوروبي بتخفيف حظر بيع النفط السوري في الأسواق العالمية، مع انتشار تقارير تقول أن عناصر داعش وجبهة النصرة يسيطرون على آبار نفطية، وسمح للشركات الاوروبية بشراء النفط الخام.
– تقارير عديدة تتحدث عن نقل النفط لتركيا لتكريره.
– 1.8.2014 النائب التركي علي اديبولجي قال إن النفط العراقي والسوري يتم بيعهما من خلال تركيا، ووصل الأمر إلى مد أنانيب نفط بين القرى السورية القريبة من الحدود التركية، ويضيف أن ألف تركي يساعدون المقاتلين على التسلل إلى سوريا عبر الحدود التركية.
– 21.8.2014 النائبة العراقية عليا ناصيف تتهم الباشمركة بتهريب النفط العراقي، والغريب أن الباشمركة في أول الأمر كانت شديدة الرقابة على النفط ثم أصبحت تغض النظر عن التهريب.
– 11.6.2014 تقرير لصحيفة الشرق الأوسط يؤكد أن النفط العراقي يباع بواسطة وكلاء أكراد إلى الباكستان بنصف السعر.
– 29.8.2014 تناقلت وسائل الإعلام أن سفينة تحمل مليون برميل من النفط الخام وصلت إلى خليج المكسيك، النفط هذا وصل من العراق عبر كردستان، وحاولت الحكومة العراقية رفع دعوى لمنع الباخرة من تفريغ حمولتها من خلال المحاكم الأمريكية ولم تنجح.
– 3.9.2014 قالت سفيرة الاتحاد الاوروبي في العراق جانا هاباسكونا للجنة الشؤون الخارجية الاوروبية أن أعضاء من الاتحاد الأوروبي قاموا بشراء نفط داعش، ورفضت الإفصاح عن أسماء الدول المتورطة.
– 20.6.2014 تقرير لرويترز يتحدث عن تصدير نفط داعش من ميناء سيهان التركي إلى ميناء عسقلان المحتل، وتشتري الولايات المتحدة واسرائيل نفط متنازع عليه من كردستان.
– 10.8.2014 كتب ستيف كول في صحيفة النيويورك تايمز أن النفط العراقي يغزو الأسواق العالمية وهنالك محاولات لزيادة الطاقة الانتاجية للغاز في سوريا والعراق لاستبدال الغاز الروسي المصدر لأوروبا من سوريا والعراق، وأهم شركات النفط التي تعمل في كردستان شيفرون وإكسوموبل ولا عجب أنها أمريكية. الأمير بندر في 13.6.2014 نشرت جريدة الاندبندت البريطانية على لسان ريتشارد ديرلوف رئيس المخابرات البريطانية السابق، أن الأمير بندر قال له بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لن يطول الزمن قبل أن يقال كان الله في عون الشيعة، ويضيف ريتشارد أن السعودية وقطر غضتا النظر عن دعم داعش.
في 23.6.2014 نشرت جريدة الاتلانتيك على لسان مسؤول قطري قوله أن داعش صناعة سعودية، وأن الجماعات المتطرفة كانت جزءا أساسيا من خطة بندر الخفية لتغيير النظام في سوريا.
بداية كانت قطر الداعم الأكبر لقلب نظام الأسد، ولكن بموجب لقاء الأمير بندر وكيري تم تحويل الريادة من قطر إلى السعودية. للأمير بندر دور كبير في دعم الجماعات المتطرفة فقد كان متوليا الملف السوري خلال الفترة 2013-2014 وهي فترة بزوغ نجم ما يسمى بالدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وتحت ضغط من الولايات المتحدة تمت تنحيته عن هذا الملف، فقد وجد الأمريكان أنه بالًغ في دعمه للجماعات المتطرفة، أو أنه آن الأوان لتنفيذ الشق الثاني من الاستراتيجة بضرب داعش، فكما قال أوباما "العمليات العسكرية ضرورية لمنع انتشار سرطان داعش". وفي 30.5.2013 قال السيناتور الجمهوري في مقابلة مع CNN الشكر لله على الأمير بندر فقد بدأنا نشهد قليلا من تغيير الأوضاع في سوريا، وشكره أيضا في مؤتمر آخر في ميونخ.
وقد بذل الأمير جهودا كبيرة في استمالة أعضاء مجلس النواب في الولايات المتحدة لضرب سوريا وكثيرا ما كان ينتقد موقف أوباما السلبي منها. وفي شهر 9.2014 تمت تنحية الأمير من الملف السوري وقال مسؤولون أمريكان بعد تنحيته، الآن سيكون موقف السعودية أقل تشددا بعد تنحية بندر، فبندر قد ذهب بعيدا جدا.
وهنالك تقارير عديدة تحدثت عن ضغط شديد مارسه بندر على الأردن لإقامة معسكرات لتدريب الجهاديين في الأردن، وقد رفض الأردن ذلك مما أثر لفترة على علاقات البلدين، ثم ما لبثت أن عادت لطبيعتها. وبعيد تنحية الأمير قالت وزارة الخزينة الأمريكية أن السعودية على نفس الموجة مع الولايات المتحدة لوضع حد للجماعات المتطرفة. الطرف الآخر للحرب من هذا كله، ما أريد أن أقوله للشباب الذين يغرر بهم، إنه لا توجد حرب مقدسة في سوريا وإنما هي فصائل تهدف إلى إشاعة الفوضى بدعم من قوى عديدة، وداعش في سبيل أهدافها تتحالف مع الشيطان، تبيع نفط العرب للصهاينة، وتتحالف مع بشار أحيانا كثيرة في عمليات عسكرية ضد الجيش الحر! يبدو جليا لي أن ما نراه اليوم هو ناتج استراتيجيات وضعها خبراء محنكون عبر عقود من الزمن، وظفوا فيها العلم والخبرة، وأخرجوها إلى حيز التنفيذ بكل الوسائل المتاحة.
والسؤال هو، إلى متى نستمسك بالريح تتقاذفنا ونحن بلا حيلة؟ إلى متى نرى الطوفان القادم فنغمض أعيننا ونتوقع السلامة؟ ما هي استراتيجيتنا؟ أين دراساتنا؟ ماذا أعتدنا لمواجهة هذا الخطر الداهم؟ أخشى أننا إن لم نتدارك الأمر فسيخرج من بيننا أدوات لتنفيذ هذه المؤامرة ضد أنفسنا وإخواننا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.