سُئل نبي الله نوح عليه السلام عن أيام حياته، وهو الذي عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً فأجاب: «كأني دخلت مع باب وخرجت من الباب الآخر». هكذا وصف نوح عليه السلام انقضاء العمر برحيل سنواته وكأنه يقرأ قول الله تعالى: (كَأَنهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشية او ضحاها) سورة النازعات. أيام قلائل وتطوى صفحات عام وتفتح صفحات عام جديد، فيوضع الاول على الرفوف ويوضع الثاني بين أيدينا. والعام واحد ولكن الكتب عددها بعدد البشر الواقفين في محطته ينتظرون إقلاع قطاره مما يذكرني بقول الحسن البصري الذي قال: «إنما أنت أيام مجموعة كلما مضى يوم مضى بعضك»، فالإنسان هو عمره وما من عام يرحل الا ويرحل جزء من هذا الإنسان. ماذا تخبئ لنا الأيام القادمة؟ هو الله أعلم بما تخفيه لنا لكنني على يقين انه سبحانه وتعالى لا يقدر قضاء مؤلما الا وفي طياته رحمة، ولا يقضي بحزن الا ويعقبه فرح، ولا يسلبنا نعمة الا عوضنا عنها بنعم أعظم منها، وهذا ما يجب أن يجعلنا نستقبل كل عام جديد بلا خوف ولا قلق، بنفس مطمئنة وبسمة أمل ويقين برحمة الله وعطائه الذي لا ينقطع، فهو سبحانه الذي لا تأخذه سنة ولا نوم كتب على نفسه الرحمة. بالنسبة لي، فقد عشت أسرارا لم يسبق لي ان اختبرتها قبلا، فلما خبرتها وكأنني اكتشفت كنزا لا ينضب، بل إنه كلما غرفت منه زاد وفاض ليزداد نهمي من أن أغرف منه. اختبرت، ولا أقول اكتشفت، بل اختبرت وعشت نتائج هذا الاختبار أسرارا كنت أظنها من باب التشجيع على العبادة ليس الا، لأكتشف أنها وصفات تدواي وتشفي، وصفات لا يدفع فيها الإنسان قرشا واحدا، لكنها تعطيه بلا حدود وبأكثر مما يريد. الدعاء والصلاة على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم والاستغفار والتسبيح صيدليتي التي لم أكتشف أنها تفيد الا بعدما قررت أن أجربها بإخلاص المحتاج. وهذه ليست دروشة، ولا تخاريف يائس ولا سراب يراه تائه في صحراء، هي تجربة علمية برهنت عليها النتائج. والنتائج كانت مبهرة تصل الى حد المعجزات ترصدها اذا كنت باحثا عن الحقيقة. فالصلاة على النبي عليه أفضل الصلاة والسلام سبب لكفاية الله العبد ما أهمه وما أغمه وقد حدث، والصلاة على النبي سبب لقضاء الحوائج وقد حدث، والصلاة على النبي سبب لتذكر العبد ما نسيه، وهذا والله يحدث في كل مرة بعون الله تعالى. وأما الدعاء، فإن كل حاجاتي تحققت عندما كنت أدعو الله بقلب مخلص ملتاع متذلل مضطر حتى وإن طال الوقت. واكتشفت أن تحقق الحاجات قد لا يكون دوما بالشكل الذي نطلبه لكنه يتحقق بأفضل وأنفع وأجمل مما نريد، فتعلمت أن ألح في الدعاء لأنه سبحانه وتعالى يحب أن يسمعني عائدة اليه فقيرة خاضعة، ثم أترك الأمر اليه يصرفه كيف يشاء. واما التسبيح فكان لي عونا على تفريج الكربات، فكنت عند كل كرب أتذكر قول الله تعلى: (فلولا انه كان من المسبحين للبث فى بطنه الى يوم يبعثون) فوجدت نفسي أندفع صوب هذا الوعد، فكان الوعد صادقا، وكان التسبيح لي عونا على انشراح صدري وذهاب حزني خاصة عندما لا يكون للحزن أسباب. واما الاستغفار فهو حرزي الذي به يرزقني الله من حيث لا أدري ولا أحتسب، وبه يدخل الله السكينة الى نفسي اذا هاجمها القلق، ويدخل الطمأنينة الى قلبي اذا سرى اليه الخوف من الأيام. فصرت موقنه بقول الله تعالى: }اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً{ نوح :1012. أما مخافة الله فهي سبب كل خير فما يتركه الإنسان مما حرم الله يعوضه الله اياه بالحلال، هذا ما تنبهت له من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه». وهذا ما تنبهت له من قول الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)، وقوله سبحانه: (ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا). أخواتي وإخواني، أريد أن أؤكد أنني لا أعظ ولا أدعي أنني أصلح للوعظ، لكنني جربت واستفدت ومحبتي دفعتني لأن تكون هديتي للعام الجديد خلاصة ما توصلت اليه لمن يحب ان يتأكد ويستفيد. والمؤكد ان تلك الوصفات لم يقتصر أثرها على المؤمن العابد، وإنما هي لكل فقير الى الله وكل مخلص في طلبه. تلك هديتي للعام الجديد لكل من يقبلها مني وكل عام وانتم بخير، متمنية للجميع عاما مثمرا على كل صعيد، وليجعل الله لكم ولي من كل خير نصيبا والى كل خير سبيلا، آمين.