إن الذي يحترف السياسة ويخوض غمارها ، يكون ذلك لأجل تحقيق هدف , هذا الهدف لا يختلف اثنان في معنها وأهميته ونبله ، سواء كان تحقيق الاستقلال (كما هو موضوع دراستنا) أو لأجل بناء الدولة أو لتعزيز مكتسبات وانجازات ثورية كانت او ديمقراطية او وطنية أو حضارية من مبادئ متفق عليها كتحقيق العدالة الاجتماعية أو حماية مكتسبات الأمة أو التنمية الاقتصادية . لكن ليس كل سياسي يرفع شعار طموح وهادف يكسب به تعاطف الجماهير موسعا به قاعدته النضالية هو سياسي ذو مبدأ ، فالمبدأ ليس شعار يرفع ولا بيان يتلى ، بل هو نضال مستميت ، وهذا ما يميز السياسي المبدئي عن السياسي الانتهازي الذي يرفع المبدأ كشعار يتكسب منه ويبتز ويساوم لأجل تحقيق طموحات أنوية ( نسبة للأنا ) ، فتجده يتموقع في خندق المعارضة ليرعد ويبرق دون أن يمطر باكيا على حال الديمقراطية والحقوق الضائعة مهددا بالإضرابات والاعتصام والعصيان المدني ، فان فاوضه النظام قبل بالمنصب العالي أو بالرصيد المالي لأجل تحسين صورة النظام لينخرط في حملة الدفاع عنه ويصبح الناطق غير الرسمي للسلطة ليكون معارضة مدجنة ( نسبة للدواجن) أليفة موجهة وفق خارطة طريق معدة سابقا من طرف النظام لأجل اضافة الطابع الديمقراطي الشكلي على المشهد السياسي. هذا هو السياسي الانتهازي، لا السياسي المبدئي المؤمن بقضيته المدافع عنها بالنفس والنفيس لسان حاله يقول :" لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي ، وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي ، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ مَا تَرَكْتُهُ ، حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ. بينما السياسي الانتهازي هو الذي يركب المعارضة ليقدم نفسه خادما وفيا للنظام خائنا لمبادئه ، فلا يرضى عليه النظام يبقيه في مصاف الخدم دون ترقية ، ليتخلص منه في حالة توفر خدم آخر وهم متوفرون والحمد لله في قاعة الانتظار وفي القوائم الاحتياطية للنظام. أما السياسي المبدئي فهو يفرض نفسه كبديل للنظام لا خادما له أو معاونا أو حتى شريكا لأنه على يقين بأن النظام لا يؤمن بالشراكة وأن وجود أحدهم يترتب عنه الغاء الثاني أو تحيده أو تهميشه أو تعطيله من الخطأ الاعتقاد أن النظام يصنع السياسي الانتهازي ليواجه به السياسي المبدئي ,أو ليشتت المناضلين ويفرقهم عنه كوسيلة حصانة أو حماية ذاتية له. إن الانتهازية جزء من الطبيعة البشرية ، يقتصر دور النظام على الاغواء فقط والتزيين والمراودة على النفس لأنه هناك دوما قابلية نفسية للخيانة وللإثراء غير المشروع وللمناصب العليا ولبيع الضمير في سوق النخاسة السياسة .