تنظر المملكة العربية السعودية بأعين مفتوحة إلى حدودها مع اليمن التي أصبحت بفعل الوضع اليمني الاستثنائي، مصدرا لمخاطر متنوعة، من التهريب بأنواعه، والذي يشمل تهريب البشر والسلاح والمخدرات، إلى الخطر الإرهابي متمثلا أساسا بتنظيم القاعدة، فضلا عن التهديد الحوثي في مناطق بعينها. وعلى هذا الأساس تحكم الرياض استراتيجيتها لمراقبة وضبط الحدود مع اليمن. ونقلت صحيفة «العرب» عن مصادر مطلعة، أن وزارة الدفاع السعودية تجري حاليا الاستعدادات لافتتاح مقر «قيادة منطقة جازان العسكرية» وهي القاعدة التي ستضاف إلى بقية القواعد العسكرية، وذلك بعد تثبيت لكافة «قوات الواجب» التي خاضت حرب السعودية ضد جماعة الحوثيين المسلحة في أواخر العام 2009. وأبلغت المصادر أن القاعدة الجديدة تشكلت من «قوة الواجب» التي نشطت في الحرب مع الحوثيين، وتمت إضافة لواء عسكري يعرف ب «اللواء الجبلي» يضم في قوّاته مدرعات خفيفة ومشاة، وهو من الألوية الحديثة المتخصصة في ما يعرف بحرب الجبال. وسيكون من ضمن القوات المشكِّلة لنواة التأسيس إضافة إلى القوات البرية، قوات من الدفاع الجوي وكذلك بعض وحدات من القوات البحرية التي ستؤمن حدود المياه الإقليمية السعودية. وفسرت المصادر هذا التحرك السعودي بأنه يأتي بعد إنهاء وحدات عسكرية ومدنية «تطهير المنطقة المتاخمة للحدود السعودية اليمنية التي اتضح كثافة الحضور الحوثي بها وعمل الجماعة الشيعية الطويل في تهيئة المنطقة ككمين للقوات العسكرية السعودية، وتهيئتها لبعض الجبال ذات المواقع الاستراتيجية كمرامٍ وخنادق للمواجهات مع السعودية». وأكدت المصادر أن قوات حرس الحدود التابعة لوزارة الداخلية، استعادت بعض المواقع بعد تطهيرها وضمان تأمين الحدود مع الجمهورية اليمنية المضطربة، وهو ما سيجعل القوات العسكرية السعودية المرابطة في منطقة جازان أكثر استعدادا لتأسيس قاعدتها العسكرية المزمع افتتاحها قريبا. ونفت المصادر في سياق حديثها مع «العرب» أن يكون ضمن القاعدة العسكرية أي تواجد لقوات جوية، حيث أوضحت أن الحاجة لها غير مجدية في ظل قرب قاعدة «الملك خالد الجوية» بمدينة خميس مشيط العسكرية التي كانت منصة انطلاق أسراب جوية عديدة في حرب الحوثيين 2009 وكانت تلك الطائرات صاحبة الكلمة الفصل في إنهاء الحرب لصالح السعودية. وكانت الخسائر السعودية في حرب الحوثيين، وهي الحرب الأولى التي تخوضها السعودية مباشرة بعد حرب الخليج الثانية العام 1990، تجاوزت في أفرادها 153 عسكريا كان مجملهم من القوات الخاصة للجيش السعودي، إضافة إلى إصابات تجاوزت 400 حالة كان أغلبها خفيفا. تلك الحرب التي بدأت شعلتها بهجوم حوثي مسلح على مركز لقوات حرس الحدود السعودي قتل فيه جميع الطاقم السعودي، لم تدع مجالا للشك في تورط إيران بها، بعد تلقي الجماعة الحوثية باليمن دعم طهران المالي والعسكري، إضافة إلى خطط الحوثيين داخل اليمن، ومواجهتهم مع النظام اليمني السابق بأكثر من ست حروب. إيران انتقدت آنذاك الحرب والتدخل السعودي في قصف مواقع حوثية على الحدود اليمنية، وجاء ذلك الاحتجاج من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وكذلك رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، وهو ما رأت فيه السعودية تدخلا في شأن وطني، بينما التزمت حينها اليمن تحت نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح الصمت. وتتخذ جماعة الحوثيين من صعدة الشمالية باليمن مقرا لها، وتقيم علاقات قوية مع إيران وجماعة حزب الله اللبناني، إضافة إلى علاقتها الوثيقة بالسفارة السورية باليمن. وهو ما يفسر وجود الأعلام الإيرانية وأعلام حزب الله اللبناني في عدد من مناطق صعدة القريبة من الحدود السعودية، ويعلن «الشيعة الصافية»، وهو اسمهم المحبب لهم، جهرا انتماءهم إلى طهران. في ظل هذه الاعتبارات جميعا، تعمل السعودية اليوم عبر لجان مشتركة مع الجمهورية اليمنية على ترسيم حدودها مع اليمن، وذلك ضمن الاتفاقية التي تم توقيعها في مدينة جدة العام 2000 وتعرف ب»اتفاقية جدة»، وهي اتفاقية أزالت التوتر الذي استجد بعد توحيد شطري اليمن. ورصدت السعودية أكثر من 3 مليارات دولار لتهيئة وتنفيذ الاتفاقية التي تركز على إقامة سياج حدودي متطور على طول الحدود مع اليمن التي تتجاوز الألف كيلومتر، وتمر بأغلب المناطق الجنوبية السعودية.