لن ينقطع الجدل التاريخي حول العلاقة بين الدولة والثورة، لسببين أساسيين: يتعلق الأول بأن الدولة تعني الثبات والاستدامة والضرورة المُبرَرًة، كما تعني ضمناً وأيضاً الشيخوخة المؤكدة التي لابد وأن تصيبها، والسبب الثاني يتلخّص في أن الثورة تعني الرغبة في التغيير لأسباب وجيهة، ولكن : هل يمكن للتغييّر أن يسير دون عوائق وفخاخ لا نهاية لها؟ سنقف قليلاً فيما حدث بالقارة العجوز “ اوروبا"، وسنرى شاهداً صاعقاً في فترة ما قبل “كومونة باريس"، التي شاخت فيها الدولة البرجوازية الماركانتيلية، وفي روسيا القيصرية التي انهارت فيها دولة القياصرة بعد أن بلغ التفارق بين الغِنى الارستقراطي المأفون بالفجور المالي والحياتي من جهة، وبين الفقر الأسود من جهة أُخرى.. أقصى مداه؛ وبالمقابل جاء الاستتباع السوفيتي الذي لم يكمل قرناً من الزمان، لتشيخ التجربة الملغومة بالبيروقراطية والمركزية المُتجهِّمة، ولنرى كيف أن المنطق الاستاليني الصعب يحيل الحسنات إلى سيئات، ويفرغ النموذج الاشتراكي من محاسنه الإنسانية، وصولاً إلى سقوط الدولة المدوي، ولكن بطريقة ناعمة، تؤكد حكمة ذلك “السقوط الحُر" الذي ساد كامل المنظومة الاشتراكية البريجنيفية، باستثناء الحالة الرومانية التي انتهت بطريقة دموية، نظراً لأن “الينا تشاوشسكو" زوجة الرئيس، باشرت المتظاهرين في مدينة “تمشوارا" بإطلاق النار، وكانت تلك الواقعة سبباً للولوج إلى قتال مكشوف بين الحرس الجمهوري وفيالق من المُنشقين العسكريين ومعهم مجاميع مدنية مقاتلة، حتى كادت أن تتحول إلى حرب أهلية لولا الإسراع بإنهاء الفصل الحاسم في تلك الدراما، عبر محاكمة عسكرية، وإصدار حكم بالإعدام الميداني للرئيس تشاوشسكو وزوجته إلينا. [email protected]