تفاؤل موهوم يعيشه أدعياء المقاومة، وربائبهم مِن حزب اللهث، وأغلب اليسار، وبعض القومجية، الذين يدورون في الفلك، ويعلو صوتهم ويخفت، بمقدار قوة الجذب لحضن المتعة، وثقافة المناكحة!! ورشفة الكأس المُترعة بالإثم في معبد الشيطان. المساكين لا يدركون أن ثقافة الثورات الشعبية – ومعظمها تُغذيه العقيدة الدينية النقية – لا تُعوّل كثيرا على المعادلة الدولية، مع كونها لا تمانع – من حيث المبدأ – أن تقبل الدعم من الشرفاء في العالم، الذين لا غاية لهم مِن الدعم إلا الانسجام مع أنفسهم، واحترام مبادئهم وقيمهم التي ينادون بها، أما الدعم المشروط، فهو بلا شك بضاعة الملالي والآيات، ونظام المماتعة الذي متَّع مرتزقته مِن عرض العروبة وشرفها عقودا، ومتّع أعداءها من الصهاينة بالأمن أربعين سنة تامة تامة!!! سواء كانت استدارة القاطرة الأمريكية صعبة أم سهلة، فهذا شأن أمريكا لا شأن ثوار سوريا وأحرارها، وهذا الأمر لم يعد مدرجا على قائمة أولويات الثوار، منذ سِتةِ الشهور الأولى، حيث اتضحت لهم لعبة تبادل الأدوار، والتحمية والتّبريد، لعل ابن الطائفة يتمكن من رأس الثورة، وتستريح إسرائيل من الهمِّ الذي يلفُّها. روسيا ليست جزءا من محور الممانعة، وكذلك إيران. أما الأولى فقد اعترفت بإسرائيل قبل أمريكا، وذاقت الويل في أفغانستان، على أيدي أصحاب العقيدة الذين أدخلوها مرغمة إلى عالم غورباتشوف(بيريسترويكا) لتتشظى وتنكمش وتطوي جلدها داخل حدودها. أما الثانية فقد شاركت النيتو في أكثر من جبهة (الصرب/ البوسنة) واحتضنت المشروع الأمرِصهيوني لتدمير العراق من أجل عيون إسرائيل، وقبضت الأجرة: دولة المالكي الصفوية. أمريكا أيضا مرهقة باللوبي الصهيوني، ودفع الأمريكان أثمانا باهظة في حروبهم نيابة عن اليهود، وقد تكبدوا خسائر كبيرة مادية ومعنوية، وهم اليوم في طور تقييم أزمتهم، ويجثون على الرُّكب أمام مشاكلهم الداخلية، ويديرون ظهرهم حتى لأوروبا، التي كانت وما زالت عالة عليهم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. الأيديولجيا الدينية الحقّة سمة هذه الأمة، وحقيقة تاريخية لا يمكن مصادمتها، فمن ارتضى أن يكون بلا عقيدة، أو يتنّقل بين العقائد، ويستبدل بعضها ببعض حسب هواه وأحلامه فله ذلك، وليس له أن يعيب على الملتزمين عقيدتهم، ولا يستبدلون بها أو يساومون عليها، ولا يرضون بها بديلا غير بذل الروح فداء وذودا وحميّة. ليس في الوهابية ما يسوء، إلا بمقدار تواطئها من السلطة الحاكمة، كباقي المؤسسات الدينية المصنوعة لدعم مغتصبي السلطة في كل الكيانات العربية، أما كفكرة وفهم، فلا أظن أن اثنين من أهل السنة والجماعة يختلفان على احترامها، وتقدير دورها، أو التزام نهجها وطريقتها، لأنها حركة تجديدية أصلحت الفساد، ونقّت الاعتقاد، وإن أساء بعض المحسوبين عليها مؤخرا بالمبالغة بالارتباط بالنظم الشاردة عن حقيقة الدين. لسنا يائسين من إمكانية صلاح النظم، وتعديل مواقفها، فقطر تمثل بقية من ضمير في الأمة أبى إلا أن يتكلم، وهو يعرف حجمه وإمكاناته، لكنه المضطر اضطلع بشرف العمل على النهضة العربية الحديثة، فدعم ربيعها وما زال يدعم، لما رأى غياب الكبار والأقوياء، وربما تآمرهم مؤخرا، انسجاما مع برنامج العدو المتوجس من البديل القادم، فالثورات العربية خطرة جدا في محيط الصهيوني إذا أفرزت الإسلاميين، أو الشرفاء غير مؤدلجين، ومأمونة إذا جاء غيرهم. نظم العمالة العربية لها إعلام كاذب منافق مزور، مدعوم بعشرات الملايين، وأسطول من الطّبّالة وحملة المباخر، يُمكيجون العَمالة بالممانعة، والهزيمة بالصمود، والخنوع بالتصدي، ويصنعون الوهم، ومن فضل الله أن وهب المقاومة والممانعة الحقيقية في الأمة جزءا من فضائية، هي من الفضائل القطرية، وجعل لها دورا بارزا في صناعة الوعي الجديد، مع تحفظنا على بعض أداءاتها أيضا. الحقيقة غير القابلة للجدل أن الحلف الهارب من السماء، والداخل في السرداب، والغارق في المتعة، حيث الموتورون عصبيا مِن ذابحي الأطفال الرضع ثأرا للحسين لن ينتصر، ولن يحسم المعركة لصالحه أبدا، وإن اجتمعت على دعمه الأرض من أقطابها، لأننا نؤمن ب { وكان حقا علينا نصر المؤمنين}، وليس لذلك الحلف نصيب من إيماننا، ولا قبضة من يقين، فالشعوب لا تهزم، والعقيدة الخاتمة لا تنمحي، وضامنها: ( إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون}، وبما أن حلف المماتعة لا يؤمن بالذكر ولا بمنزله، فلن يكون محفوظا بالمطلق. [email protected]