مكة أوائل القرن السابع الميلادي (1) رجل حسن اللحية.. عريض الصدر.. مُستوي الجبين.. عيناه واسعتان شديدتا سواد الحدقة، يقول لأصحابه: «لأنْ تُهدَم الكعبة حجرًا حجرًا أهون على الله من أن يُراق دمُ امرئ مسلم».. هكذا يقول محمد لأصحابه.. فهل سمعتم بالدين الجديد الذي أُنزل على محمد؟ كربلاء 12 أكتوبر 680م (2) الحسين بن علي بن أبي طالب، ومعه أهل بيته، يواجه جيش يزيد بن معاوية. يتقدم حفيد الرسول ليواجه الحاكم الظالم في معركة غير متكافئة قائلاً: «ما أهون الموت في سبيل إحياء الحق». مع الحق وكفى.. حتى لو الخسارة أكيدة. فيما بعد ستعد كربلاء رمزًا لثورة المظلوم على الظالم ويومًا لانتصار الدم على السيف. طهران عام 1979(3) نحو مليوني شخص احتشدوا في ميدان «أزادي»، لكن دبابات الشاه محمد رضا بهلوي سحقت الآلاف. خرجت مظاهرات مليونية في طهران والمدن الإيرانية أيام عاشوراء، (يوم استشهاد الحسين)، أجبرت الشاه على الفرار ليقام «نظام إسلامي». أطيح بدولة الظلم البوليسية، وأقيمت دولة أعلن بدستورها أن نظام الحكم على مذهب شيعة علي الإثنى عشرية. الحمد لله.. انتصر الإسلام. شيعة علي حكموا طهران، والآن يقول وزير الخارجية علي صالحي: «حكومة وشعب إيران يقفان إلى جانب حكومة سوريا مهما كانت الظروف». مهما تكن الظروف.. والظروف أن مستضعفين يُقصفون بمدفعية حاكم ظالم. والآن.. حكومة ضحايا «السافاك» يدعمون المخابرات السورية، ومن يضعون اسم الحسين في كل مؤسسة ببلدهم ينصرونه اليوم بنصرة أشباه قاتليه، ومن خرجوا عام 1979 لينصروا الإسلام يستمتعون الآن بمشاهدة مسلمين يُقتلون في شوارع حلب. ولكن «الإسلاميين» في إيران لديهم حجة.. حتمًا لديهم حجة. حجة خامنئي أن إيران تدافع عن حكم بشار، لأنه مقاوم يتصدى للاستكبار العالمي وإسرائيل، اللافت أن حجة قتلة حفيد الرسول أن يزيد إن لم يدافع عن حكمه ستعود فتنة الاقتتال بين المسلمين، وإن قتل فرد أهون من ضياع الأمة. «أتَوَاصَوْا بِه» الأزمة أن انحيازات الثورة الإيرانية من البداية كانت مختلة، فجدران الأقصى ليست أهم من البشر، ولا يمكن أن تنحاز للإسلام دون أن تنحاز للمسلمين أنفسهم ولحريتهم ولشورى وديمقراطية تضمن حفظ كرامتهم من طغيان الحكم الظالم، كما لا يمكنك أن تنحاز للقدس دون أن تدرك أن انحيازك للمستضعفين وليس لتراب المدينة القديمة. هذا هو الدين الذي أنزل على محمد. ولأن البعض لم يفهموا.. السيد أضحى عبدًا، يقول «نصر الله»: «ليس الإصلاح هو المطلوب بل تدمير سوريا وجيشها، والمسؤولون الأمنيون السوريون الذين قضوا، رفاق سلاح دعموا الحزب». رفاق لأنهم دعموا الحزب.. لا يهم أنهم قتلوا آلافا من المستضعفين، المهم أنهم حلفاء دعموا التنظيم، ولا يهم أنهم ظلمة، المهم أنهم الأقرب للطائفة. وهكذا.. يتضاءل «نصر الله» كلما ثرثر عن سوريا، ينثر كلمات «أمريكا.. إسرائيل.. استعمار» ثم يبني عليها جملة مفيدة، وبمرور الوقت تتحول كاريزما السيد إلى كاريزما إياد نصار في مسلسل الجماعة، ممثل قدير. يقولون قاوم وابنه قُتل.. ويرد فؤاد نجم: «ملخص الكلام يزيد ولا الحسين». أنصار الحسين يعلمون أن المقاومة مقاومة الظلم سواء كان الظالم خصمي أو حليفي يهوديًّا أو علويًّا، وأنصار يزيد يقول أحدهم الذي تصادف أنه وزير خارجية إيران الآن: «لا داعي للقلق مما يجري في سوريا وألفت انتباهكم إلى البحرين، حيث يُستخدم العنف الحقيقي ضد المتظاهرين». الرجل يدافع عن طائفته فقط.. هكذا هي الأمور بوضوح. عمومًا.. ربما ينتصر شاه دمشق الحالي كما انتصر يزيد، وربما يحافظ قادة «الثورة الإسلامية» على ما يسمونه معسكر الممانعة والامتداد الإقليمي والعمق الاستراتيجي، ولكن لن ينتصر أبدًا حكم إسلامي إن لم يتصدَّ للظلم سواء كان ظلم إسرائيل للفسطينيين، أو ظلم آل سعود للسعوديين، أو ظلم آل خليفة للبحرينيين، أو ظلم آل الأسد للسوريين. كل الظلم سواء.. أو كلكم شيعة يزيد وكلكم على سُنة الحجّاج. « وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ». *كاتب مصري