هو السخف بعينه .. هذا الخطاب الإعلامي الذي يحاول من خلاله الحوثي تسويق حركته على انها حزب الله اليمني . الإيحاء المسرحي بوجود تطابق او تماثل بين الحوثية وحزب الله ، هو محاولة سقيمة لكسب شيئا من التأييد والإعجاب الذي حظي بهما حزب الله في الشارع اليمني خلال ثلاثة عقود من المواجهة الشجاعة والذكية التي خاضها الحزب مع جيش ومخابرات الكيان الصهوني . وباستثناء المجازفه باحتساب الزيديه على الكتلة الشيعية الذي ينتمي اليها حزب الله فليس هناك في الواقع ما يربط الحركتين سوى التماهي السطحي الذي يحاول الحوثيون التدليل به على وجود هذا الترابط ، لكن الواقع والتاريخ يقولان انه لا يوجد ما يؤيد هذا الزعم مطلقا .. لا في المنطلق ولا الأساليب ولا الإهداف . وبالعودة الى نشأة حزب الله الأولى ، تؤكد الوقائع ان الحزب لم يخترع عدواً ولم يفتعل احداثاً يبرر بها للناس خروجه الى النور في بداية الثمانينات من القرن الماضي كحركة مقاومة ، بل كان هذا الميلاد شرعيا ومشروعا ومنطقيا ومطلوبا في مرحلة من اكثر مراحل العرب كآبةً وانكساراً. حيث شهدت تلك المرحلة توقيع معاهدة السلام بين مصر واسرائيل في ظل ميزان قوى مختل بالكامل لصالح الكيان الصهيوني ، لحقها مباشرة قيام الصهاينة باكتساح لبنان عامي 78 ، 82 على التوالي تحت مبرر القضاء على التهديد الذي يمثله الفدائيون الذين اتخذوا من الجنوب اللبناني قاعدة لكفاحهم الفدائي لإستعادة فلسطين . ومثلما هو حال كل حروبهم ضد العرب إتبّع الإسرائيليون في كلا الحربين سياسة الأرض المحروقة ، فقتلوا وشردوا وسحقوا ودمروا كل ما صادفوه في طريقهم من مظاهر الحياة والحضارة وتمكنوا في الحملة الأخيرة منهما من احتلال العاصمة بيروت واخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان بشكل كامل ، خرج الفلسطينيون وبقي الصهاينة .. وهكذا اصبح لبنان تحت وصايتهم وارضه رهن احتلالهم ، وبالنتيجة فلم يكن أمام لبنان – بالحسابات الصهيونيه – خيار آخر سوى الإستسلام . لكن لبنان لم يستسلم …. فقد خرج حزب الله من بين الأنقاض والرماد تماماً كأسطورة طائر الفينيق ، صوتُ كرامةٍ وتحدٍ ورفض ، تبنّى مع الحركة الوطنية اللبنانية والعربيه خيار المقاومة برؤيه وحسابات مختلفه تتجاوز منطق الواقعية السياسية التي تقود للتسليم والإستسلام ، الى منطق الإيمان الواقعي الذي يقود الى التمكين والنصر . حملوا السلاح إيماناً واحتساباً لهدف واحد وحيد هو الدفاع عن امتهم ، والذود عن حياضها ومستقبل اجيالها في وجه المخططات والمؤامرات الصهيونيه التي استهدفت ولا تزال وجودها ، وتحت راية حزب الله قدم الآلاف من شباب العرب دمائهم وارواحهم في مسيرة النضال الطويلة تلك ، لم يكن الوصول الى السلطة هدفاً من اهدافهم ، ولا كان الإنخراط في الصراعات الداخليه على سلم اهتماماتهم ، لذلك لم ينزلقوا إلى اي من المعارك المذهبيه والطائفية التي طغت على المشهد اللبناني في ذلك الوقت ، بل ظلت بندقيتهم مصوبه باتجاه عدوهم وعدو امتهم فقط ، قاوموا كل اشكال الضغط والحرب النفسية والمسلحة والتسميم السياسي ، وتمكنوا عبر ماقدموه من تضحيات وما امتلكوه من إيمان وعزم من افشال مخططات أعداء الأمة التي هدفت الى فرض الذل والهزيمة والإنكسار عليها ، وفي نهاية المطاف كللوا هام امتهم بالشرف واكاليل الغار في حرب تموزعام 2006 . تلك شذرات من تاريخ حزب الله منطلقاً وأساليباً واهداف كما عرفناها عنه وتابعنا خطواتها معه طيلة ثلاثة عقود من الكفاح والنضال ضد العدو الصهيوني . وبطبيعة الحال فان هذه الرؤية الإيجابية لنشأة ومسيرة حزب الله في الصراع مع الكيان الصهيوني على مدى ثلاثة عقود لا يعني ان هذه الرؤيه يمكن ان تسحب نفسها بالتأييد والمسانده لموقف الحزب في الصراع القائم حالياً في سوريا ، فمواقف الحزب الحالية مدانه كليا ولا مجال لتأييدها او الدفاع عنها .. لكن هذا موقف وقضيه اخرى . فأين يا ترى وجه الشبه في مثل هذا الشرف الذي صنعه واستحقه الحزب.. مع الحركة الحوثيه ؟