لم يعد ثمة مستحيل في تصرفات النظام الرسمي العربي، بعد أن حوَّل إمكانيات الأمة العربية من جيوش وموارد مالية ومادية من مجالات الدفاع عن قضايا الأمة وخدمة أبنائها، وضمان مستقبل أجيالها، وحماية حدود الوطن العربي، إلى خدمة الأطماع الاستعمارية الأمريكية، وإنقاذ الاقتصاد الرأسمالي من أزماته المتعددة والمتوالية، وأخيراً - وهو الأخطر- الدفاع المستميت عن أمن وسلامة العدو الصهيوني، الذي لم تتوقف- أبداً- آلياته وأفراده عن إزهاق أرواح الأطفال والنساء والشيوخ، ليس في مناطق الصمود ورفض الاستسلام فحسب، وإنما تشمل حتى المناطق التي يديرها الاستسلاميون الخانعون. إن تآمر الأنظمة الرجعية على أمتنا وقضاياها المركزية ليس جديداً، وإنما بدأ مع الإرهاصات الأولى لتشكيل الكيان الصهيوني، قبل أكثر من ستين عاماً. ولكن الجديد في الأمر هو السفور الفاضح لهذا التآمر، وتحويله من مجرد تآمر مستور غير مباشر إلى فعل مباشر، ونقل للإمكانيات العسكرية العربية إلى خط المواجهة الأول مع المقاومة العربية، سواءً في لبنان أو في قطاع غزة بفلسطين، مع أن قادة هذه المقاومة وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله أكدوا مراراً وتكراراً أن سلاح المقاومة لن يشهر في وجه أي نظام عربي، لأن الهدف الأساس من وجودها- أي المقاومة- هو الكفاح من أجل تحرير الأرض العربية المغتصبة. بيد أن النظام الرسمي العربي وعلى رأسه نظام حسني مبارك في مصر لا يريد أن يفهم إلا ما يمليه عليه الاستعمار الصهيوأمريكي، وبالتالي يصر على جعل المقاومة الوطنية اللبنانية وقائدها المجاهد حسن نصر الله العدو الأول لمصر وللأمة خصوصاً وأن التداعيات على حزب الله وقائده لم تأت من جانب نظام مبارك فقط، وإنما تناغمت معها بشكل عجيب اتهامات غير مستندة إلى حقائق من اليمن والسعودية، وينتظر أن تتعدد مصادر هذه الاتهامات من عواصم عربية أخرى تُدار سياسياً من داخل السفارات الأمريكية. واذا ما سارت المؤامرة حسبما هو مخطط لها، فإن النتيجة هي أن يتولى نظام مبارك، مدعوماً بالمال والموقف العربيين للحرب نيابة عن العدو الصهوني، بناءً على اداعاءت واهية بأن حزب الله اللبناني يشكل خطراً على أمن مصر، وكأن أمن الكيان الصهيوني يتطابق مع أمن مصر، فضلاً عن قيام النظام المصري بمحاصرة أهلنا في غزة نيابة عن العدو الصهيوني. ولا يصعب على النظام العربي الرسمي تزوير الحقائق واختلاق الاحداث، فذلك ديدنه منذ تراجع المشروع الحضاري العربي، وبالتالي لا نستغرب أن تختلق جهات التحقيق في مصر حيثيات وتزور وقائع وتثبت ادعاءات نظام مبارك، بعد أن تسللت أيدي الفساد إلى عقر دار القضاء المصري النزيه، ولو اضطر إلى نصب محاكم عسكرية تدوس على القانون والدستور وإرادة الجماهير، لتشوه الصورة الجميلة للقضاء المصري. إن فساد وعمالة مفردات النظام الرسمي العربي بات يقلب المنطق رأساً عن عقب وتغيير المفاهيم والقيم، فأصبح دعم المقاومة الفلسطينية جريمة تستحق العقاب، وباتت المقاومة إرهاباً يجب اجتثاثه، بينما لا تستحي هذه الأنظمة وهي تتفق مع الرأي الأمريكي في توصيف الإرهاب الصهيوني على أنه دفاع عن النفس، وأياً كانت نوعية الأغلفة التي يغلف بها النظام الرسمي العربي عمالته للاستعمار والصهيونية، فإن الجماهير العربية قد غسلت أيديها من دنس هذا النظام، وباتت تشخص عجزه عن القيام بمهامه القومية، وبالتالي فإن عليها أن تتكاتف لإسقاطه وتدير معاركها مع العدو بنفسها، وأن تأخذ العبرة من الانتصارات التي حققتها المقاومة الوطنية في لبنان وقطاع غزة، بعيداً عن خذلان الأنظمة التي كانت تنتظر الهزيمة بفارغ الصبر، فخيَّب الله آمالها وحقق على أيدي أبطال المقاومة- بإمكانياتها المحدودة- ما عجزت عنه الأنظمة بإمكانياتها المطلقة.