سنداً لفقهاء القانون فإنّ كل دولة تحكمها مجموعة من القواعد القانونية الأساسية وهذه القواعد هي التي تحدد شكل الدولة من حيث التركيب وتبيّن نظام الحكم فيها وتوضح سلطاتها العامة وعلاقاتها ببعضها وعلاقة الأفراد بها كما تقرر حقوق الأفراد وحرياتهم المختلفة وضمانات هذه الحقوق والحريات. وهذه القواعد القانونية الأساسية هي التي تحدد وضع الدولة من مختلف النواحي وتسجّل في وثيقة رسمية تصدر عن الدولة وتحمل اسم الدستور الذي تسير الدولة على هديه، وقد يكون الدستور من وضع جمعية منتخبة من الشعب لهذا الفرض، وقد يوضع الدستور بواسطة لجنة منتخبة بواسطة الشعب أو معيّنة من قبل الدولة، ولكنه لا يصدر إلاّ بعد استفتاء الشعب على نصوصه، وعندئذٍ يوصف بأنّه ثمرة ونتيجة للاستفتاء الشعبي، وكما أنّ القواعد الدستورية تصدر عن الدولة فإنّها تعدَّل وتلغى عن طريقها أيضاً وفقاً لإجراءات خاصة في الغالب، وأحياناً تلغى القواعد الدستورية عن طريق الثورة. وفي الحالة المصرية تشكّلت الجمعية التأسيسية للدستور بموجب الإعلان الدستوري بعد استفتاء الشعب عليها في آذار 2012 وبعد تعطيل العمل بدستور 1971 بسقوط النظام وشاركت بها معظم الأحزاب المصرية التي سرعان ما انسحب بعض أعضائها لتعطيل الحياة السياسية في مصر دون مسوغ قانوني ولم يتسنَ للدولة عرض هذا الدستور للاستفتاء الشعبي كي يصبح هذا الدستور هو العقد الاجتماعي الناظم للدولة والحياة السياسية في جمهورية مصر العربية ولأول مرة منذ حكم الفراعنة لمصر ينتخب الشعب بإرادة حرة ديمقراطية رئيسه ودون إملاءات خارجية. وفي ضوء ما تقدّم فإنّ استقرار الحكم في مصر أو أيّ بلد آخر يتطلّب ما يلي: أولاً: وجود هيئة حاكمة لها سلطة الهيمنة والإشراف على الإقليم، ولا يتصور وجود مجتمع دون سيطرة للدولة على مختلف أوجه النشاط التي يمارسها الأفراد، ولا يمكن أن يوجد مجتمع متحضر دون سلطة عليا في الدولة، وبمقدار تقدم الوعي السياسي للأفراد تستقر الدولة وترتقي إلى الأعلى. ثانياً: إنّ الدولة في حدود إقليمها تملك التدخل في سائر مظاهر الحياة البشرية لتنظيم وإقرار مصالح الأمن والعدالة في ربوع البلاد ولا تستطيع قوى المعارضة أن تسلب رئيس الدولة صلاحياته الدستورية عن طريق المظاهرات الصاخبة وتحريك الشارع، ولكن الطريقة القانونية الصحيحة للتغيير هي الاحتكام من جديد لصناديق الاقتراع وإرادة الشعب المصري العظيم. ثالثاً: لقد قامت الثورة المصرية وألغت نظام حكم مبارك وعصابته المجرمة وأعلنت الجمهورية العربية المصرية الديمقراطية الجديدة وأخذت بتطهير البلاد من الأوضاع الفاسدة التي كانت تجتاحها، الأمر الذي حرّك أركان الدولة البائدة العميقة لزعزعة الاستقرار والأمن للدولة الحديثة، وإنّ من حق الشعب المصري الصابر الشجاع أن يرفض الفساد والمفسدين وأن يسيطر على ثرواته وأن يحكم نفسه بنفسه دون وصاية أو تبعية لأحد. إنّ من حق مصر علينا كعرب ومسلمين أن ندافع مع الشعب المصري عن شرعيته الدستورية التي تحاول فلول مبارك سلبها من جديد دون وجه حق. إنّ من مصلحة الأمة العربية أن ترحّب بالخطوات التي فرضها الشعب المصري على أرض الواقع وأن تقف صفاً واحداً في وجه المطامع الأجنبية والصهيونية، لأن مصر هي قلب الأمة النابض وبوصلة وحدتهم وربيع ثوراتهم وتحقيق أحلامهم في الحرية والعدالة والديمقراطية الحقّة وإنّ أيّ انتكاسة لهذه الثورة العظيمة ستصيب الأمة في مقتل. إنّ خوف الكيان الغاصب والولايات المتحدةالأمريكية من هذه الديمقراطية الفتيّة نابع من خوفهم على فقدان مصالحهم واحتكاراتهم في مصر ومن ثم في باقي المنطقة العربية، ونابع من قلقهم على قاعدتهم المتقدمة في المنطقة «إسرائيل». إنّني أناشد الجيش المصري العظيم هذه المؤسسة الوطنية التي ساعدت الشعب المصري على الانتقال سلمياً إلى عصر الثورة الجديدة أن يراجع موقفه من شرعية الرئيس المنتخب والحفاظ على المؤسسات الدستورية وهياكل الدولة وأن لا يتدخّل في العمل السياسي أو يسعى للحكم لأن ذلك سيؤدي إلى دمار مصر وانهيارها ودخولها في صراعات مسلحة وغير مسلحة لن تكون في مصلحة الشعب المصري العظيم، وأناشده أيضاً تفويت الفرصة على الكيان الصهيوني الغاصب من النيل من مصر أو شعبها العريق. المطلوب من مؤسسة الجيش المصري التي لا يشك أحد بانتمائها لمصر والأمة العربية أن تتضمن خريطة المستقبل استقالة الحكومة المصرية الحالية وتشكيل حكومة ائتلاف وطني من كل الأحزاب والأطياف، وأن يتم تشكيل لجنة قانونية من جهابذة القانون والسياسة المصريين لإعادة صياغة دستور توافقي يلبّي طموحات كافة أبناء الشعب المصري وأن يتم إعداد قانون للانتخابات البرلمانية والرئاسية يلبّي الطموح وأن يعلن الجيش بشكل واضح أنّه مع الشرعية الشعبية التي اختارها الشعب عبر صناديق الاقتراع، وبعكس ذلك فإنّ الجيش المصري يرتكب خطيئة بحق مصر والمصريين ويدخل البلد في أتون حرب أهلية طاحنة لن تبقي ولن تذر. اللهم احم مصر الكنانة ذخراً لشعبها الوفي وذخراً لأمتها العربية التي تدعو لها بتجاوز هذه المحنة. خاصة بعد أن انتصرت إرادة شعب مصر على طاغية العصر وعصابته الحاكمة واستطاع الشعب أن يختار رئيسه الذي مارس السيادة والسلطة باسم الشعب صاحب السيادة في الأصل لأن السيادة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عنها ولا تتقادم فهي مستقرة في مجموع الشعب الذي عبّر عنها في صناديق الاقتراع بانتخابات حرة نزيهة بشهادة اللجنة القضائية المشرفة وبشهادة العالم أجمع، لذلك فإنّ الشرعية الممنوحة للرئيس من الشعب لا يجوز تقييدها أو الخروج عنها إلاّ إذا حنث الرئيس نفسه بالقسم الدستوري وخرج عن الشرعية المستمدة من الشعب. إنّ مطالبة بعض الأحزاب والجماعات في مصر بتقييد صلاحيات الرئيس أو نزعها لصالح الحكومة يقوّض النظام الرئاسي برمّته المعمول به في جمهورية مصر العربية ويهدم ما بناه شعب مصر العظيم بكفاحه ودمائه، وهذا لن يسمح به الشعب المصري العظيم الذي انتخب الرئيس ومنحه صلاحياته الدستورية التي تكفل حماية الحريات والحقوق الأساسية للشعب، والله ولي التوفيق.