لم يكن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني يوم الجمعة الماضي سوى تتويج لعلاقات سرية بين النظام الإيرانيوالولاياتالمتحدة جمعت بين البلدين طوال العقود الماضية. وقد بدأت هذه العلاقات مع اندلاع الثورة الإيرانية في العام 1979 حيث لعبت الولاياتالمتحدة الدور الرئيسي في إنجاح الثورة الإيرانية حينما تخلت عن «شرطي الخليج» آنذاك الشاه محمد رضا بهلوي ورتبت مع فرنسا عودة الإمام الخميني الذي كان منفيا في فرنسا على متن طائرة أقلته من باريس إلى العاصمة الإيرانيةطهران ليقود نظاما يبدو في ظاهره على عداء مع الولاياتالمتحدة التي دعمته وتخلت عن شرطيها لصالحه، وقد تجذرت رغم العداء المعلن علاقات سرية بين الطرفين وإن كانت مرتبطة في أغلبها بالظروف السياسية والعسكرية التي تعرضت لها المنطقة، ورغم صفة الشيطان الأكبر الذي تصف بها إيرانالولاياتالمتحدة و«أكبر الدول دعما للإرهاب» التي تصف بها الولاياتالمتحدةإيران، إلا أن تعاونا وثيقا تم بين البلدين عبر قنوات عديدة لعل أبرزها القناة الاستخباراتية والعسكرية، فقد تعاونت إيران إلى حد بعيد مع الولاياتالمتحدة في الحرب على تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولأن إيران كانت ملجأ لهروب كثير من قيادات القاعدة وطالبان من خلال الحدود المشتركة الطويلة بين أفغانستانوإيران، فقد انتهى حال كثير من هؤلاء في معتقل غوانتانامو بعد ذلك عبر صفقات سرية دفعت الولاياتالمتحدة ثمنا باهظا لها ولم تتأخر إيران في التعاون، وكان التعاون العسكري الأبرز بين الطرفين حينما استخدمت الولاياتالمتحدة المجال الجوي الإيراني لعبور الطائرات لاسيما بي 52 العملاقة قاذفة القنابل التي كانت تقلع من قواعد عسكرية أميركية في إسبانيا وتضرب العمق الأفغاني فيما عرف عسكريا «بالقصف السجادي» وكان المجال الجوي الإيراني هو الطريق المختصر لعبور تلك القاذفات، و«كله بثمنه» كما يقول المثل، كما أن التواطؤ الأميركي فيما يتعلق بالأحداث الجارية في سوريا وعدم تطبيق أية قوانين دولية أو قرارات أممية يمكن أن تؤدي إلى سقوط النظام في سوريا هو جزء من الاتفاقات غير المبرمة بين الولاياتالمتحدةوإيران، وبالتالي فإن ما أعلن عن التفاهم بين الولاياتالمتحدةوإيران فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ليس سوى حلقة في سلسلة التعاون الجاري بين البلدين، هذا لا يعني أن كلا من الطرفين يستخدم أطرافا غير مباشرة لممارسة سياسة عض الأصبع مع الطرف الآخر مثل حزب الله في لبنان والنظام في سوريا من قبل إيران، والقواعد العسكرية والحلفاء المحيطين بإيران من خلال الولاياتالمتحدة، لكن هذا لا يعني أن القنوات السرية تتوقف عن العمل بل هي البوابة الخلفية المفتوحة دائما والتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى ما أدت إليه من لقاء وصف بأنه تاريخي بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والإيراني محمد جواد ظريف يوم الخميس الماضي في الأممالمتحدة وقد ظهر ظريف بعد اللقاء مرتاحا أمام الصحفيين، كما شدد كيري على ضرورة تواصل هذه الاجتماعات وفي اليوم التالي أجرى أوباما اتصاله مع روحاني. إن ما يجري أمام كاميرات الصحافة والإعلام يختلف كثيرا عما يجري وراء الأبواب المغلقة، وما يتم إعلانه عبر القنوات الدبلوماسية يختلف كثيرا عما يجري من خلال الأجهزة الاستخباراتية والأمنية وهذه هي الحالة التي تربط العلاقات الأميركية الإيرانية، كما أن الإعلان عن أن المباحثات تجري حول البرنامج النووي الإيراني لا يعني أنها لم تتناول كافة الملفات الأخرى وعلى رأسها النظام في سوريا وحزب الله وأوضاع الدول الخليجية، لكن ما جرى ليس سوى خطوة من خطوات كثيرة معلنة ستكون نتاجا لمباحثات كثيرة غير معلنة سوف يتم الإفصاح عن بعضها في الأيام القادمة.