(1) تعود المواطنون في بعض المحافظات اليمنية أن يقولوا (الرقم خطأ) على من يتحدث بطريقة خاطئة وإن كانت بعض حيثياته صحيحة.. أو إذا فهموا أن مقدماته لا تتفق مع استنتاجاته!
الأستاذ/ سالم صالح محمد – مستشار رئيس الجمهورية اليمنية- له رؤية وطنية منشورة حول المشاكل الموجودة في المحافظات الجنوبية، وقد نشرت صحيفة (اليمن/ أولاً) جزءا من هذه الرؤية. ومع أننا لا نعرف ماذا في بقية الرؤية إلا أن منهجية الأستاذ المستشار في تناول المشكلة لا تختلف كثيراً عما يقوله أمثاله من الذين كانوا في السلطة تم أطاحت بهم المشاكل والخلافات!
(2) تشتمل الرؤية الوطنية للأستاذ المستشار على مجموعة من الأحكام التي يرى أنها كانت سببا في الأزمة التي تعيشها البلاد.. ويمكن أن نلخص رؤيته للأسباب فيما يلي: 1- حرب صيف 1994 هي التي أوجدت كل المسائل السياسية العالقة والنتائج السلبية التي تعيشها البلاد. 2- بعد الحرب اختل التوازن السياسي والاجتماعي وتصدعت المنظومة السياسية للبلاد. 3- هيمنة طرف واحد على السلطة هيمنة شمولية تجاهلت القوى السياسية الأخرى. كما تضمنت الرؤية –أيضاً- حلولا لما يراه الأستاذ/ المستشار ضرورة لاستقامة الأمور.
سأبدأ بالقول بأنني لم أفاجأ بما تضمنته رؤية مستشار رئيس الجمهورية لماهية الأزمة.. فمثله لا يمكن أن ينظر إلى العمق.. هناك حيث نشأ نظام (22 مايو 1990) حاملا معه كل بذور الأزمات الراهنة.. والوصفة القاتلة التي بموجبها استولت مجموعة من القيادات السياسية والحزبية والعسكرية في عهد ما قبل الوحدة على (دولة الوحدة) وأمموها لمصالحهم الخاصة والحزبية.. هذا النظام – الذي ما يزال قائما برأس واحدة بعد أن ظل برأسين طوال أربع سنوات – هو سبب الأزمة التي يعيشها كل اليمنيين.. تماما كما كانت الأخطاء والعلل التي اتسمت بها الأنظمة التي جاءت بعد الإطاحة بالإمامة والاستعمار البريطاني، هي سبب الأزمات التي عاشها اليمن منذ 1962 و1967.
فلم تتحقق شعارات الحكام الجدد في إقامة النظام السياسي السليم الذي يحفظ حقوق المواطنين على اختلاف انتماءاتهم المناطقية والمذهبية والسياسية. وعلى ذلك سيكون من الخطأ أن يأتي المتضررون من الصراعات السياسية الدورية على السلطة بعد 1962 وبعد 1967 ليلقوا باللائمة على الذين أخرجوهم من السلطة ونزعوا الكراسي من تحتهم! فالجميع كان مشاركاً في صناعة الكارثة.. والجميع عندما كان في السلطة كان يمارس دور (الإمام) ودور (المحتل البريطاني) وإن تم تغليف ذلك بشعارات الجمهورية والثورية والاشتراكية!
تأملوا في الأسباب التي أوردها (المستشار) وقولوا لنا أي عهد سياسي بعد سبتمبر ونوفمبر خلا من هذا الأمراض: - اختلال التوازن السياسي والاجتماعي؟ (كلهم في الاختلال كانوا شرق)! - تصدع المنظومة السياسية للبلاد؟ (من كان منكم بلا تصدع فليرمنا بحجر!) - حرب أهلية أنتجت مسائل معلقة ونتائج سلبية؟ (كل شطر كانت له أكثر من حرب أهلية.. ولا فخر!) - هيمنة طرف واحد على السلطة هيمنة شمولية تجاهلت القوى السياسية الأخرى؟ (اليمنيون يردون على هذا الكلام: متعودين!!) - وهكذا سوف نجد أن أبرز أو كل الأسباب التي افترضها المستشار بأنها سبب للازمة القائمة هي أسباب متأصلة في البلاد على أيدي الذين حكموا منذ 1962 و1967 وحتى قيام الوحدة.. فلما قامت الوحدة عام 1990 استمر الحال مع بعض الرتوش التي تتناسب مع التحولات العالمية ولزوم العهد الوحدوي الجديد الذي حمل في أحشائه كل أمراض الماضي وغطاها – دون جدوى طبعا- بشعارات المشاركة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.. واخرط.. اخرط!
سوف نلاحظ للأسف الشديد أن الرؤية المستشارية لم تتحدث عن تزييف الإرادة الشعبية في الانتخابات، وتأميم العمل النقابي والجماهيري، وإدماج الدولة بالحزب الحاكم، وعدم حيادية المال العام والإعلام الرسمي والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية لا شيء من ذلك أبدا.. فالمسألة: وظائف أصحابهم ومنازلهم!
(3) يتحدث الأستاذ المستشار عن ضرورة مراعاة خصوصيات المناطق الجنوبية والشرقية التي كان لها –كما يقول- دولة ونظام معترف بهما دوليا.. وكل كيانين يتوحدان في عالم الجن أو الإنس يكون لكل منهما نظام ودولة معترف بهما دوليا قبل التوحيد.. ولو كانت مراعاة هذه الخصوصيات ضرورية فلماذا لم يتم ترتيب ذلك أو وضعه في الدستور أو اتفاقية الوحدة صراحة منذ بداية الوحدة؟ لقد عرفت المشاورات والاتفاقيات عشية الوحدة مجموعة كبيرة من الترتيبات العلنية و(السرية) لضمان خصوصيات فردية وحزبية – تعد أحد أبرز أسباب الأزمة التي واجهتها دولة الوحدة حتى الآن- وبدون لف أو دوران.. فإن سبب تذكر ذلك الآن هو ضياع السلطة والهيمنة الشمولية والخروج من جنة الحكم إلى جهنم المعارضة!
هذا هو الذي جعل القوم يتذكرون الخصوصيات! وليس الغيرة.. ولذلك يلجأ الأستاذ المستشار لاستخدام أوصاف غير دقيقة مثل الدفاع عن (أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية) وهو يقصد رجال وكوادر السلطة الحزبية الشطرية السابقة.. فمن المؤكد أن الأجهزة العسكرية والأمنية والشرطوية قبل الوحدة لم تكن تجسد المواطنة المتساوية بين جميع المحافظات الجنوبية والشرقية بقدر ما كانت تجسد الانتماء للحزب الحاكم والتيارات المناطقية المتنافسة داخله!
(4) عبارة مهمة في رؤية الأستاذ المستشار تؤكد صحة قراءتنا لكلامه وهو يطالب – من ضمن الحلول التي يقترحها لحل الأزمة القائمة – ب(رأب الصدع الذي أصاب الشراكة السياسية بين الحزبين اللذين حققا الوحدة اليمنية، وعلى أساس العدالة.. وما اتفق عليه عند الوحدة، وليس على أساس السكان الذي مثله ويمثله كل جانب)!
وبداية فإن رأب الصدع ليس خطأ بل مطلوب وبين كل الأحزاب اليمنية.. لكن من المهم الانتباه لكلمات مثل: (وما اتفق عليه عند الوحدة وليس على أساس السكان)!
وهنا نقطة مهمة: فما الذي تم الاتفاق عليه عند الوحدة وحدث على العكس منه؟ هل تم الاتفاق عند الوحدة بين الشريكين على (البقاء) في السلطة جنبا إلى جنبا حتى تطلع الشمس من مغربها؟
أين هي هذه الاتفاقيات التي حدثت عند الوحدة وتتعلق بالعدالة والسكان والأرض الذي على أساسها يتم تمثيل كل جانب؟
كل الذي نشر وسمعناه منذ فجر الوحدة هو أن الوحدة ارتبطت بالديمقراطية بل كانت الثانية شرط للأولى لا تصح إلا بها.. والديمقراطية تعني حكم الأغلبية –طبعا بانتخابات نزيهة وليس كما حدث عند الاستفتاء على الدستور عام 1991، وكما حدث في انتخابات 1993 وما بعدها حتى الآن- وفي المعايير الديمقراطية، لا يوجد تقاسم أبدي للسلطة أو بقاء فيها بحيث إذا فقد طرف سياسي السلطة يحق له رفع راية العصيان وإعلان الانسحاب من الدولة! بل حتى استخدام مصطلح (الشريكين) يخلو من اللباقة.. وكأن اليمن واليمنيين كانوا بضاعة أو قطعة أرض يشترك في ملكيتها طرفان يحمل كل منهما بصيرة بملكيته أو بشراكته في ملكيتها!
لقد صرت مؤمنا بأن أولى الخطوات في تصحيح الأخطاء وحل الأزمة القائمة هو أن يعترف الذين شاركوا في إقامة الوحدة بأخطائهم وأن يكشفوا الاتفاقيات السرية التي عقدت في الأنفاق والكواليس والغرف المغلقة.. ولأن الذين في السلطة الآن لا يمكن أن يعترفوا.. فلا يبقى أمام الشعب من أمل إلا أن يعترف الذين خرجوا من السلطة بما حدث.. ولو كان فيها إساءة لهم إلا أننا سنغفر لهم ما قدمته أيديهم فيكفيهم ما حل بهم.. والمهم الآن الاعتبار بما حدث والتكفير عن أخطائهم في حق الوحدة والشعب بأن يبدأوا مرحلة جديدة في العمل السياسي والنضال الوطني لتصحيح الأخطاء ليس انطلاقا من المطالبة بعودة الامتيازات ولكن بتبني مشروع وطني للإصلاح الشامل يطهر دولة الوحدة ونظامها السياسي من الأمراض والاختلالات التي تأسست عليها بسبب الطريقة التي وحد بها الحزبان الحاكمان آنذاك البلاد والعباد!
المطلوب من الأستاذ المستشار الآن أن يقف في المربع الصحيح بجوار إخوانه في المعارضة – ومنهم زملاؤه في الحزب الاشتراكي اليمني- الذين يتبنون مشروعا للإصلاح الشامل –بصرف النظر عن بعض الملاحظات المأخوذة عليه- يعيد تأسيس دولة الوحدة على أساس صحيحة وليس على الأسس المصلحية لوحدة 22 مايو 1990 وما تلاها من تغييرات دستورية وقانونية ظلت تستمد من وحدة 22 مايو 1990 أخطاءها وأسسها المصلحية!
هذه هي طبيعة الأزمة التي تعيشها اليمن واليمنيون منذ عشرين عاما وليس منذ 1994.. والذي يصر على تجاهل هذا الأمر فإنه في أحسن الأحوال يزيف وعي الشعب.. وفي أسوأها يشارك في استمرار جريمة تأميم الوحدة.. والشعب.. والبلاد!
(5) في حواره مع قناة (سهيل) فوجئت بالمهندس محسن باصرة –القيادي البارز في اللقاء المشترك- يتحدث عن استمرار مشكلة المنازل المؤممة في حضرموت.. وكنت أظن أن المشكلة قد حلت.. وكذلك أعرف أن مشكلة المنازل المؤممة في عدن ما تزال قائمة.. وما زال المواطنون في المحافظات الجنوبية والشرقية يرون بأم أعينهم ممتلكاتهم ومنازلهم في حوزة الغير (هذا الغير من مواطني الجنوب وليس الشمال).. بل بعضهم لم يعد في حاجة إليها ولا يسكن فيها ويقوم بتأجيرها واستثمارها وأصحابها الشرعيون لا يجدون أحداً بدرجة مستشار، أو حتى بدرجة زعيم في الحراك الجنوبي، يطالب بإعادة حقوق (الجنوبيين) المنهوبة التي صودرت على أصحابها.. والأكثر مرارة أن الحديث يتركز فقط عن المنازل المنهوبة أثناء وبعد حرب 1994 فقط.. ويتناسى ما قبلها وهو الأكثر عددا!
المثير للدهشة.. أنني قرأت قبل شهور قليلة نداء من مجموعة تضم عشرة آلاف عسكري يطالبون بإعادة (أراضي) يقولون إنها صرفت لهم في محافظة عدن بداية الوحدة!
ونحن نتمنى أن يكون لكل يمني بقعة مجانا في بلاده ولو تم تقسيم أراضي الجمهورية على الجميع.. لكني لا أفهم لماذا يتم صرف أراضي في عدن –بداية الوحدة.. انتبهوا لذلك –لعشر آلاف عسكري؟ لماذا لم تصرف لهم الأراضي في محافظاتهم التي ينتمون إليها.. فبالتأكيد لا يمكن أن يكون هؤلاء العشرة آلاف ينتمون إلى محافظة عدن.. فالانتماء المناطقي معروف للعسكريين من قبل ومن بعد ولعل هذا التصرف هو الذي جعل الآخرين يكررون التصرف نفسه ويصرفون أراضي الدولة لمن هب ودبَّ!
(6) لا تعني هذه الملاحظات النقدية على رؤية الأستاذ (سالم صالح محمد) أننا ننفي وجود كثير من المشاكل التي ذكرها.. لكن نقدنا يتناول إصراره على الاقتصار على المشاكل التي تعاني منها فئة معينة فقط من المواطنين.. وكذلك إصراره على تجاهل سبب الأزمة التاريخية التي تمر بها البلاد والتي بدأت مع الأخطاء والترتيبات الحزبية والفردية المصلحية لوحدة 22 مايو 1990 التي أسست للأزمة الدائمة.. ولذلك قلنا: إن الرقم غلط.. وعلى الأستاذ المستشار أن يعيد تصحيح الرقم إن أراد أن يذكره التاريخ والناس بخير!