تلقى العميد أحمد علي عبدالله صالح الأسبوع الفائت وكزة موجعة من جهة البرلمان، ولم يكن بوسع يحيى الراعي أمام هيجان القاعة سوى أن يقول لصلاح العطار: "توكل لك على الله". لم تكن قصة طرد رئيس الهيئة العامة للاستثمار، الأسبوع الفائت، مصادفة أو بنت لحظتها.. الحكاية بدأت قبل يومين من الطرد.. وكانت ردود وإيضاحات العطار على اعتراضات النواب على بعض نصوص مشروع قانون الاستثمار مستفزة لبعضهم، خصوصاً أعضاء لجنة التنمية والنفط الذين لم يناقشوا مشروع القانون مع اللجنة المالية، وهي التي تربط بعض أعضائها علاقة جيدة بنجل الرئيس.
كان العضو البارز في لجنة التنمية علي محمد المعمري يعترض على إنزال المشروع إلى القاعة متسائلاً: "هذا المشروع غلط وغريب وكيف وصل إلى القاعة"؟ وكان في اليوم الأول، الذي أُخضع فيه المشروع للنقاش، علي المعمري يواصل اعتراضه عليه بشدة.. أما زكريا الزكري مقرر اللجنة المالية، فكان يواصل قراءة المشروع مادة مادة ويواصل استقبال المقترحات والراعي يدير النقاش ويتصايح مع المعمري..
المعمري لم يتوقف، وعندما اتهم اللجنة المالية بأنها انفردت بنقاش المشروع لوحدها، رد عليه الزكري: "تلك هي مشكلتكم، لجنة التنمية والنفط هي التي تنصلت عن مسؤوليتها ولم تكلف نفسها الحضور معنا". أما صلاح العطار؛ الذي كان يتابع النقاش بثقة عالية ملتفتاً كل خمس دقائق إلى وراه باتجاه علي المعمري، الجالس في الخلف إلى جوار محمد عبده سعيد أنعم كعادته، فكان قلقاً ومستغرباً لجرأة المعمري.
يبدو أن صلاح العطار طفح كيله وقد نهض من مكانه وتوجه صوب البوفية وعبر الطريق التي تمر من أمام علي المعمري، وعندما اقترب منه همس بكلمات خافته إليه وواصل السير نحو البوفية، ثم عاد ورفعت الجلسة وعلي المعمري يشتاط غضباً، وزاد من اعتراضاته على مشروع القانون، وزاد وزاد.
في ساحة المجلس تواجه الرجلان (العطار والمعمري) وتبادلا الكلام على نحو يشبه "المحاتمة".. وقيل إن العطار قال للمعمري: "طُزّ في البرلمان"، فرد عليه الأخير: "يا صلاح ما يصلحش هذا الكلام، هذه مؤسسة تشريعية مستقلة إلا". لكن العطار، الذي يركن إلى صداقة قوية مع العميد أحمد، قيل إنه زاد عليها: "طُزّين في النواب". ووجه إلى المعمري أيضاً بعض كلمات مسيئة، إليه شخصياً –حسب مصادر أكيدة.
تعامل المعمري مع صلاح بهدوء أعصاب ولكن و"القِمر" –بكسر القاف- يشويه من الداخل.. وعلي المعمري، هو نائب شرس و"مترنفز" لكنه تلك اللحظة لم يكن يملك إلا أن يرد على صلاح العطار هكذا: "خير إن شاء الله".
وفي اليوم التالي جاء صلاح ودلف إلى القاعة يخطو بثقة عالية وعليه بدلة أنيقة وكرفتة تبدو من الحرير الخالص وساعة باهظة القيمة.. وكان نازلاً إلى القاعة وآخذاً طريقه إلى المقعد الأول، وعلي المعمري جالس في الصف الأخير ويرمقه بحقد وتحدي.. وبعد عشر دقائق، وبعد قراءة المحضر، كهرب عبده بشر القاعة، وهو يسرد القصة الكاملة وما حدث للمعمري بالأمس. في تلك اللحظة تفاجأ الجميع وتساءلوا: كم إن علي المعمري محبوب ويحظى بشعبية عارمة بين زملائه.. لقد ارتفعت مئات الأيادي في الحال دفعة واحدة بعد سماعها ما حدث للمعمري وارتفعت الأصوات أيضاً.
وقال عبده بشر، وهو نائب شجاع وصريح ولا يحب أن يهان أي من زملائه، قال مخاطباً رئيس المجلس والقاعة كلها تنظر إليه: "الأخ الرئيس.. إذا كان صلاح العطار يحضر إلى هنا باعتباره رئيساً للهيئة العامة للاستثمار فأهلاً وسهلاً به، وإن كان يحضر فقط باعتباره صديقاً لأحمد علي عبدالله صالح فهذا الباب أمامه"، وأشار بأصبعه باتجاه الباب الذي دخل منه صلاح قبل 20 دقيقة.
كان الموقف عصيباً بالنسبة ليحيى الراعي، وكان بين أمرين أحلاهما مُرّ؛ إمَّا أن يسند صلاح وبالتالي يخسر القاعة كلها وتبقى القاعة خالية، وإما أن يكسب القاعة ويقول للعطار بمرارة: "صلاح.. توكل لك على الله" وبالتالي يكسب القاعة ويأتي وزير التخطيط بدلاً عن العطار.
لم يقلها رئيس المجلس إلا بعد أن شعر أن القاعة تتفجر كالبركان والنواب مستفزون إلى أعلى درجة وغير قابلين أي اعتذار لصلاح، الذي حاول أن ينفي لكنه فضح لكونه اعترف أمام رئيس المجلس وهناك شاهدان.
حاول الراعي أن يرفع الجلسة لمدة عشر دقائق حتى تهدأ العاصفة، لكنها لم تهدأ ولن تهدأ إلا بخروجه (صلاح) وقد طُلب من المعمري أن يسامح فوقف ليقول: "ما هو خاص بي شخصياً أنا مسامح وما هو خاص بمجلس النواب فالأمر متروك للقاعة"، ولكن القاعة كانت تصيح من أقصاها إلى أقصاها: "أبداً.. أبداً.. أخرج". ولم يكن أمام رئيس المجلس، الذي كان غاضباً وفي حيرة شديدة، لم يكن بوسعه سوى أن يدق بالمطرقة ويخاطب رئيس الهيئة العامة للاستثمار بصعوبة شديدة: "صلاح.. خلاص توكل لك على الله".