من حيث المبدأ يعد توقيع المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك على محضر بدء الحوار على أساس اتفاق فبراير 2009 إيجابية تحسب للطرفين، كون الحوار مسلكا حضاريا وحاجة ملحة لتجاوز الأخطاء والإخفاقات ووضع حد لحالة الركود السائدة في البلد. وبطبيعة الحال فإن مثل هذا الاتفاق يعد مطلباً جماهيرياً ملحاً لتصحيح وتنقية الحياة السياسية، ويغدو من الضروري أن تتسلح به كل الأطراف السياسية إذا أرادت أن تعيش حياة سياسية مفعمة بالعافية وتتيح أفضل الظروف لتطوير المجتمع. ولا ريب فإن كل الخيرين في البلد يتطلعون إلى حوار جاد وهادف ينأى بالمعنيين بممارسة العمل السياسي عن الأساليب الخاطئة، فلا يجنح شعور الحزب الحاكم بقوته نحو الغرور، ولا يقود ضعف اللقاء المشترك الإحساس بالإحباط والقبول بأقل الخيارات سوءاً.
لكن حري بنا أن نتعامل مع القضايا بمعيار العقل والواقع المعاش لا العاطفة والإفراط في التمني، لا لشيء وإنما كي لا نخدع أنفسنا ونظل أسرى ما يملى علينا من وعود تغيير أحوالنا وحل مشاكلنا. فالمتأمل والمتابع لواقع المشهد السياسي يدرك أن مثل هذا الاتفاق أو الحوار لن يلامس جوهر المعضلات ولن يلبي حاجات الأطراف السياسية الغائبة عنه حتى ولو حقق نتائج إيجابية وانتهت مشكلة تعديل النظام الانتخابي وتغيير لجنة الانتخابات، وذلك لعدة أسباب أهمها نتائج الاتفاقات والحوارات السابقة بين المؤتمر والمشترك، إذ إن التركيبة البنيوية للنظام الحاكم بنيت على مزاج مغاير ومفهوم مختلف، حيث يرى في الديمقراطية مجرد لعبة في يده يمارسها بما يتوافق مع مصالحه، وإن سمح بوجود هامش ديمقراطي فذلك هبة ومكرمة منه لا استحقاقاً، ووسيلة مثلى لتبادل السلطة سلمياً، فالبعد الأخلاقي للحوار الوطني غائب أو قد يتم إغفاله عمداً، إذ إن المشكلة في البلد لا تكمن في توقيع محضر اتفاق أو الوصول إلى توافق حول إجراء الانتخابات بقدر ما هي الحاجة إلى برنامج إصلاح شامل لكل اليمن وفي المقدمة إصلاح النظام السياسي.
وإذا ما أردنا تعزيز ما سبق ذكر،ه فلنا في الوضعية والبنية الضعيفة للمعارضة خير دليل؛ فإذا نظرنا إلى تجارب معارضة اللقاء المشترك السابقة، وإلى ضعف التقاليد والممارسات الديمقراطية بين صفوفه، وحجم الصعوبات الموضوعية التي تحول دون تقديمه للحلول بحجم المشاكل، فأكثر ما ستفعله هذه الأحزاب- حال عدم توصلها مع الحزب الحاكم إلى توافق- لن يزيد على إصدار بيانات وتوزيع منشورات، وإن تصاعدت الأصوات فلن تتجاوز استوديوهات قناة سهيل ويبدو هذا الضعف جلياً باعتراف قادة المشترك، فمنهم من وصف الاتفاق بأقل الخيارات سوءاً ومنهم من وصفه بالممكن، ومنهم من استجاب تحت دواعي إحراج الوسطاء في الداخل والخارج.
كذلك غياب القضية الجنوبية التي أصبحت قضية حقوقية مطلبية تزداد قوتها يوماً بعد يوم، وتتضاعف مطالبها وتنحرف عن مسارها لتهدد السلم الاجتماعي وتقضي على عرى الوحدة الوطنية بين أبناء اليمن، فأي حوار نتفاءل به وأي نتائج ننتظرها؟ ليس بمقدور اللقاء المشترك أو فئة أو تحالف للأحزاب أن يتحمل مسؤولية حلحلة مشاكل البلد بعيد عن الآخرين وبمعزل عن مشاركتهم، فمثل هذا الاعتقاد ليس إلا ضرباً من الوهم، ومثل هذا الحوار ليس إلا اضطرار ركوب الأسنة، وهذا يقود بالضرورة إلى تقديم أفضليات وجود كل الأطراف المعنية، والبحث عن إمكانية قيام صيغة جبهوية وطنية عريضة حول حوار وطني شامل وكامل وبإشراف جهات محايدة يهمها مصلحة اليمن والحفاظ على أمنه واستقراره ووحدته. ومن أجل نجاح هذه الصيغة يحتاج الأمر لكثير من الصدق مع النفس ومع الآخرين، وإلى كثير من الشعور بالمسؤولية والواجب وإلى إعلاء دور العقل والتخلص من استكبار السلطة وجنون الحراك وتعجيزات معارضة الخارج وضعف اللقاء المشترك وتمرد جماعة الحوثي.
خلاصة القول: المسألة مسألة وقت، فإن أحسنا استغلاله لتصحيح الأخطاء والكف عنها، وإلا فنحن جميعاً على موعد مع القادم المجهول. المصدر أونلاين