حشد الشيخ الشاب حسين عبدالله الأحمر آلافاً من رجال قبيلته حاشد الأسبوع الماضي لمراجعة مكانة القبيلة الضاربة التي اقترنت بالقوة وحكم البلاد منذ ثورة سبتمبر 1962، لينتهي بها المطاف إلى بنية مفككة وأدوار تجلب العار. ويبدو بجلاء أن حسين الأحمر صاحب المطامح العريضة قد أدرك جيداً الأخطار المحدقة بقبيلته فلم يتردد في الإفصاح عنها بلهجة ناقدة. وهو يخطب في التجمع القبلي الحاشد في باحة مدرسة السلام بمدينة خمر مركز قيادة حاشد.
وفقاً لخطاب الأحمر، فإن الخطر المحيق بحاشد، مصدره ثلاثة عوامل؛ تفكك القبيلة والحوثية والقيم المشينة التي استمرأتها بطون القبيلة وأبرزها قطع الطرق العامة.
ولم يغب عن الأحمر أن يغري رجال قبيلته بالمال الذي يمكن أن يكون خط الدفاع الأخير لوقف أفول سطوة القبيلة وتهاوي صيتها ليعلن تخصيص خمسمائة مليون ريال لإصلاح شأن "حاشد" ومعالجة قضايا الثأر القائمة بين عشائرها، وهو مبلغ قياسي لم يسبق لأي من رجالات حاشد أن بذل مثله أو جزءاً ضئيلاً منه لتعهد أمر القبيلة.
واللافت أن حديث الأحمر حمل صراحة، تعكس بوضوح المخاوف التي تنتابه حيال حال قبيلته التي يستمد منها قوته وطموحه اللذين صنعا منه في ثلاث سنين لاعباً مهماً في الأحداث القبلية والسياسية، يؤسس كيانات ويحارب في مناطق الصراع ويستجلب السلم حين تلوح أماراته كما يبحث عن أي دائرة ساطعة الضوء ليقفز إليها.
قال الأحمر يخاطب قبائله مشيراً إلى خطر التفكك "تعلمون أننا في حاشد قبيلة صغيرة من حيث الجغرافيا والإمكانات والسكان وليس لنا مكانة بين القبل إلا بوحدتنا ولم يكن لنا ثقل في الداخل والخارج إلا بهذه الوحدة. ما لم فإننا سنهدم تاريخ آبائنا وأجدانا".
لكن الحوثية أكثر ما تردد على لسانه بوصفها الخطر الأول على قبيلته كما يراه، لذلك هو يشبهها بسرطان خبيث ينبغي استئصاله قائلاً إن الحوثي "بغى في الأرض" وعداوته "ليست مقتصرة على الدولة فقط وإنما على اليمن ومشائخها وقبائلها بدرجة رئيسية".
ويضيف: أصبح (الحوثي) يتطاول على كثير من القبل في صعدة والجوف وسفيان وحاشد وبكيل "محذراً من أن تلاقي حاشد نفس مصير حرف سفيان التي يبسط الحوثيون نفوذهم على معظم أراضيها.
ويبلغ الخوف بحاشد المذعورة إلى حد أن تقر في نفس التجمع وثيقة، تهدر دم أي فرد من أفراد القبيلة يتبنى الحوثية إلى جانب ماله.
جاء في أحد بنود الوثيقة "في حال اكتشاف أي فرد من أفراد القبيلة يحاول الانتماء أو المناصرة أو نشر أفكار المتمردين الحوثيين فإن دمه وماله وحاله مباح للقبيلة، وفي حال تعرض أي فرد أو منطقة للاعتداء من قبل الحوثيين فإن ذلك يعد اعتداء على جميع قبائل حاشد".
وبالرغم من أن مضمون الجزء الأول من هذا البند يبدو كنسخة من عهد جاهلي، صيغ في أكثر العصور طيشاً ونزوعاً لتمجيد العشيرة وروابطها غير أنه يكشف إلى حد بالغ الحذر من "المد" الحوثي واتخاذ تدابير وقائية لوقفه وإن نالت من دماء الأشخاص وأموالهم ممن يمكن أن يتأثروا بالفكرة الحوثية وإن في جانبها الثقافي.
بالإضافة إلى ما تفيد به مصادر واسعة الاطلاع من أن أشخاصاً كثيرين في العصيمات وظليمة مسقط رأس قيادة حاشد اعتنقوا بالفعل الفكرة الحوثية فضلاً عن باقي مناطق حاشد فإن سبباً جوهرياً آخر هو الذي أيقظ في حسين الأحمر رغبة جامحة في مجابهة جماعة الحوثيين في أكثر من ساحة بالرغم من أنه كان على علاقة احترام وتفاهم مع زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي لدى بدايات الجولة الخامسة من القتال في 2008.
لكن منذ نهايات 2008، يحاول حسين الأحمر الثأر لجرح شخصي في نفسه وليس بوسعه أن يفوت أي فرصة تسمح له ذلك.
حين كان الاقتتال مستعراً بين قبائل العصيمات الحاشدية وقبائل سفيان المدعومة من الحوثيين في ديسمبر 2008، تمكن مسلحون من القبيلة الأخيرة من الاستيلاء على دار للشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر في منطقة العشة قبل أن ينسفوه علاوة على التوسع في قرى تابعة للعصيمات المسنودة بالمال والسلاح من حسين الأحمر.
يكتسب تفجير منزل الأحمر رمزية عميقة الحساسية بما تعنيه من إهانة وهزيمة أمام الخصم الذي استطاع انتهاك حمى القبيلة ونفذ إلى قلب رمزيتها.
وسيكون تقبل هذه الإهانة ضرباً من الانتحار المعنوي لرجل مثل الشيخ حسين الأحمر صاحب مجلس التضامن ذي التركيبة القبلية الشاملة ورجل السعودية الأهم في اليمن والشاب المندفع الذي لا يقطع الرئيس اتصالاته به ليخطب وده ويأمن جانبه.
وللأحمر أيضاً، ذاته المتضخمة التي لا تتردد عن إبداء أي تصرف عدواني في حال المس بمكانته الشخصية أو القبلية خصوصاً وقد صار بعد رحيل والده بمثابة الزعيم الفعلي لحاشد.
يمكن من خلال هذه العوامل فهم سر العداء الذي يكنه الأحمر للحوثيين واستنفار قبائله لمواجهتهم.
من جهة أخرى، لن يكون بوسع "حاشد" الالتهاء ب"المد الحوثي" وغض الطرف عن "تهديد" داخلي يرمي إلى تمييع عصبيتها القبلية وترويض رجالاتها الذين ظلوا مصدراً رئيساً لخلع الحكام في شمال البلاد أو منحهم الضوء الأخضر للاستمرار في الحكم.
ويتصل هذا التهديد كثيراً بأنجال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي لم تشفع له مكانته القبلية الكبيرة حين كان حياً من أن محاولات لتجريده من الإجماع القبلي بتنصيب عدد من الشيوخ والضباط العسكريين لمنازعته مشيخته وصولاً إلى النيل من شخصه في 2006 حين هاجمته صحيفة المؤتمر الشعبي الحاكم بشدة وشنعت بأفعاله.
ولم يكن أحد ليتجرأ على نشر مقال التشنيع بالشيخ الراحل في صحيفة الميثاق عام 2006 لولا أن أجازته كلمة "يُنشر" وإمضاء من الرئيس علي عبدالله صالح، ابن حاشد الذي يرى فيه أنجال الأحمر سليل فرع دخيل على القبيلة ما كان جديراً أن يذهب إليه الحكم.
هذا الرجل هو عراب التهديد الثاني الهادف إلى تفكيك مركز قيادة حاشد لا حاشد نفسها التي يفخر بها كلما أتى على ذكرها في أحاديثه للصحافة وينزلها منزلة الدولة.
لذلك، كانت عدائية صالح حيال مشيخته التي تظهر تعالياً مستفزاً نحوه هي ما اصطدمت به مشيخة حاشد في البداية وهي تضعه الآن في الحسبان. ولم يكن تشكيل مجلس التضامن ومن قبله علاقة حسين المثيرة بالقيادة الليبية والتحذير المتواصل لأنجال الأحمر من توريث الحكم إلا في سياق هذا الصراع.
ويفصح حسين الأحمر في خطابه الأخير بخمر عن هذا الهاجس قائلاً "الكل يعلم أنه لا الحوثي ولا الدولة يستطيع السيطرة على حاشد وإخضاعها"، وبقدر ما تكشف هذه الجملة عن منطق مختال ومتعجرف، يؤثر القبيلة على الدولة، فهي أيضاً تفصح عن تفكير متبلد مستكبر الذات لدى المركز الحاشدي الذي يرى الدولة شأناً هيناً بالمقارنة مع قبيلته التي لا يمكن إخضاعها لنظام الدولة كما يتضمن استغفالاً جلياً حين يلمز الدولة وكأنها خصم متربص بقبيلة حاشد، يتحين الفرص لإخضاعها فيما بات من المسلم به أن حاشد هي الإطار المحيط بالدولة، يتحكم بها في أهم القرارات، وعليه تُلقى اللائمة في تمييع مفهوم الدولة وتسخيره ليتماهى مع مفهوم القبيلة وينتقي من خصائصها التحكم وتقاسم الثروة فقط.
يبرز من بين الملايين التي خصصها حسين الأحمر لاستعادة قوة حاشد سؤال جوهري عما إذا كان المال وحده قادراً على إصلاح ما فسد في القبيلة ذات المكانة الآخذة في التضعضع.
سيجيب المستقبل عن هذا السؤال لكن ما هو معلوم الآن أن المال إلى جانب الحكم هما أبرز عاملين أفسدا قيم حاشد ونالا من قوتها؛ المال الذي تدفق عبر قناة الحكم فقط دون أي مجهودات عملية وأخلاقية كانت ضرورية لتزكيته وترشيد سبل إنفاقه.
ويتضح كيف أن المال نال من قوة حاشد من خلال تتبع لتاريخ رجال هذه القبيلة قبل نصف قرن وهم مقاتلون أشداء يعيشون في البراري قبل أن يجري المال في أيديهم فلما جرى في أيديهم، لين من قوتهم وطباعهم حتى أفقدهم المنعة والشراسة غير أنهم اقتصروا منه على هذا التغير وحسب ولم يسخروه لتعميم التمدن والتعليم للانتقال إلى مرحلة تتواءم مع التغير الذي وطرأ على القوة والعصبية القبلية.. التناقض الذي تعيشه حاشد الآن أنها مبهورة تتنعم بالمال والحكم بما للآخر من لوازم تفرق أكثر مما تجمع وتريد في الوقت نفسه استحضار قوتها التي تشكلت حين كانت أرزاق رجالها مكتوبة على فوهات بنادقهم لا بصفقات الحكم المجانية.
ويقف المال نفسه وراء معظم حوادث قطع الطرق العامة التي نفذتها عشائر من حاشد وتزايدت خلال العامين الأخيرين لتصل إلى عشرات الحوادث.
ومن بين تلك الحوادث، عدد كبير يقف خلفه مقاولون في القبيلة، حاصروا الطريق العام بين صنعاء وصعدة مراراً للضغط على مقاولين منافسين أو المطالبة بمبالغ مالية تحق لهم. كما تعرض نفس الطريق لإغلاق متكرر من شيوخ مع أنصارهم للضغط على الحكومة لتجنيد أعداد من أنصارهم اشتركوا في القتال بصعدة، وفي النهاية كان المال دافعاً رئيساً وراء كل حالات التقطع.
ولم يعد قطع الطريق، سلوكاً مشيناً ينسب إلى حاشد من أجل وصمها بالعار فحسين الأحمر تحدث في هذه القضية منتقداً ومعاتباً قبيلته التي دعاها إلى إنهاء الظاهرة وترويع المسافرين ونهب ممتلكاتهم.
وأضاف جملة قصيرة صورت العلاقة بين الطرفين بدقة "هذه الظاهرة أساءت لحاشد وأصبحت هذه الصفة لصيقة بها".