شهر يوليو من أطول شهور المنحة المالية للطلاب في مصر ويضاهيه في الأهمية شهري أكتوبر ويناير لموافقتهما مناسبتي رمضان والعيدين الصغير والكبير "المنحة المالية التي تصرف كل ثلاثة أشهر" لكنها تتأخر وتصرف نهاية الشهر الرابع من كل ربع غالبا، ليست المشكلة هنا فقط، بل ما هو المترتب على هذا التأخير من مشاكل مع أصحاب الشقق هذا أول هم، وثانيهما سوء الأحوال المعيشية آخر الربع وحالة الكفاف الحاد في الغربة، ثالثها أن الربع الثالث "شهر يوليو" يصادف وقت الإجازة وأشد شهور الصيف حرارة وينتظر الطلاب مجبرين للربع حتى يتمكنوا من السفر. في هذا الوقت من السنة يتشرد الكثير من الدارسين لطردهم من قبل أصحاب الشقق، أو رفع أسعار الشقق لمبالغ خيالية استغلالا لموسم السياحة في الصيف، وتبدأ معها رحلة المتاعب لنقل العفش إلى بعض الشقق المستأجرة لفترتي الصيف والشتاء وهي قليلة نظرا لطمع أصحاب الشقق واعتبارها تجارة رابحة لهم فيتم تأجيرها شتاء للطلاب بأسعار مرتفعة وإخراجهم منها في الصيف لرفع أسعارها وتأجيرها للمرضى "اليمنيين"، واسمحوا لي هنا أن أضع صورة مصغرة جدا لمعاناة الطالبات في القاهرة:
منظر الطالبات وهن ينقلن عفشهن المتنوع جدا بين الحقائب والأكياس والطاولات والكمبيوترات، وبعض الأثاث والرسيفرات يدعو للتساؤل عن دور السفارة اليمنية في تأمين سكن خاص بالطالبات أو أقلها بيت للمغتربات كما في مصر لحالات مشابهة، يتم فيه استقبال الطالبات حتى يجدن مكانا للسكن، ويضعن فيه عفشهن حين يطردن بلا رحمة من الشقق، ويكون مكانا للطالبات اللائي يحضرن دورات تدريبية وورش عمل أو القادمات من المحافظات الأخرى في مصر فيحتجن للإقامة لفترات معينة في القاهرة، وقد تم طرح فكرة إقامة سكن للطالبات على السفراء المتعاقبين لعل وعسى تجد لها صدى دون فائدة تذكر، حتى على مستوى اللجنة الخاصة من مجلس النواب والتعليم العالي طرحت نفس المشكلة والظاهر أن هزة الرأس تعني "ادكموا رأسكم في الجدر".
تتناول الطالبات بالتحسر سكن زميلاتهن الكويتيات المجاور لسفارتنا في ميدان الدقي، حيث استأجرت لهن سفارة الكويت دوراً كاملاً في فندق بميدان المساحة، ونحن لا نطالب بمثل هذه الرفاهية "حاشا لله" بل بمجرد دور في أشهر مبنى في ميدان المساحة وهو مبنى السفارة اليمنية الذي لا تعرف بالضبط أي خدمات يقدمها للطلاب أكثر من أخذ رسوم على كل شهادة أو ورقة رسمية يتم تعميدها هناك، على فكرة تم ترنيج المبنى باللون الأصفر ربما دلالة على " تصفير الميزانية في الداخل"؟! وللتسهيل أكثر فلنتجاوز مبنى السفارة الذي تقام فيه مائدة غداء يومية كما يشاع لكن لمن؟ يبدو أن زوار السفير كثير أو ربما موظفي السفارة، حبذا لو يتعطف السفير بإطعام المساكين من طلاب الجمهورية اليمنية عند تأخير الربع "يكسب ثواب فينا".
المهم بعيدا عن مبنى السفارة بمسافة بسيطة يوجد مبنى خاص بالملحقية الثقافية كان سابقا يستخدم لمعاملات طلاب التعليم العالي، ثم تم توحيد مكان استقبال معاملات الجميع في مبنى الملحقية في شارع النهضة، بما يعني أن المبنى السابق فاضي تماما وتدفع الدولة إيجاره، فكان هناك مقترح طرحته مع بعض زميلاتي على الملحق الثقافي السابق الأستاذ عبد الحكيم الفُسيل فرد بكل بساطة أن المبنى يستخدم كأرشيف للرسائل العلمية للطلاب اليمنيين وعجبا تسمع إذا أننا لا نضع أي رسالة في الملحقية، والأمر اختياري يرجع للباحث، ثم شقة كاملة مغلقة هل يعقل أن تكون أرشيفا لرسائل طلاب اليمن في مصر، إذا لماذا لا يمدوننا بها حين نطلب أي معلومات من الملحقية، ثم من جانب آخر المركز الثقافي اليمني في شارع كورنيش النيل به مكتبة لماذا لا يتم رفدها بهذه الرسائل أو وضعها في هذا المركز أو في مبنى المركز الإعلامي اليمني في القاهرة في المهندسين. هل ترون معي كم عدد المباني الحكومية اليمنية التي تدفع إيجارها حكومتنا في القاهرة، ويستثقلون وجود مبنى أو دور في مبنى أو حتى شقة في عمارة كسكن للطالبات اليمنيات اللائي يصلن القاهرة فيصدمن بالوضع، وأن السفارة والملحقية لا تقدمان أي شيء يتعلق بتسكينهن، فتكون الصدمة الثانية وهي المواجهة المباشرة مع سماسرة الشقق والنصب والاحتيال والتعب والعنت، ويجد الجميع طلاب وطالبات أنفسهم في مواجهة مشكلة الاستقرار في سكن قبل التفكير في الاستقرار الدراسي، ومتابعة معاملاتهم الجامعية والبدء بالدروس والأبحاث.
وهذه القضية التي تؤرق استقرار الطالبات بداية ونهاية كل عام دراسي أرجو أن تجد صداها عبر نواب الشعب في مجلس النواب، فمبنى سكني للطالبات وآخر للطلاب وهم يشكلون أكبر عدد من الدارسين العرب الوافدين إلى القاهرة، هي ضرورة ملحة نتيجة للارتفاع الرهيب لأسعار الشقق واتخاذها كتجارة مربحة جدا للمصريين على حساب الطلاب الذين لا يعرفون أين يصرفون منحتهم هل في إيجار الشقة أم في دفع رسوم الدروس، أم مصاريف للمعيشة، أو في شراء تذاكر السفر الباهظة.. ما هي الامتيازات التي تمنحها الدولة للطلاب الدارسين في الخارج غير "الجعجعة والبهذلة نهاية كل ربع"، لماذا لا يتم وضع فكرة السكن للمستثمرين بحيث تدفع الطالبات المستأجرت مبالغ معقولة كإيجار إذا كانت الحكومة لا تستطيع أن تتكفل بمشروع بسيط كهذا يكون أخف تكلفة من إيجار مبنى السفارة ذي الخمس نجوم وباقي المباني!!