تحدث الرئيس أخيراً وقد روضت الثورة العربية الشعبية كل الصلف الذي كان يعميه عن السبيل المستقيم تجاه شعبه. لأول مرة يتحدث الرئيس علي عبدالله صالح بلهجة مستكينة ويعلن نسف كل أمانيه المستقبلية التي كان يمهد لها ثم عاد لينسبها إلى "رفاق مخلصين".
ظهر صالح يوم الأربعاء في أضعف حالاته على الإطلاق وهو يتحدث أمام أعضاء مجلسي النواب والشورى بلهجة ضعيفة ويخطب ود فئات كثيرة من الشعب أنهكتها سنوات حكمه التي قضت على الطبقة الوسطى ورفعت معدلات الفقر والبطالة إلى أرقام قياسية.
وأعلن الرئيس توقيف التعديلات الدستورية وتحضيرات الانتخابات التي كان حزبه قد قطع شوطاً فيهما بعد الموافقة عليهما بواسطة أغلبيته في البرلمان وكان من شأن التعديلات أن تبقيه في الحكم طيلة حياته.
وقال "لما تقتضيه المصلحة العامة تستأنف اللجنة الرباعية اعمالها المكونة من المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك، ثانيا تجميد التعديلات الدستورية لما تقتضيه المصلحة العامة، ثالثا فتح السجل الانتخابي لمن بلغوا السن القانونية، رابعاً لا تمديد ولا توريث ولا تصفير العداد".
وكان نواب المؤتمر الشعبي الحاكم يصفقون كلما أبطل صالح واحدة من السياسات التي كانوا أقروها وصفقوا لها من قبل في واحد من المشاهد الساخرة التي توضح كم أن قادة الحزب الحاكم ونوابه ضعفاء وأصوات مسخرة لترجيح الكفة لا أكثر.
كما طلب صالح إلى المعارضة وقف احتجاجاتها التي شهدت العاصمة صنعاء أضخمها يوم الخميس لكنه لوح بمواجتها عبر مظاهرات مضادة حين قال إن لكل مواطن الحق في الدفاع عن ماله وعرضه وهو ما ما يقرر أن الرئيس أطاح بخطواته التي جاء لتقديمها كمبادرة إصلاحية قبل أن ينهي خطابه.
وأكد تهديداته قائلاً "نحن من الشعب ومن المؤسسة العسكرية ونفتخر بذلك ونؤكد أننا لن نسمح بتدمير ما انجزته الثورة. وأنا ادعو الشعب وكل مواطن في حالة اذا أحدث البعض الفوضى والغوغائية فمن حق كل مواطن ان يدافع عن ماله وعرضه".
لا يمكن إدراج خطاب صالح إلا ضمن منحى سلكه عدد من نظرائه العرب سعياً إلى مصالحة شعوبهم التي يخشون من أن تتحرك للإطاحة بهم عقب ثورة التونسيين التي أطاحت بالدكتاتور زين العابدين بن علي والانتفاضة المصرية غير المسبوقة التي يترنح بفعلها نظام الرئيس حسني مبارك.
يمضي الرئيس الذي يكمل عامه الثالث والثلاثين في الحكم قائلاً "نحن لا نحتكر السلطة رغم الاغلبية المريحة ولا نريد الزوابع والمشاكل ونقول للإخوة في المعارضة تعالوا شركاء معنا، تعالوا اهلا وسهلا، وأنا سبق وعرضت على الاخوة في المعارضة في اكثر من مناسبة أن يأتوا ليكونوا شركاء معنا فما اسهل الحرب على المتفرجين".
لكن مواقف صالح ونظامه المتشددة قبل الثورة التونسية تكذبان أن كل هذا الود والترحيب كان يصدر منهما حين راحا يحضران للانتخابات ويبطشان بكل الاتفاقات الموقعة مع المعارضة.
بالرغم من التصالح الذي حرص الرئيس على أن يبديه حيال الشعب والمعارضة إلا أن تلويحه بالعنف الأهلي لمنع احتجاجات المشترك السلمية أبطل فاعلية خطابه وأظهر أنه يضمر سوءاً بحجم الاقتتال الأهلي لإيقاف من ينغص عليه البقاء في السلطة بهدوء.
ومن قبل صالح، كان العاهل الأردني قد أقال الحكومة وشكل أخرى واتخذ الرئيس الجزائري إجراءات أوقفت الزيادات السعرية كما أعلن النظام الليبي تخصيص نحو 24 مليار دولار لإنشاء صندوق استثمارات تخصص عائداته لبناء مساكن.
يمكن للثورة التونسية المدنية التي أطاحت بزين العابدين بن علي يوم 14 يناير الماضي أن تغير وجه المنطقة العربية في رحلة ثانية لشعوب المنطقة بحثاً عن الحرية بعد أن مضى نحو نصف قرن على الاستقلال عن الدول الاستعمارية ولم يتحقق أي من تطلعات الشعوب في حياة كريمة حرة.