يقف المرء إجلالاً وتقديراً لما تقدمه قناة الجزيرة الفضائية من رسالة إعلامية مفعمة بالصدق في نقل الأحداث، وتغطية ما يجري من تطورات على مختلف الأصعدة بمهنية عالية جعلت منها قبلة ومهوى لكل الباحثين عن الحقيقة والمتطلعين للقرب منها. سر هدا التقدير يكمن في النهج القويم الذي تتبناه إذ أن هذه المحطة المباركة قد أصبحت المتنفس الإعلامي البارز المعبر عن هموم وقضايا المواطن العربي في عالم ثورة الاتصالات وتكنولوجيا الإعلام فبهذه القناة تنفس التونسيون الصعداء، وعبرها قدم شباب مصر أجمل صور النضال ومعاني الحرية، وبفضلها عرف العالم بالصوت والصورة كم أن الشعوب العربية حرة أبية قادرة على التطور والنهوض، ومواكبة الحضارة لولا أنها (أي الشعوب) قد بليت بحكم أنظمة دكتاتورية فاسدة غيبت قدرات الشباب وعطلت أحلامهم في الحرية والعيش الكريم. إن دول الغرب قد عرفت مبكراً أن المعركة الحقيقية لم تعد معركة الصواريخ والدبابات أو الطائرات الحربية، رغم أهميتها، بل أصبحت معركة الإعلام وثورة تكنولوجيا الإعلام، فعملت على تسخير الإعلام في خدمة قضاياها السياسية وأهدافها الأيديولوجية ونجح اليهود في استعطاف الغرب عبر سلاح هوليوود، حيث أن المواطن الغربي لا ينظر إلى إسرائيل على أنها دولة غير شرعية أو كيان مغتصب احتل أرض فلسطين وشرد شعبها، بل يرى فيها دولة تريد العيش بسلام بين جموع من الإرهابيين؛ علاوة على ذلك استطاعت السياسة الإعلامية الصهيونية أن تضع العرب في زوايا ضيقة تتراوح بين التخلف والإرهاب، وتمتد إلى أن تصورهم مجرد بدو رحّل يتزوجون عشرات النساء ويصرفون الأموال ببذخ ولا يحترمون الحقوق أو يواكبون التمدن. ورغم كل هده الهجمة الشرسة إلا أن الإعلام العربي قد اقتصر دوره على خدمة الحاكم الديكتاتور والتسبيح له، وتكريس ثقافة العبودية والخضوع وتثبيط ما بقي لدى الشعوب من غيرة، وفي الجانب الآخر عزز أغنياء العرب ما يقوله الإعلام المعادي عبر تبنيهم قنوات تلفزيونية لا هم لها إلا إنتاج المسلسلات والأغاني التي تحمل مظاهر البذخ والرفاهية، فضلاً عن إظهار المرأة كجسد استعراضي، وكأنها للأسف الشديد تحمل في مضمونها بعداً تعويضياً لواقعنا الفقير نحن المشاهدين العرب. من يسمع وزيرة خارجية إسرائيل وهى تشكو وتتوجع من السياسة الأمريكية التي أوهمت إسرائيل أن لديها علاقة قوية مع الدول العربية كفيلة بحماية أمن إسرائيل , سرعان ما كشفت ثورة تونس ومصر زيف هده العلاقة إذ أن هذه العلاقة اقتصرت على الأنظمة الديكتاتورية العميلة، ولم تكن يوماً مع الشعوب العربية. وتضيف الوزيرة قائلة «إن أمن إسرائيل في خطر» بعدما خرجت الشعوب إلى الشارع , إن أمن إسرائيل في خطر في ظل وجود قناة الجزيرة التي استطاعت أن تصور للمواطن العربي أن إسرائيل دبابة تواجه طفلاَ فلسطيني. من يسمع هده الكلام لا يملك إلا أن يقول: شكراً دولة قطر.. شكراً قناة الجزيرة , لقد أصبحت بالنسبة لكثير من المشاهدين ثورة ثقافية إعلامية تلبي حاجاتهم كنهر يتدفق ليروي ظمأ الأرض والإنسان.