ليس له إلا أن يرحل، فقد بات في حكم العاجز عن ممارسة السلطة، وهو ليس استثناء عن بن علي ومبارك اللذين واجها قدرهما المحتوم. لا أدري على ماذا يراهن "صالح"؟ فالبلد لن تعود إلى ما قبل الثورة الشبابية، والحشود التي يجمعها لن تغير من حقيقة أنه فقد السيطرة، واستمرار وضع كذلك أدعى بالخارج أن تتغير مواقفه باتجاه المطالبة بالرحيل. بحسب "نيويورك تايم" فقد غيرت أمريكا موقفها وأنها باتت تدعم خيار تنحيته، كونه أصبح عاجزا عن البقاء في الحكم، أو إجراء أي اصلاحات وأنه لا بد أن يتنحى عن السلطة. ربما باتت أمريكا تدرك فعلا أن صالح أصبح عاجزا عن البقاء في السلطة، ولذلك تغير موقفها باتجاه مطالبته بالتنحي، ومن العمل على ذلك سرا، إلى التصريح به جهرا، وربما ما يؤخرها فقط أنها تجري "ترتيبات ما" مع خلفاء صالح المحتملين، مثلما فعلته مع الجيش المصري بالنسبة لمبارك، وقائد الجيش "رشيد عمار" بتونس.. وكان دبلوماسيون أمريكيون باليمن بحسب مصادر مطلعة قد التقوا مسئولين محليين بمحافظة أبين بعد مجزرة مصنع الذخيرة بجعار وعرفوا منهم حقيقة التنسيق بين الجماعات المسلحة التي تقدم على أنها القاعدة وبين نظام صالح. ربما لهذا اللقاء الأثر في تجريد السلطة من ورقة القاعدة في إثارة المخاوف لدى الإدارة الأمريكية التي أصدرت وزارة خارجيتها بيانا استبعدت فيه علاقة القاعدة بحادثة مصنع الذخيرة بأبين. على الصعيد الداخلي ربما يراهن "صالح" على ورقة الحشود التي تجمع له بالسبعين لتشبثه بالحكم، إلا أنها سياسيا ورقة لا معنى لها البتة. فالحشود وعلى افتراض أنهم ليسوا جميعاً مدفوعين بالمال، وأن منهم من يحب صالح فعلا، أو من يخاف من التغيير، وأرهبته الدعاية الرسمية عن انفجار البلد في حال تنحيه، أو منهم من يتبع قوى تقليدية كمشايخ بجانب الرئيس في مقابل قوى مماثلة مع المطالبين بالتغيير، إلا أنها لا تغير من الحقائق على الأرض شيئاً.. إن هناك محتجين في العاصمة ومعظم المحافظات بالملايين يطالبون برحيله ويعطلون ممارسته للسلطة. إن يكن من معنى لتلك الحشود فهو الاستنزاف المالي لصالح، والقيام بالزحف على خزنة الدولة بدلا من أن يقوم الثوار بالزحف على "القصر" ،4 إلى 6 أيام جمع من تلك التي وصفوها في الإعلام الرسمي بالطوفان البشري الذي أغرق العاصمة كفيلة بإغراق صالح نفسه. لو استمر في ذلك الحشد، أعتقد أنه سيجد نفسه بعد شهر رئيسا أشبه بصديقه الرئيس الصومالي السابق "عبده قاسم صلاد"، رئيساً عاجزاً عن دفع رواتب الموظفين، مع توقف إيرادات الدولة وخاصة من النفط. أما خيار العنف واستخدام السلاح والذي مازال يستخدمه في تعز والحديدة وبعض المحافظات فهو خيار خاسر، قد جربه في مجزرة الجمعة بالعاصمة ولم يستطع إنهاء الثورة الشبابية، واستخدامه مرة أخرى بالعاصمة أدعى ليرتد عليه في زحف مضاد إلى قصره، إن لم يقتل أو يهرب، فسيكون منبوذا كأمير حرب صومالي في 9 كيلو متر مربع. كل الخيارات بائسة ومغلقة أمام صالح إلا الخروج عن السلطة.. لا أدري من يغريه بغير ذلك، إلا أن كل يوم يضيعه في عناده وغروره يضيع عليه فرصة لا تزال مواتية لخروج آمن أو مشرف. لا أدري إن كان هو نفسه مقتنعاً مثلا بهذا الإجراء الذي أقدم عليه السبت وهو "اعتبار المجلس الأعلى لأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي قيادة وطنية مسئولة عن مواجهة التحديات التي يواجهها الوطن". في الوقت الذي يبرر فيه هو وحزبه بقاءه في السلطة بالشرعية الدستورية، أي شرعية دستورية تلك في أن تكون أحزاب ال13 التي لا يعرف مجرد أسمائها قيادة وطنية للبلد!؟ فعلا "شر البلية ما يضحك"!! بكل الحسابات السياسية والمنطق، ليس له إلا أن يرحل.