عاش الطفل بسام أياماً مختلفة لن ينساها مدى الحياة.. وخاض تجربتي اختطاف في أسبوع واحد تبدو مخيفة حتى للكبار. بعد فترة انقطاع عن المدرسة تزيد عن أسبوع بسبب إصابته بكسر في اليد استيقظ الطفل بسام-11عاما- صباح الثلاثاء الماضي مبكرا فشوقه لأصدقائه ومدرسته جعله في غنى عن أن ينتظر من يوقظه.. تجهز للمدرسة ورتب حقيبته ثم خرج حوالي السابعة صباحا ليطلب من صديقه مازن أن ينتظره ليذهبا معا إلى المدرسة، بينما كانت يده لا تزال مغطاة بالجبس ومعلقة إلى رقبته حتى يقرر الطبيب أنها شفيت ولم تعد بحاجة إلى الجبس والرباط. لكنه وبعد أن انتهى من التأكيد على صديقه مازن واتجه عائدا إلى المنزل لتناول طعام الإفطار فوجئ بمجموعة من الرجال الملثمين يقول إن عددهم 3 نزلوا من تاكسي أجرة أحدهم أمسك به والثاني غطى فمه وأنفه بخرقة يعتقد بسام أن فيها مادة مخدرة، وأخذوه إلى السيارة ولم يدرك نفسه إلا بعد أكثر من 3 ساعات وهو ممدد على فراش في غرفة مغلقة وقد أزالوا الجبس الذي كان يغطي يده المكسورة. انتظرت الأم لبعض الوقت لكن بسام لم يعد، خرج الأطفال ليبحثوا عنه فلم يجدوه، أخبرهم مازن أنه جاء إليه وطلب منه أن ينتظر ثم عاد لكنه عاد إلى يد شياطين لا تفهم معنى الطفولة ليلقنوه درساً قاسياً. الأب الذي حضر مع ولده الأربعاء الماضي إلى منظمة سياج كان يروي القصة وعلى وجهه ترتسم علامات الحيرة، صحيح أنه يؤيد الثورة بحماس ولا يستبعد أن يدفع حياته ثمنا لرغبته في التغيير لكن لم يخطر بباله أن الأمر قد يصل إلى خطف الأبناء. يقول إنه وبينما كان في طريقه إلى قسم شرطة شملان للإبلاغ عن اختفاء ولده رن جرس هاتف الأم وعلى الفور حدثها ابنها بسام: "امه قولي لابي يجي لي..." وقبل أن يكمل بسام جملته انقطع الخط. يقول بسام إن المجموعة التي اختطفته قد أخذوه إلى أحد مراكز الاتصالات وطوال الطريق كانوا رابطين على عيونه فقط أبعدوا الغطاء عن عينيه قبل نزوله من السيارة إلى مركز الاتصالات وطلبوا منه أن يتصل إلى بيتهم، وبمجرد ما كلم أمه أغلق الرجل الذي دخل معه إلى كابينة الاتصالات الهاتف وعاد به مجددا إلى التاكس، ومنه إلى الشقة التي كانوا فيها. عادوا به إلى الغرفة ذاتها، يقول بسام: "جلست في الغرفة مغلق عليا لا جابوا لي أكل ولا شرب حتى ما خلونيش أدخل الحمام وأنا فتحت باب الغرفة بحجر كانت جنبي وتبولت في الصالة". يضيف بسام: "قلت لهم يدوا لي حليب قالوا لي ادي فلوس" لكنه لم يكن يملك فلوسا في جيبه فطلب منهم ببراءة أن يجيبوا له وهو بايحاسبهم بعدين. خال بسام يثني على تعاون قسم شرطة شملان ويحكي كيف أنهم تفاعلوا مع البلاغ ونزلوا إلى مكان الاختطاف أمام منزل الأسرة، ويبدي الجميع استغرابهم من تفاصيل القصة التي تبدو لغزا ولا يجد لها تفسيرا سوى محاولة إيصال رسالة للأسرة ولسكان الحي الذين يؤيدون الثورة. ظلت العائلة تعيش حالة مأساوية طوال اليوم، بينما الأب والخال يرابطون في قسم الشرطة ويبحثون عن الجهة التي يتبعها رقم التلفون الذي اتصل منه بسام يؤكد الخال أنهم وجدوا أنه يتبع مركز اتصالات في الصافية. قرب الساعة الحادية عشرة ليلا أخذوا بسام وربطوا على عينيه ثم أخذوه إلى السيارة ومنها إلى حي الجامعة القديمة قرب ساحة التغيير قال إنه عرف المكان بمجرد أن أزالوا الغطاء من على عينيه وأنزلوه من على السيارة وقد كانوا سلموه سكينا صغيرا وطلبوا منه أن يدخل إلى الساحة ثم يطعن أحد الناس هناك ووعدوه بإرجاعه إلى البيت، يقول بسام "قلت لهم بايفتشوني ويلقوا السكين" فخططوا له أن يضع السكين المغلف تحت قدمه، وبعد أن يتجاوز التفتيش يشلها بيده، يواصل بسام "مشينا ودخلنا من عند التفتيش، وجاء معي واحد منهم عشان يوريني من هو الذي أطعنه، ووصلني إلى باب بقالة وقال لي روح اطعن هذاك وأشر لي على صاحب البقالة، وأنا هربت بسرعة وضعت عليه". بحسب بسام يقول إنه كان يعرف جيدا الخيمة التي يعتصم فيها عمه داخل ساحة التغيير، وبالتالي اتجه نحوها ووصل ليحكي لعمه القصة واتجها معا نحو المنزل في شملان، لتنتهي بذلك مأساة عاشتها الأسرة حوالي 15 ساعة لكنها كانت عليهم طويلة كأنها شهر. يؤكد بسام أن الخاطفين لم يضربوه ولم يؤذوه جسديا سوى إزالة الجبس من على يده المكسورة وحبسه جائعا من الصباح إلى قرب منتصف الليل. استمعنا الأربعاء لقصة اختطاف بسام التي دارت أحداثها يوم الثلاثاء، لكنه تعرض في اليوم التالي للاختطاف من جديد، ربما اعتبر الخاطفون إبلاغ أسرة بسام عن الحادثة وإيصالها للصحافة استفزازا لهم وجرأة على سطوتهم فحاولوا إعادة الدرس لهم بسرعة. صباح الخميس حوالي العاشرة والنصف صباحاً خرج بسام ليبحث عن أخته التي تأخرت خارج المنزل لكن مجموعة أشخاص يستقلون سيارة هايلكس كانوا ينتظرونه قريبا من المنزل وفجأة أمسك به أحدهم وسد فمه وسحبه إلى داخل السيارة. قال بسام إنهم سألوه أسئلةً غريبة ولأنه أصبح لديه نوع من المناعة نتيجة تعرضه لاختطاف سابق فقد حاول التذاكي عليهم وإعطائهم معلومات مغلوطة عنه وعن أسرته لكن ذلك كله لم يشفع له. يقول إنهم بعد أن وصلوا به إلى جولة مذبح غطوا عيونه ووضعوه عند أرجلهم لكي لا يعلم إلى أين يتجهون به. يقول بسام إنهم أوصلوه إلى شقة صغيرة جلس فيها هو وأحد الخاطفين وأعطاه أكلاً، ويضيف: "سألته أيش تشتوا مني ضربني على رأسي وقال لي كل وأنت ساكت" شعر بالاطمئنان قليلا لأنه وجد أن هؤلاء الخاطفين ألطف من سابقيهم قليلا حيث أنهم لم يتركوه من غير طعام هذه المرة، لم يكن يعلم أن الطعام فيه منوم فنام بعدها بسام إلى الليل فاستيقض من النوم ولم يجد أمامه سوى ذالك الرجل فقال له أعطيني طعاماً فلم يوافق فقال حتى اعطيني من الماء الذي معك فصرخ في وجهه أن يسكت وإلا سيضربه. سكت بسام وحاول أن ينام إلى اليوم الثاني فقام وكان ينتظر فرصة خروج الرجل من الغرفة إلى الحمام أو إلى أي مكان ليهرب. يقول بسام "دخل الرجال الحمام وكان باب الحمام من الخارج فيه مغلقة فغلقت على الرجال الباب وحاولت أهرب، شفت الطاقة قفزت منها إلى الشارع"، يقول إن الرجل خرج من الحمام سريعا وتعقب بسام بنظرات إلى الشارع وكان يصرخ سارق سارق لكن خطوات بسام يدفعها الرعب قد حملته بعيدا عن الخاطف الذي لن يستطيع أن يعمل به شيء حتى لو تبعه فالساعة كانت حوالي العاشرة والنصف صباحا والناس موجودون في الشوارع، وفور وصوله شارع الستين استأجر موتور وطلب منه إيصاله إلى بيتهم، لكن بسام الذي خرج من البيت مرعوبا وعبر تلك الشوارع الفرعية بسرعة فائقة، يقول إنه لا يستطيع تحديد مكان الشقة التي احتجزه فيها خاطفوه. يقول خال بسام "أعتقد أن الهدف تخويف الناس من الوقوف مع الثورة بأن أي واحد يقف مع الثورة سيتعرض أولاده للاختطاف" ويفسر إيصاله إلى ساحة التغيير في المرة الأولى وتكليفه بطعن صاحب البقالة بسكين صغيرة لا تؤثر، بأنه محاولة لإنهاء القصة بطريقة لا يبدو فيها الخاطفون طرفاً، وربما فكروا أن الطفل بمجرد أن يقوم بهذا الفعل سيتعرض للضرب من قبل شباب الساحة. ويؤكد بسام أن الأشخاص الذين اختطفوه في المرة الثانية ليسوا هم الذين اختطفوه في المرة الثانية.