في عالم عربي يموج بالاضطرابات السياسية ويعاني من مشاكل اقتصادية في كثير من الحالات قد تبدو كلمات الرئيس الامريكي باراك اوباما نبيلة.. لكنها بلا مغزى. وقال اوباما "في الوقت الذي توصلنا فيه الى (اسامة) بن لادن اضحت الغالبية العظمى في المنطقة تنظر لاجندته على انها بلا طائل فيما أمسكت الشعوب في الشرق الاوسط وشمال افريقيا بزمام مستقبلها."
وربما يشعر كثيرون من المواطنين العرب ان الاجندة الامريكية التي تجاهلت تطلعاتهم كانت طريقا مسدودا ايضا. فالولاياتالمتحدة كما اعترف اوباما في كلمته عن الشرق الاوسط وشمال افريقيا لم تكن صاحبة المبادرة في الاضطرابات الشعبية التي تجتاح المنطقة كما ان رد فعل الولاياتالمتحدة كان مترددا.
وغيرت الاطاحة برئيسى مصر وتونس بعدما امضيا سنوات طويلة في الحكم والتحدي الذي يواجه الحكام في سوريا واليمن وليبيا والبحرين الامر الواقع الذي كان قائما حين كانت الغلبة دائما للمصالح الوطنية الامريكية المفترضة على حساب القيم الديمقراطية المعلنة.
وقبل عامين ألقي اوباما خطابا لدعم الديمقراطية في القاهرة ولكنه فقد مصداقيته لدى كثيرين من العرب نتيجة مواصلته دعم حكام شموليين في نفس الوقت الذي استمرت فيه جهود امريكية قديمة لحماية اسرائيل واحباط مساعي ايران النووية ومحاربة الارهاب وتأمين امدادات النفط. والان يريد اوباما ان يحرز تقدما ولكن ربما لا يريد ان يتمادى كثيرا وهو ما يشير له خطاب يوم الخميس الذي صيغ بعناية.
ووعد بان تواصل الولاياتالمتحدة سياستها المألوفة "باعتقاد ثابت بان المصالح الامريكية غير معادية لتطلعات الشعوب ولكنها أيضا ستغير مسارها بالتعاطي مع التطلعات الاوسع للمواطن العادي". وربما تكون تلك هي الكلمات التي يريد ان يسمعها مواطنون عرب هم في امس الحاجة للتخلص من حكامهم الذين حرموهم من الحرية والكرامة في حين جمعوا الثروات لهم ولاقاربهم.
الا ان الخبرة السابقة مع السياسة الامريكية في الشرق الاوسط الى جانب المصاعب التي تعترض تغيير اوباما لتوجهه غذت الشكوك ببقاء الحال على ما هو عليه. وكتب شادي حامد مدير مركز بروكينجز الدوحة على موقع تويتر "اوباما يقول ان المصالح الرئيسية للولايات المتحدة تنسجم مع الامال العربية. حسنا. لماذا لم تنسجم لخمسة عقود.."
وكشفت اضطرابات "الربيع العربي" التي تهدد بالاطاحة باصدقاء الولاياتالمتحدة وخصومهم على حد سواء تنافضات ليس في سياسات الولاياتالمتحدة وحلفائها في اوروبا وحسب بل في سياسات ايران وعدد من الدول العربية. وبينما انتقد اوباما عدم تسامح ايران مع المعارضة في الداخل سعى في نفس الوقت لتفادي اتهامات بالرياء والنفاق باعترافه بان دولا حليفة للولايات المتحدة مثل اليمن والبحرين تقمع المتظاهرين. ودعا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي كان يعتبر من قبل حليفا مهما ضد القاعدة لنقل السلطة فيما اكتفى بمطالبة حكام البحرين حيث مقر الاسطول الخامس الامريكي بالافراج عن زعماء المعارضة المعتقلين واجراء حوار.
ولم يأت على ذكر السعودية أكبر دولة منتجة للنفط في العالم التي تحظر اي معارضة علنية وارسلت قوات الى البحرين لسحق الحركة المطالبة بالديمقراطية في البحرين. وبالنسبة لسوريا لمح اوباما الى ان الرئيس بشار الاسد الذي استخدم الدبابات والرصاص ولجأ لاعتقالات جماعية لسحق معارضي حكمه القائم منذ 11 عاما قد يكون امامه فرصة "للتحول الى الديمقراطية".
ويبدو ذلك غير محتمل. فربما يتشدد اوباما في موقفه تجاه الاسد بعدما فرض عقوبات عليه وعلى مساعديه في الاسبوع الماضي. وقد يعكس تردده في مطالبة الرئيس السوري بالرحيل مخاوف حلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة من حدوث حالة من الفوضى اذا ما رحل الاسد.
وقال جون الترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ان جيران سوريا ومن بينهم اسرائيل والاردن ولبنان والعراق وتركيا يريدون ان يشهدوا "تطورا وليس ثورة" في سوريا على عكس الوضع في ليبيا حيث تدخل حلف شمال الاطلسي عسكريا. وقال "لدى جيران ليبيا رغبة عارمة في ان يرحل (الزعيم الليبي) معمر القذافي."
كما يشكك العرب - الذين يسارعون بالانقضاض على المعايير المزدوجة على الاقل من جانب الغرب - فيما ابداه اوباما من تعاطف مع تطلعات المواطنين للحرية ويذكرون بعقود من الاذعان الامريكي للقبضة الاسرائيلية على الفلسطينيين في الاراضي المحتلة.
وربما يكون فشل اوباما في دفع اسرائيل للانصياع لطلبه في وقت سابق بوقف الاستيطان في الضفة الغربية قد الحق اكبر ضرر بمصداقية أوباما لدى العرب . وما من أحد يؤمن بقدرة اوباما علي التوسط في عملية السلام حتى وان ذكر صراحة المبدأ الذي ساندته الدبلوماسية الامريكية لسنوات بان اي اتفاق اسرائيلي فلسطيني ينبغي ان يبرم على اساس الحدود قبل حرب 1967.
والاهم أن الثورات العربية العفوية وما سببته من ارتباك في واشنطن عل ما يبدو تشير للقيود على قدرات الولاياتالمتحدة التي تحاول سحب قواتها من العراق بينما لازالت تخوض معارك مؤلمة في افغانستان. وكتبت اميرة خليل (23 عاما) وهي خريجة الجامعة الامريكية في القاهرة على موقع فيسبوك "لا اعلم لماذا يستمع اي شخص لخطاب اوباما. يبدو ان هذا الرجل بمفرده لا يملك اي سلطة او اهمية في الشرق الاوسط." من اليستير ليون