حين تشتعل المعارك السياسية في أي بلد يكون موسما خصبا للصحافة تجد فيه المادة الصحفية وبالمقابل تتسع دائرة القراء وترتفع المبيعات، لكن الأمر بدا مختلفا بالنسبة للصحافة اليمنية التي عادة ما تكون الضحية لأي صراع. منذ اندلاع ثورة التغيير السلمية جهدت الصحافة الأهلية والمستقلة المطبوعة على تقديم تغطية صحفية ميدانية متميزة لكنها رغم ذلك شهدت تراجعا في مناطق التوزيع بعد أن باتت هدفا لحملات القرصنة الأمنية في النقاط الواقعة على مداخل المحافظات، ولم يمر أسبوع إلا ونسمع عن تقطع الأجهزة الأمنية لأكثر من صحيفة ومصادرة الكمية المخصصة لأكثر من محافظة، وتزايدت أعمال القرصنة ومصادرة الصحف مع ارتفاع وتيرة الثورة السلمية وشعور النظام بتزايد الخطر عليه، خاصة بعد اشتعال مواجهات مسلحة في أكثر من جبهة. وبالتالي فإن الصحف المطبوعة وغالبها تصدر أسبوعياً تكبدت خسائر مادية كبيرة طيلة الأشهر الماضية وفقدت حضورها المستمر لدى القارئ مما يجعلها تفقد نسبة كبيرة من قرائها الدائمين. ليس هذا فحسب، فالصحافة التي يكون عندها شهرا يناير وفبراير سنويا موسم جذب للإعلانات فإن اندلاع ثورة التغيير جعل هذه الفترة تتمدد لتمضي على الصحافة 5 أشهر من انعدام الإعلانات جعلها تعاظم من الأزمة المالية التي تعيشها الصحافة اليمنية باستمرار. وفي معظم الصحف الأهلية التي يعد الإعلان موردها الرئيسي بات قسم الإعلان معطلا تماما بسبب عزوف مؤسسات القطاع الخاص عن نشر أي إعلانات نتيجة لما يقولون انه ركود كبير ضرب القطاع الخاص وخوف مما ستؤول إليه الأوضاع في الأيام القادمة. وباستثناء عقود الإعلانات الثابتة فإن الصحف تبدو خالية من الإعلانات التجارية واحتلت المادة الصحفية نسبة تتجاوز 90% من مساحة الصحيفة باستثناء الصحف الناطقة باللغة الإنجليزية التي تراجعت فيها الإعلانات لكن بنسبة تتراوح بين 40- 50% من حجم الإعلانات المنشورة في الأوقات العادية. ويتداول المسؤولون الماليون في الصحف الأهلية شكوى تعثر المديونيات لدى مؤسسات القطاع الخاص ورجال الأعمال الذين يتهربون من دفع مستحقات على مؤسساتهم للصحف مقابل نشرات إعلانية سابقة، ويتوزع السبب بين تعذر هذه المؤسسات بانعدام السيولة المالية وبين سفر مسؤولي تلك المؤسسات أو عدم تواجدهم في مكاتبهم بسبب الأوضاع الأمنية السيئة. وجاء الإطفاء المتزايد للكهرباء ليشكل سببا إضافيا يعيق الصحف من الصدور في موعدها وبدت فكرة شراء مولدات كهربائية غير مجدية لأن انعدام مادتي البترول والديزل قلل من قيمة المولدات كحل مؤقت للتخلص من الأزمة. الأسبوع الفائت لم تتمكن صحيفة المصدر من الصدور في موعدها وجاء ذلك بسبب انقطاع الكهرباء لفترة طويلة بالإضافة إلى أن مصادرة كميات منها على مداخل المدن الرئيسية بشكل متكرر طيلة الأشهر الثلاثة الفائتة سبب لها خسائر مادية كبيرة وجعلها عاجزة عن توفير تكاليف طباعتها فضلا عن أن انعدام الإعلانات خلال الفترة نفسها وتعثر تحصيل المديونيات السابقة لدى مؤسسات القطاع الخاص راكم على الصحيفة أعباء مالية كبيرة بحسب حديث الزميل علي الفقيه نائب رئيس التحرير. ويقول الفقيه أن هيئة التحرير قد تتوقف عن إصدار النسخة الورقية الأسبوعية من الصحيفة خلال الأسابيع المقبلة حتى يتغير الوضع وتزول أسباب التوقف. وكانت صحيفة الشاهد الأهلية الأسبوعية أعلنت التوقف عن الصدور للأسباب ذاتها واحتجبت بدءا من الأسبوع الفائت وتبعتها صحف الديار والنداء لتعلن صحيفة اليقين أنها ستتوقف عن الصدور ابتداءا من الإسبوع القادم بعد أن تعرضت كميات من عددها الأخير للمصادرة من قبل النقاط الأمنية الواقعة على مداخل عدد من المحافظات الرئيسية. بينما اقتصر توزيع صحف أخرى مثل صحيفة الصحوة الإسبوع الماضي على التوزيع في أمانة العاصمة تجنبا لتعرضها للمصادرة من قبل الأمن قبل أن تصل إلى المحافظات المرسلة إليها. ومن المتوقع أن تلحق عدد من الصحف بسابقاتها في اتخاذ قرار التوقف الذي بات أمرا لا مفر منه بعد أن تظافرت عدد من الأسباب المؤدية إلى ذلك، وسيجد القراء الأكشاك ومحلات بيع الصحف خالية إلا من الصحافة الحكومية التي أفقدتها الأحداث الأخيرة والمزاج الثوري المتسع ما تبقى لها من قراء.