هذا الموضوع أثاره أحد الكتاب الشباب من مثقفي الطائفة الشيعية في مدينة القطيف إحدى مدن الأحساء الشمالية بشرقي السعودية وهو الأستاذ نذير الماجد في مقالة له بعنوان «المهدي المنتظر في القرن الحادي والعشرين»، وفيما يبدو أن نذير الماجد ذو نزعة ليبرالية واضحة وليس مثقفاً يحسب على الحالة الطائفية، فالمقال مليء بالمصطلحات الفلسفية التي حاول فيها نذير تسجيل نقطتين رئيسيتين بحسب سرد المقال، الأولى ربط حالة التولّه لخروج المهدي بنظريات عقائدية قديمة لدى طوائف أخرى تُركّز على تطور هذا الشعور الإنساني المرتبط بحالة المظالم المستمرة في عمقه التاريخي وتستدعي كحالة إلهام فلسفية مرحلة الخلاص والظهور إلى مسرح الحدث لإنهاء الدراما العنيفة والانتقام من الظالم والتي خالطت الواقع ثم تحولت إلى الوجدان لتجد أن نظرية الخلاص هي السبيل للتعلق بتفسير المظلمة وانتظار القصاص. وفي تقديري أنّ هذا الاستشراف الفلسفي الذي تعمّق فيه نذير هو ما سبب حالة الاحتجاج عليه في المواقع الإعلامية المعبّرة عن القضية الطائفية في المفهوم العقدي لخروج الإمام المهدي آخر الزمان وهي القضية التي أصبحت تُحدّث بقوة في الشارع الشيعي ومن قيادات مركزية خاصة في إيران في استقطاب واضح لتسخير المعتقد بتفسير خاص للمشروع السياسي خاصة قول ممثل السيد الخامنئي في الحرس الثوري إن أميركا وإسرائيل عقبتان أمام خروج المهدي وإن خروجه قريب، وعليه فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو إذا لم يُقاتل الإمام المهدي أميركا وإسرائيل ما دام سيخرج في هذا الزمان فمن يُقاتل؟ وهذه هي النقطة الثانية المهمة في مقال نذير الماجد.
والمقصود ما أثاره نذير من نقاش واستغراب حين عرض للمرويات الشيعية المشهورة في هذه القضية واستدعى النصوص التي تُشير إلى الإمام المهدي كقاهر منتقم تعرض عليه الطائفة الأخرى المخالفة فيُعمل السيف ويجري الدماء منها، وهذه النقطة الحساسة ومع الأسف الشديد هي محل تحشيد ضخم في الواقع الثقافي الشيعي المُسيّر لبرنامج صعود الثورة الإيرانية، وقد رأينا خطورة استدعاء هذا المفهوم على مواقع عديدة من العالم الإسلامي خاصة مواقع الاضطراب والكوارث الذي تسببه ثقافة الانتقام أو انتظاره، وقد عرضتُ في دراستي عن تطور الخلاف السني الشيعي في أكثر من مصدر لقصة التدخل والتفويج السياسي في تأزيم الخطاب الطائفي واحتقانه قديماً وحديثاً (يُنظر لمن يرغب مقالي في الجزيرة نت: العرب والصراع الطائفي) فتحشيد فكرة المظلومية وربطها بانتقام المهدي طائفيا بحد ذاتها عقيدة تؤجج النفس والروح تجاه الشريك الوطني والمجتمعي وتُسقط أي دعوات للحوار والتسامح ما دامت مُسعّرة في البرنامج الموسمي المتكرر دائماً والذي لا يهدأ فيه خطاب الكراهية عن التذكير بالقضية.
العدالة البديل المنطقي ويعود نذير لمفهوم وحدوي رائع حين يُذكّر بأن فكرة الإيمان بالمخلّص السماوي (الذي ترعاه السماء) لا يُمكن أن تتوجه لشخصية منتقمة تنذر الطائفة الأُخرى بعهد الدم الذي سيسفكه القائم إنما أشار نذير إلى نص آخر هو في الأصل مُثبت لدى أهل السُنة أن مهمة الإمام العادل (وهو موجود في مرويات السُنة دون تصريح صحيح بتسمية المهدي ورأى آخرون أنه سمي في أحاديث حسنة ترتفع إلى الصحة) كما يُجمعون عليها هي «ملء الدنيا عدلاً كما مُلئت جوراً» ولا أدري إذا كان استشهاد نذير بهذا النص من مرويات شيعية وهذا ما أتمنّاه وليته أثبته حتى يتحقق المفهوم المثبت روايته شرعا لدى الطائفتين بأصل عدالة ومفهوم الفطرة في الرسالة الإسلامية الخاتمة.
إن فكرة الخلاص الطائفي والانتقام وتطويرها ميدانيا مفهوم خطير كعسكرة المجتمع المسلم الموحّد وفرزه من أتباع لآل محمد ومن خصومهم رغم أنّ الجميع يُجلّون آل البيت ويعظمونهم وإن شذّ أحد فهم قلة لا تُقاس بالقاعدة المعرفية لأهل السنة منذ صدر الصحابة حتى زماننا، ومن ثم صناعة تاريخ ديني للبشرية، وهذا هو الأسوأ والذي يتناقض مع فكرة مهمة الخليقة ورسالة الإعمار للبشرية وتقديس قيم العدل التي أتى بها الأنبياء وإلغاء كل ذلك في مقابل تنصيب عقيدة الانتقام الطائفي التي تأتي في آخر الزمان بالسيف المهدي الذي يُعمل في رقاب الطائفة الأخرى، هذا في حد ذاته تشويه للفكر والمعتقد الشيعي، ولا أدري لماذا لا تُفعّل القراءات التصحيحية الشيعية العديدة التي سبقت الأستاذ نذير لمناقشة هذا المفهوم وتصحيح الوعي العقلي المثبت بالنص الشرعي الصحيح. على كل حال هي أمنية وتبقى محاولة نذير الماجد إعلاء قيم العدل والشراكة والتسامح الأممي على الانتقام الطائفي فضيلة تُسجّل له ثقافياً وإنسانياً ووطنياً وإسلامياً راجين مخلصين أن يجد نذير في هذا المضمار التشجيع لا التشنيع.