صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدلية الخطف في معادلة الدولة والقبيلة
نشر في المصدر يوم 05 - 09 - 2009

* خلال الأعوام بين 1996 – 2009 تم ضبط 104 متهماً بينهم 3 فقط متهمون بحوادث خطف أجانب
* إرتفع أداء الأمن خلال الستة الأشهر الأخيرة بنسبة ثلاثة أضعاف. حازت محافظة صنعاء المرتبة الأولى جغرافياً، وبلغت جرائم خطف النساء والأطفال نسبة الثلث.
* رجل الأعمال الخامري يتهم أجهزة الأمن بالتقصير، ويكشف عن تعرضه لضغوطات خارج القانون لأطلاق شقيقه المختطف منذ شهر.
* والداخلية تهدد: سنقضي على الظاهرة التي أساءت لليمن..وكل المتهمين – بمن فيهم اصحاب القضايا القديمة - تحت الملاحقة الأمنية المستمرة.
بفعل ما يحدث على أرض الواقع من حلول، ونتائج، لطالما ينزع البعض للتشكيك بفاعلية أجهزة الأمن، إزاء جرائم الخطف. إنها الظاهرة التي تضع وزارة الداخلية وأجهزتها في خانة "المتهم" أحياناً، وأخرى "العاجز"، لا "البطل"، و"القادر" على تطبيق النظام بشكل متساو بين الجميع..!! وهي ظاهرة أخذت من تكرار وتشابه أحداثها ما جعلها تفرض اسم اليمن بقوة على صفحات وعناوين الصحف العالمية بشكل سلبي..
يعتقد البعض: أنه ربما كان هناك خلل ما في بنية النظام اليمني، يعود إلى إشكالية المعادلة القائمة بين فرض قيم وأركان الدولة اليمنية الحديثة بقوانينها العادلة بين الجميع، وبين القبيلة وسيطرة أعرافها وقيمها التقليدية. المعادلة التي تنتهي – غالباً - لمصلحة فرض قانون القبيلة، بقوته المستمدة من "النصرة" وإحقاق الحق ربما، ضد قانون الدولة بقوته المفترضة من فرض السيطرة والأمن بالتساوي بين الجميع.
بينما يرى آخرون: أن تلك الأشكالية لا وجود لها إلا في أذهان المتربصين بالسلطة. وحجتهم غالباً: أن أجهزة الأمن لا تألوا جهداً من القيام بدورها إزاء مرتكبي جرائم الخطف – أي كانوا – ودون تفريق، مستشهدين بحرصها على سلامة وآمن مواطنيها وغيرهم أثناء التعامل مع الخاطفين، ليس إلا..
وبين هذا وذاك، هناك: الواقع الذي يفرض صحة حجة هؤلاء أو أولئك. فهؤلاء يستشهدون بحوادث الإختطاف المتكررة، التي غالباً ما تنتهي بوساطة وفرض شروط الخاطفين.
لكن: هاهي، بين الحين والآخر، تعلن أجهزة الأمن إلقاء القبض على خاطفين، ظلت تترصدهم وتتعقبهم، وفي حالة أن يتاح لها ذلك، تقوم بواجبها على أكمل وجه. ومؤخراً اصدرت الوزارة دليلاً باسماء الخاطفين الذين القت القبض عليهم.
هنا – في هذا التقرير – سنقوم بتسليط الضوء على محتوى الدليل، بقليل من التفصيل والتحليل، ولكن بعد أن نتطرق إلى آخر أنجازات الأجهزة الأمنية خلال الأسابيع الماضية، وأيضاً.. آخر إخفاقتها، أو ربما ما نعتقد أنه كذلك..
* خلفية لآخر الإنجازات والإخفاقات:
الخميس الماضي أعلنت الأجهزة الأمنية أنها تمكنت من ضبط المتهم الرئيس بجريمة اختطاف الصحفي صلاح الجلال رئيس تحرير صحيفة 17 يوليو بعد أن كانت قد ضبطت في وقت سابق من الشهر الجاري متهمين 2 شاركا في جريمة الاختطاف.
وأوضحت الأجهزة الأمنية – بحسب ما نشره مركز الإعلام الأمني – التابع لوزارة الداخلية - أن عملية ضبط المتهم الرئيسي جاءت في أعقاب عملية امتدت لعدة أيام من التحريات والمتابعة لتحركات المتهم إلى أن تم القبض عليه مؤخراً بتعاون وتنسيق بين الإدارة العامة لمكافحة الإرهاب والحزام الأمني في منطقة يسلح .
يشار أن الصحفي الجلال كان اختطف قبل اشهر من قبل مجموعة من الأشخاص يتبعون مديرية بني ضبيان، بسبب ما يقال أنها: خلافات مالية. وتم أطلق سراحه قبل أسابيع بعد التزامه بدفع 15 مليون ريال، حيث دفع نصفها على أن يدفع ما تبقى من المبلغ في وقت لاحق تم تحديده من قبل الخاطفين.
إلى ذلك، كانت مجاميع أخرى من قبيلة بني ضبيان أطلقت قبل أسابيع رجل الأعمال هائل بشر – مدير أعمال وقريب التاجر المعروف شاهر عبد الحق، على خلفية نزاع حول أرض. وتفيد المعلومات أن تسوية (صفقة) قادها وسطاء بين الطرفين أطلقت الرجل بعد إختطافه باشهر، مقابل دفع مبالغ طائلة للخاطفين- يقال أنها تجاوزت مئات الملايين.
وفي السياق، يذكر أنه وقبل اشهر نجحت وساطة قبلية في إطلاق سراح مختطف هولندي وزوجته، من أيدي مجاميع قبلية مسلحة في بني ضبيان أيضاً..!!
لا احد يعلم: ما هي المكاسب والوعود التي حققها الخاطفون، المشمولة في التسوية التي على ضوئها أطلق الهولنديين.!! غير أن الأنظار باتت تتجه صوب وزارة الداخلية. مدى فاعليتها ودورها المفترض لبسط سيادة الدولة والقبض على الخاطفين..!!
* ماذا بشأن التاجر الخامري؟
يأتي ذلك، في الوقت الذي ما يزال فيه رجل الأعمال عبد الملك الخامري، مختطفاً - منذ شهر تقريباً - لدى قبائل في بني ضبيان على خلفية قضية سابقة بين الخاطفين وشقيقه: رجل الأعمال نبيل الخامري.
وفي تصريحات خاصة بالمصدر – أخذت منه الخميس الماضي، تلفونياً - أتهم توفيق الخامري – شقيق المختطف – وزارة الداخلية بالتقصير. وتأسف مما قال "تقاعسها في تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية الأخيرة والمتكررة، وكذا أوامر النيابات المعنية بالقضية، والتي جميعها توجه وتأمر الوزارة بالقاء القبض على الخاطفين بالقوة". وللخامري – أيضاً – تصريحات أخرى فضلنا توزيعها في ثنايا هذا التقرير كلما تطلب الأمر للإستشهاد بها.
من جهتها: الأجهزة الأمنية – التابعة للداخلية – كانت أكدت "أنها تقوم بعملية ملاحقة جادة لكل المتورطين بارتكاب جرائم اختطاف وأن أي منهم لن يفلت من المتابعة والملاحقة حتى أولئك المتهمين الذين أنقضت على جرائمهم عدة سنوات".
جاء ذلك، ضمن الخبر المنشور على موقع مركز الأعلام الأمني، بتاريخ السبت الماضي، على خلفية القاء القبض على المتهم الرئيسي بإختطاف الصحفي الجلال، حيث أكدت أجهزة الأمن أيضاً: "عزمها على القضاء على هذه الجرائم الغريبة على مجتمعنا والتي أساءت لليمن ومستقبله" مضيفة في الوقت نفسه "أن كل مختطف سيظل ملاحقاً ومطارداً في عموم محافظات الجمهورية إلى أن يتم القبض عليه وتقديمه للعدالة لينال جزاءه العادل".
* دليل الداخلية للخاطفين بادرة فريدة:
وفيما يشبه الرد على تهمة تقاعسها إزاء جرائم الإختطافات، قامت وزارة الداخلية - خلال الأيام القليلة الماضية – بإصدار دليل خاص بالمتهمين الذين قبضت عليهم على خلفية جرام إختطاف.
تضمن الدليل أسماء وصور لعدد: 104 متهما،ً كانت أجهزة الأمن قد القت القبض عليهم منذ منتصف العام الفائت وحتى شهر أغسطس الماضي. بحسب ما كتب على غلاف الواجهة.
الدليل صغير الحجم، لكنه يعد سابقة فريدة تحسب لقيادة الوزارة الحالية. وقد أفرد لكل متهم صفحة واحدة، تتضمن المعلومات التالية: صورة المتهم – أسمه – المحافظة التي ينتمي إليها - التهم التي أرتكبها - جهة التحقيق أو المحاكمة - مكان الأيداع (المكان الذي يحتجز فيه حالياً) - تاريخ الأيداع – والإجراءات المتخذة ضده.
تم ترتيب صفحات الدليل إبتداءاً بآخر متهم تم القاء القبض عليه. حيث يشير آخر تاريخ إيداع إلى 17 أغسطس الماضي (قبل نصف شهر تقريباً)، بينما تشير صفحاته الأخيرة لمتهمين تم إيداعهم في العام 1996م. بما يكشف أن الدليل أحتوى على أسماء كافة المتهمين بجرائم الخطف الذين تم إلقاء القبض عليهم في كافة أنحاء البلاد خلال الفترة من سبتمبر 1996 – أغسطس 2009م. وليس كما اشارت واجهة الغلاف من تحديد الفترة بين: منتصف العام 2008، وأغسطس 2009.
* نظرة سريعة على محتوى الدليل
مع ذلك، ومن خلال نظرة سريعة على الدليل، يمكن إكتشاف أن 60 متهما (بما يمثل حوالي نسبة 58% من عدد المتهمين الكلي) قد تم القاء القبض عليهم، خلال الأشهرالثامنية الماضية (أي خلال الفترة من: يناير– أغسطس 2009). بينما أن 17 متهما (بما يمثل حوالي 16% من العدد الكلي ) القي القبض عليهم خلال العام 2008. وفي الأعوام 2007، 2006، 2005 لم تقبض أجهزة الأمن إلا على: 6 ، 9 ، 3 متهمين، على التوالي.
الأمر الذي يؤكد أن أداء أجهزة الأمن في تعقب الخاطفين، والقبض عليهم، إزداد خلال العامين الأخيرين أكثر من أي وقت مضى. يتضح ذلك من خلال الأرقام أعلاه، والتي تؤكد أن محصلة الأشهر الثامنية الأخيرة – لمن تم القبض عليهم - تضاعفت لأكثر من ثلاثة أضعاف تقريباً مقارنة بالعام السابق 2008 (إرتفعت النسبة من 17% إلى 60%). كما أن العام 2008 – من جهة أخرى - أرتفعت نسبة من تم القاء القبض عليهم لتتساوى تقريباً مع الأعوام الثلاثة التي تسبقها مجتمعة (2008 حصد 17 متهماً، بينما هناك 18 متهماً في الأعوام الثلاثة: 2005، 2006، 2007)
* المتهمين بإختطاف أجانب
ومع أن إرتفاع الأداء في هذا الجانب - خلال الفترة الأخيرة - يمكن أن يعزى إلى أن: تركيز وزارة الداخلية وإهتمامها بقضايا الإختطاف، إنما جاء كنتيجة طبيعية لزيادة نسبة الإختطافات خلال هذه الفترة من سابقاتها.. إلا أن ما يمكن أن يلفت الأنتباه هنا هو: أن معظم المتهمين – إن لم يكن جميعهم – من الذين تم القاء القبض عليهم، يلاحظ أنهم متهمون بقضايا إختطاف مواطنيين يمنيين، أو بالأحرى متهمين بقضايا أختطاف دافعها الأساس هو: جرائم جنائية(قتل، إغتصاب، زنا، ويدخل ضمنها الخلافات الأسرية ربما).
الأمر الذي يفرض تساؤلاً حول: مصير المتهمين بخطف الأجانب!! وخصوصاً إذا ما عرفنا أنه ومن مجموع ال 60 متمهاً الذين قبض عليهم خلال الثامنية الأشهر الأخيرة، بل وحتى العام 2008، لم يرد سوى أسم لمتهم واحد حاول إختطاف البعثة الألمانية للآثار في محافظة مأرب..!! ذلك مع أن حالات الأختطاف التي تعرض لها أجانب، بلغت ذروتها خلال تلك الفترة..!!
أما إذا وسعنا دائرة البحث أكثر، فإننا سنلاحظ بجلاء: أنه ومن بين كافة المتهمين ال 104 الذين أوردهم الدليل، لم يتضمن – إلى جانب المتهم السابق بمحاولة إختطاف البعثة الألمانية – سوى أثنان آخران، تم القاء القبض عليهما في: 29 يناير ،2006 بتهمة إختطاف السياح الأيطالين (أول يناير 2006 – محافظة مأرب).
على أنه وتأسيساً على ما سبق، ربما يمكن عزو ذلك لأمرين. الأول: أن أداء أجهزة الأمن لم يتطور من جهة التعامل مع قضايا إختطاف الأجانب، وأنه ما يزال على ضعفه السابق. الأمر الآخر: ربما أن وزارة الداخلية تتعامل - مع هكذا قضايا بالغة الحساسية - بمسئولية عالية. بحيث ينصب إهتمامها الكلي في مثل هذه القضايا على تلبية مطالب الخاطفين – غالباً – وتفضيل العمل وفق آلية الوسطاء وعقد الصفقات والتسويات مع الخاطفين، توخياً لسلامة الرهائن الأجانب (مثل هذا التعامل غالباً ما تفرضه الدولة الأجنبية حتى لا تعرض مواطنيها للخطر الذي يمكن أن ينتج جراء تنفيذ عملية نوعية ضد الخاطفين، خصوصاً وأنها باتت تدرك أن للخاطفين مطالب خاصة يمكن العمل على تسويتها عبر التفاوض معهم)
وفي كلا النتيجتين، فإن السلطة – وهي هنا غالباً ما تمثلها وزارة الداخلية المعنية بالأمر – تصبح عاجزة عن إلقاء القبض على المتهمين سواء: عبر تنفيذ عملية نوعية ضدهم أثناء إحتجازهم الرهائن، أو بمتابعتهم ومداهمتهم بعد إنتهاء الصفقة وإستلام الرهائن. ففي الحالة الأولى قد يؤدي الأمر إلى نتيجة عسكية قد تصل إلى إحداث الضرر بالرهائن. وفي الثانية قد يؤدي الأمر إلى مزيد من الإختطافات للضغط على السلطة من أجل إطلاق سراح المعتقلين. وكلا الحالتين قد شهدتهما البلاد خلال الفترات الماضية.
وقياساً على ما سبق، يمكن الحديث عن موقف الداخلية إزاء إختطاف التجار ورجال الأعمال اليمنيين – التي شهدت حالات متقاربة خلال الفترة الأخيرة أيضاً.
لكن ومع ما ذهبنا إليه من تفسيرات في هذا الجانب، إلا أنه لا يمكننا إغفال تصريحات الأجهزة الأمنية التي أوردناها آنفاً حول أنها تقوم بعملية ملاحقة جادة لكل المتورطين بارتكاب جرائم اختطاف. وأن أي منهم لن يفلت من المتابعة والملاحقة حتى أولئك المتهمين الذين أنقضت على جرائمهم عدة سنوات. وكذا من عزمها القضاء على هذه الجرائم الغريبة على مجتمعنا والتي أساءت لليمن ومستقبله. وتأكيدها "أن كل مختطف سيظل ملاحقاً ومطارداً في عموم محافظات الجمهورية إلى أن يتم القبض عليه وتقديمه للعدالة لينال جزاءه العادل". قد ربما يعزز مثل هذه النوايا القبض على المتهم الرئيسي وأثنين آخرين في قضية إختطاف الصحفي "الجلال"، بعد إستمرار تعقبهم لأيام متواصلة.
* ميكانزم الخطف.. أيهما أقوى: قانون الدولة أم عرف القبيلة؟
على الخريطة اليمنية جغرافياً، تبدو محافظة صنعاء في الواجهة. إنها المحافظة الأكثر شهرة في عدد جرائم الخطف. وربما أستمدت شهرتها تلك - أكثر من غيرها - في نسبة جرائم خطف الأجانب، ورجال المال والأعمال. ولكن: هل هي كذلك بالنسبة لجرائم الخطف بشكل عام؟
يمكننا - وإستناداً إلى الدليل - تأكيد ذلك، في حالة واحدة فقط: إذا ما أعتبرتنا أن عدد من تم القبض عليهم، يعكس ويتوافق – إلى حد ما – مع نسبة جرائم الخطف. حيث حازت محافظة صنعاء على المرتبة الأولى بعدد المتهمين المقبوض عليهم. على أن مثل هذا التفسير يفرض علينا مزيداً من التعمق في الواقع والظاهرة.
بحسب التقسيم الإداري للمحافظة، تقسم صنعاء إلى 16 مديرية، تتوزع على مساحة حوالي (11877 )كيلومتر مربع، وتسكنها قبائل مسلحة وشرسة، غالباً ما تشكل معضلة كبرى لدى الأجهزة الأمنية التي يشكل أبناء المحافظة النسبة الأكبر فيها.
منذ القدم، هناك إشكالية – تبدو واضحة بشكل جلي في اليمن - متجسدة في العلاقة بين الدولة المدنية الحديثة وفرض سيادة القانون، وبين مجموعة الأعراف القبلية، التي تقوم عليها القبيلة في مناطق شاسعة من البلاد. أدى ذلك إلى إستمرار عجز الدولة في فرض النظام الأمني على الكثير من المناطق القبيلة، التي غالباً ما ترفض منطق الأستقواء عليها من أي جهة كانت بما فيها الدولة. وفي معظم الأحيان، لجأ النظام إلى الإستعانة بالعرف القبلي ومكوناته القيمية، في تعزيز الأمن هناك. وعلى المدى، يمكن الجزم أن المعادلة لم تنجح في معظم الأحيان، وخصوصاً عندما يتعارض ذلك مع أساس في العرف الأخلاقي المتعارف عليه بين القبائل. ومع أن العلاقة بين الطرفين ظلت محكومة بالخصومة المعنوية، بين فكرة التمدن الحديثة وبين الفكر القبلي التقليدي، إلا أن التوافق العام والظاهري، على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" كان أساس سير الأحداث بين الطرفين. مع ذلك، لم تخلو المعادلة من إختلالات تمثلت معظمها بمحاولة فرض العرف على القانون.
عند هذه النقطة، يمكننا – للتعزيز فقط - الإستشهاد بتصريحات رجل الأعمال توفيق الخامري، التي أدلى بها للصحيفة عند سؤاله: إلى أين وصلت قضية أخيه المختطف عبد الملك، وهل هناك بوادر إنفراج، وحلحلة خصوصاً مع دخول شهر رمضان؟. وضمن إجاباته، كشف الخامري/توفيق أن بعض مشائخ القبيلة التي ينتمي اليها الخاطفون، يتحركون بحريتهم في أمانة العاصمة، مع علم وزارة الداخلية بذلك، لكنها "للأسف الشديد لم تقم بدورها في القبض عليهم". حيث يضيف مؤكداً: أن مجموعة من المشائخ دخلوا أمانة العاصمة قبل أسبوع وعقدوا إجتماعات مع وسطاء ومشايخ آخرين حول القضية. لكن الداخلية للأسف الشديد لم تحرك ساكناً، ولم تقم بدورها في تنفيذ أوامر وتوجيهات الرئيس والنيابة القاضية بضرورة القبض عليهم".
وعما أفضت إليه تلك اللقاءات، يقول: للأسف الشديد، أن أغلب الوسطاء والمشايخ، يطلبون منا الخضوع لمطالب الخاطفين، مؤكدين أن الحل الوحيد لإطلاق سراح أخي، هو تنفيذ مطالبهم..!!
بل أزيد من ذلك، يؤكد الخامري، أنه حينما يتحدث مع الوسطاء حول الدولة والقانون، والأوامر والتوجيهات التي لديهم، والتي تؤكد على ضرورة القبض على الخاطفين.. يأتيه الرد المعروف منهم: أن الدولة لن تستطيع القيام بشيء تجاه الخاطفين..!!
تقول معظم الروايات التي تأتي من جهة الخاطفين(نشرنا معظمها في المصدر، عبر مقابلات مع الخاطفين) أن القبائل حين تختطف، فإنها لا تمارس ذلك كمهنة، وإنما لأنها تسعى لفرض القانون وأخذ حقها بطريقتها الخاصة..!! ولأن قانون الدولة – كما ذهبنا – قد لا يعني شيئاً لدى تلك القبائل، خصوصاً إذا تعارض مع أسسها العرفية المبنية – هنا – على نصرة المظلوم وأخذ الحق بالقوة، فإن الحلول التي قدمها الوسطاء والمشايخ لشقيق الخامري المختطف، تنظوي على المثل. فحسب تصريحاته للصحيفة، يقول: إن الضغوط التي نواجهها من قبل المشايخ والوسطاء، تأتي بحل واحد: أن نلجأ إلى أساليب خارج النظام والقانون.
هو شخصياً – يقول – أنه يرفض اللجؤ إلى مثل تلك الأساليب. ويضيف "لن ألجأ إلى هذا المستنقع الذي يدمر الإقتصاد والتنمية، ويشوه سمعة اليمن واليمنيين".
طالما وأن الوسطاء يؤكدون له أن الدولة لن تكون قادرة على عمل شيء في هذا الجانب، ما الحل إذاً؟ يقول الخامري: "ما زلت متمسكاً بالنظام والقانون"، مضيفاً بحزم:"ولن أخضع للإبتزاز نهائياً". وما زال يحث وزارة الداخلية أن تكون هي الحل الأنسب، يأتي ذلك عبر مزيد من الحث ومزيد من التأسف واللوم، يقول: "شيء محزن جداً أن الوزارة في ظل هذا الإنفلات الأمني المخيف، لم تقم بعمل أي شيء إزاء الخاطفين" وحملها المسئولية كاملة بالقبض عليهم وتسليمهم للعدالة لينالوا جزائهم الرادع.
هل هو عجز وعدم قدرة، أم إنها إشكالية القوة بين القانون والقبيلة؟. الخامري – وهو محسوب على فئة البيروقراطيين – يحاول الخلاص من الإشكالية ببضع عبارات، قائلاً: "كلنا مواطنون، وإذا كانت هناك أية مشاكل فالحل هو القضاء، والقضاء فقط". ربما للتنبيه، التذكير، أوربما للحث، أو قد يكون ذلك مرده الغلبة على أمره.
* جغرافياً:صنعاء الأكثر خطفاً، الأكثر أداء أمنياً
قد يبدو الأمر ظاهرياً لدى الكثيرين، أن الدولة ظلت عاجزة عن فرض النظام في تلك المناطق القبلية، وهو أمر على ما تتأكد صحته كثيراً، إلا أن الدليل الذي بين أيدينا – الصادر من وزار الداخلية – ربما يؤكد العكس.
ذلك أنه وبعد تقسيم المتهمين على المحافظات، يتأكد أن وزارة الداخلية ألقت القبض على 26 متمهاً بجرائم الخطف من محافظة صنعاء فقط. وهو الرقم الأكبر من بين بقية المحافظات. تليها محافظة ذمار (14 متمهاً)، ثم تتشابه محافظات: مأرب - ذمارتعز، بعدد (10) متمهين لكل محافظة. ومن ثم تأتي الحديدة في المرتبة التالية بعدد 9 متهمين.. وتتوزع بقية النسبة بين محافظات أخرى كالتالي: عدن(5)، إب (4)، أبين(3)، حضرموت، صعدة، المحويت، شبوة(2 لكل محافظة)، وأخيراً: البيضاء، حجة، ريمه، الجوف (1 لكل محافظة).
هل تعكس تلك الأرقام، الحقيقة كاملة؟ حقيقة أن الأمن في محافظة صنعاء – مثلاً - يفرض سيادة الدولة بقوة إزاء مرتكبي جرائم الخطف (لدينا هنا هذه العينة البسيطة ضمن دليل المتهمين المقبوض عليهم بتهم الخطف، ولذلك دعونا نركز على هذا الأمر ونستثني مجموعة الجرائم الأخرى).
حسناً: حتى وإن لم يكن الأمر علمياً: الحكم العام على أمر جزئي مستنبط من دراسة عينة بسيطة. ومع ذلك: إذا ما أفترضنا أن ذلك صحيحاً. فهل سيعني ذلك، أيضاً، أن الأمن في محافظة نائية وبعيدة، مثل محافظة: الجوف، أوشبوة (ترزحان بثقل قبلي كبير) ضعيف جداً. حيث لم تلقي أجهزة الأمن سوى على متهم واحد فقط في الأولى، ومتهمان في الثانية. وماذا لو عرفنا أن المتهمين المقبوض عليهما في محافظة شبوة هما: أمرأتين (أتهمتها بخطف إمرأة)..!! مع أن المؤكد أن محافظة شبوة أشتهرت أيضاً بجرائم إختطاف أجانب كثر..!!
إذن: هل يعني ذلك التناقض أننا ما زلنا بحاجة إلى دليل أكبر، يكون أكثر دقة وغنياً بالمعلومات والإحصاءات، وربما: التحليل؟ في الحقيقة قد يبدو ذلك صحيحاً، حتى نتوقف عن الخوض في مثل هذه الأحكام غير الدقيقة. ربما..!!
على أن ذلك – من زاوية خاصة متعلقة بالمعلومة المقدمة – لا يمكنه بأي حال أن يقلل من الجهد المبذول - كمبدأ أولاً- نحو مزيد من الشفافية، من جهة قيادة وزارة الداخلية. إنه جهد، لولاه لما كان لي أن أنجز هذه المادة، في ظل الصعوبات التي يواجهها الصحفي في طريقه الشاق للحصول على المعلومة.
دعونا نواصل إذن.. لقد حصلت على هذه المعلومات في كتيب صغير أصدرته وزارة الداخلية، وأي يكن الهدف الذي تسعى الوزارة لتحقيقه من ذلك، فأنا بحاجة إلى مواصلة الأمر على هذا النحو – أي يكن - محاولاً تشخيص الأحداث والنتائج، على ضوء الواقع الذي تعيشه البلاد..
* ضحايا الخطف: الشريحة الأضعف في المجتمع
زاوية أخرى: بالعودة إلى ما بدأناه من تحليل بسيط على الدليل، سنلاحظ أن هناك أمر آخر يفرض الإلتفات إليه. وهو أن هناك نسبة لابأس بها من المتهمين - الذين القي القبض عليهم - هم متهمون بإختطاف أطفال أو نساء ومحاولة إغتصابهم أو إغتصابهن.
حيث يوضح الدليل أن هناك 36، من بين ال 104 متمهاً، أرتكبوا أعمال خطف لنساء وأطفال، كانت معظمها تشير إلى عملية إغتصاب أو محاولة إغتصاب (بقية المعلومات، تشير إلى إختطاف اشخاص دون ذكر المسوغ من الخطف، إلا من بعض الحالات التي تشير إلى: الحرابة والقتل)
الأمر الذي قد يتوجب الألتفات إلى مثل هذه الجرائم، والتعمق فيها ودراستها، والخروج بمزيد من الإجراءات والإحترازات الأمنية والقانونية والإجتماعية، التي من شأنها أن تخفف من ذلك، وتعزز من الأمن الإجتماعي. لاسيما وأن معظم أنحاء الجمهورية تشهد الكثير من هذه الجرائم، والتي ما زالت مفتوحة حتى الآن، ولم يتم القبض على الكثير ممن قاموا بإرتكابها. حيث يمكن الجزم أن نسبة من تم القبض عليهم لا تساوي سوى 30% على أقل تقدير، من إجمالي ما يحدث على أرض الواقع. وإذا ما أفترضنا أن ذلك التقدير هو بالنسبة للجرائم المبلغ عنها، فإننا سنجد الأمر أكثر إلحاحاً إذا ما أضفنا إلى ذلك أن الغالبية العظمى من أسر وفئات المجتمع اليمني المختلفة، تفضل حجب نسبة كبيرة من تلك الجرائم، ولا تقوم بالتبليغ عنها، تحت شعور العيب الإجتماعي ووصمة العار المجتمعية التي تسيطر على الكثير من فئات المجتمع.
إذن: ربما كنا أيضاً إلى مزيد من المعلومات، والإحصائات. معلومات وأرقام تكشف: عدد جرائم الخطف المبلغ عنها، حتى يتسنى تقرير النسبة الكلية بين عدد جرائم الخطف، وبين عدد من تم القبض عليهم خلال الفترة الماضية. قد تساعد مثل هذه الأرقام، الوصول إلى نتيجة تكشف الأداء الحقيقي للاجهزة الأمنية. كما كنا – أيضاً – بحاجة إلى أن يتضمن الدليل السابق ضمن المعلومات المنشورة فيه، معلومة أخرى تكشف تاريخ إرتكاب الجريمة، حتى نستطيع مقارنة ذلك مع تاريخ الإيداع، وهو أمر قد يساعد – أيضاً – على معرفة الأداء وفاعلية الأجهزة الأمنية في سرعة تتبع الجريمة والقبض على المتهمين..
* وأخيراً
على ما يبدو أني تعمقت – إلى حد ما - في الأمر على النحو غير المطلوب مني القيام به. إنه مجهود أفضى إلى عمل لا يمكن التقليل من شأنه. وهو دليل بسيط: ما كان يفترض بي الخوض في تفاصيله بتلك الطريقة المعقدة. إذ ربما كان من اللازم أن لا أمنحه هذا الجهد والوقت من عملي، وربما كان من الأفضل أن أحمله على النحو الذي أصدر من أجله فقط.
ولكن، بنظرة عامة: يمكن إعتبار الدليل بادرة جيدة قامت بها قيادة وزارة الداخلية. يكفي أنها فكرت بأمر كهذا، من حيث إنتهاجها منهج الشفافية ونشر المعلومات للرأي العام. الأمر الذي ربما يعمل - إلى حد ما – على التخفيف من نظرة التشكيك السائدة: من أن أجهزة الأمن ضعيفة، ولا تمتلك الألاليات المناسبة لمحاربة الجريمة. أو أنها لا تأبه كثيراً لأمن وسلامة المواطن.
ومع ما يمكن تفهمه من مسوغات من شأنها أن تتحكم بعاطفة أي شخص أختطف أحد أعزائه..الواقع أن أجهزة الأمن تقوم بعمل جيد، وهم بحاجة إلى تقدير جهودهم المبذولة في محاربة الجريمة، والسهر على أمن المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.