أكثر من 40 يوما هي حصيلة المواجهات الدامية، والقصف بالرشاشات والمدافع الثقيلة بين القوات الحكومية اليمنية، ومسلحون أطلقوا على أنفسهم "أنصار الشريعة"، ويُعتقد أنهم من جماعة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. آخر المعلومات أكدت سيطرة الجماعات المسلحة على أبين، حيث أحكمت سيطرتها على المدينة بعد معارك ضارية مع الجيش مساء الجمعة الماضية، انتهت بسيطرة المسلحين على ملعب الوحدة ومشروع الصالح السكني المجاور له أهم المواقع الإستراتيجية الواقعة شرق مدينة زنجبار. وفي الوقت الذي لا زالت قوات الجيش وخصوصا اللواء 25 المكانيكي، تُصارع هذه الجماعات المسلحة، حيث وقعت معارك ضارية سقط فيها العشرات من القتلى في وحدات الجيش والمسلحين، إلا أن القوات الحكومية لم تحرز أي تقدم خلال تلك المواجهات. سيطرت الجماعات المسلحة من تنظيم القاعدة، على زنجبار عاصمة محافظة أبين والوقوف بصمود كبير لأكثر من شهر ونصف أمام القوات الحكومية المدعمة بالطيران يؤكد أن تنظيم القاعدة قد أعاد التمدد والنفوذ على المسرح المحلي والإقليمي من جديد، بعد أن كانت السلطات السعودية نجحت في القضاء على هيكله العام، واستطاعت اليمن تشديد الحصار عليه وقتل واعتقال عدد من الزعامة المؤسِّسة.
جماعة القاعدة في شكلها الحقيقي يقول الكاتب والباحث اليمني عبد الإله حيدر شائع المتخصص في جماعة تنظيم القاعدة في دراسة له نُشرت في موقع الجزيرة نت في يناير\كانون الثاني 2010م " هناك نوعان من (القاعدة) يعملان في الساحة المحلية والدولية؛ فهناك القاعدة التنظيم الذي تربطه علاقات عضوية بقيادته المركزية في أفغانستان، وله هياكل تنظيمية وأقسام يسري فيها القرار عبر سلسلة إدارية صارمة. وهناك المنظومة الفكرية للقاعدة، والتي باتت تعرف بإيديولوجيا حركة الجهاد العالمي التي ترفض النمط الغربي في جميع نواحي الحياة، وترفض الهيمنة عبر المنظمات الدولية، وتعلن أنها تسعى لإقامة خلافة إسلامية على منهاج النبوة، وتعتمد الجهاد كأبرز أداة تستخدمها اليوم" ويضيف " المنظومة الفكرية أوسع من التنظيم، وتتشكل منها في بعض الأحيان خلايا ذاتية الحركة؛ كحالة تنظيم (البشائر) الذي تأسس في السعودية العام 2006 بعد أن نجحت السلطات الأمنية السعودية في القضاء على التنظيم بمفهومه الهيكلي والإداري، وكحالة (كتائب جند اليمن) التي تأسست منتصف العام 2007 في اليمن مع وجود تنظيم آخر بإمارة أخرى في نفس الزمان والمكان. وصار التنظيم معلنًا بصيغته الحالية (قاعدة الجهاد في جزيرة العرب) ابتداءً من يناير/كانون الثاني 2009، بعد أن بارك الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري إمارة ناصر الوحيشي (أبو بصير) بوصفه له "أميرا للمجاهدين، وبعد الاندماج اعتبرها الظواهري صحوة جهادية في جزيرة العرب، وباركها مصطفى أبو اليزيد من القيادة العامة في أفغانستان في يونيو/حزيران 2009، ووصف (أبو بصير) بأنه أمير المجاهدين في جزيرة العرب. بيان أول "لأنصار الشريعة" يُثير الشكوك البيان الأول الذي وزعته جماعة "أنصار الشريعة" في أواسط مايو\ أيار الماضي آثار الشكوك والتساؤلات العديدة بشأن حقيقة تبعية انتماء هذه الجماعة إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. البيان الذي حمل عنوان" بيان أنصار الشريعة في ولاية أبين المحروسة بالله تعالى"، أثار شكوك المراقبين من أن لغة البيان بعيدة كل البعد عن لغة تنظيم القاعدة التي عهدناها في بياناتهم المتعددة. وهذه الشكوك تقود إلى افتراض عدم وجود العلاقة والارتباط بين جماعة "أنصار الشريعة" والقاعدة في جزيرة العرب. ونقل موقع الجزيرة نت الشهر الماضي عن فارس غانم الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب "أن الأرجح في هوية تلك الجماعة المسلحة أنها قريبة أكثر من "فرق الموت" التي شكلها النظام في المحافظات الجنوبية والشرقية في السابق واستخدمها في السنوات الماضية لمواجهة الحراك الجنوبي السلمي في العام 2007م" واستدرك غانم قائلا" أن البنية الفكرية لهذه الجماعة قائمة على الفكر الجهادي وأن معظمها نشأ في أفغانستان غير أن تعدد ولائها وارتباطها بالنظام جعل تنظيم القاعدة في اليمن يفك ارتباطه بها مع الإبقاء على اتصالات محدودة مع بعض قياداتها المرتبطة بمصالح اقتصادية بالقاعدة" المراقبون الذين شككوا في علاقة "أنصار الشريعة" بالقاعدة، اعتبروا أن الجماعات المسلحة في أبين هي جماعات صنعها النظام بهدف استغلالها فزاعة في وجه الغرب وأميركا لتقديمها وقت الحاجة على أنها قاعدة اليمن، ويؤكدون أن القوات الموالية لصالح تواجه هذه الجماعات بتراخ واضح، وأن القوات الموالية للثورة هي التي تقف في وجه هذه الجماعة بشجاعة واستبسال، (ممثلة باللواء 25 ميكا يساندها اللواء 119 الذي يقوده اللواء فيصل رجب )، وكانت أي القوات الموالية للثورة قد شرعت في مواجهة هذه الجماعات المسلحة منذ الشهر بداية الشهر الماضي خوفا من تمدد وتوسع الجماعات المسلحة في ظل السماح لها بالظهور، ومساعدتها من قبل القوات الموالية لصالح. ويؤكد هذه الفرضية؛ البيان الذي وزعته القوات الموالية للثورة أمس الأول السبت حيث كشف البيان عن قيام بقايا نظام صالح بمساعدة الإرهابيين في السيطرة على محافظة أبينجنوب اليمن ومدهم بالمال والسلاح والمرتزقة، كما ترفض القوات الموالية لصالح المشاركة في المعارك ضد المسلحين بأبين. ويضيف البيان تأكيدا لفرضية التعاون بين الجماعات المسلحة والنظام قائلا " كلما أقترب أبطال الجيش من القضاء على الإرهابيين عمد النظام إلى مدهم بالعتاد والمال والمرتزقة من أعوانه في محاولة لكسر شوكة أبطال القوات المسلحة والأمن المؤيدين لثورة شعبهم السلمية، حتى أضحى موقف القوات المسلحة اليوم في أبين عصيب بسبب دعم النظام المكثف لعناصر القاعدة والإرهابيين ورفضه توجيه من تبقى من وحدات مغرر بها تابعة لبقايا النظام المتواجدة في محافظة أبين في مديريتي لودر ومكيراس والتي هي أقرب الوحدات لساحات المواجهة مع الإرهابيين ولمساندة جيش الثورة في مواجهة الإرهابيين".
قاعدة باسم "مستعار" على الطرف الآخر يعتقد الكثير، من أن "جماعة أنصار الشريعة" تتبع تنظيما وأيدلوجيا للجماعة المعروفة "بتنظيم القاعدة"، وأن الشكوك التي طُرحت حول البيان الأول ليست بالقدر الذي تستطيع أن تنفي صلة المسلحين بتنظيم القاعدة المركزي. وإذا كانت الجماعة لا تتبع التنظيم الهرمي للقاعدة، فعل الأقل هي تنتمي إلى المنظومة الفكرية والتي تعتبر أكثر انتشارا من المنظومة التنظيمية، حيث تتشكل في بعض الأحيان الكثير من الخلايا الذاتية الحركة، كحالة تنظيم (البشائر) الذي تأسس في السعودية العام 2006 بعد أن نجحت السلطات الأمنية السعودية في القضاء على التنظيم بمفهومه الهيكلي والإداري، وكحالة (كتائب جند اليمن) التي تأسست منتصف العام 2007 في اليمن. وعلى ما يبدو أن "جماعة أنصار الشريعة" حركة ذاتية من المنظومة الفكرية لتنظيم القاعدة، وهي خطوة جديدة لربما استخدمها تنظيم القاعدة هروبا من التنظيم بمفهومه الهيكلي سعيا نحو العمل تحت غطاء آخر يسمح له التمدد بشكل أوسع للخروج من الحصار المشروع عليهم من القوات الحكومية وطائرات التجسس الأميركية.
ملامح المستقبل بعد عميلة السيطرة على زنجبار عاصمة محافظة أبين، والاستيلاء على الكثير من المواقع العسكرية والعتاد العسكري، وبعض الأموال التي تم نهبها من بعض البنوك في زنجبارالشهر الماضي؛ يبدو أن تنظيم القاعدة في اليمن قد عاد بعد سنوات من القضاء عليه ومحاصرته، ليكون أكثر نشاطا على المستوى المحلي والإقليمي والدولي بالنسبة لفروع تنظيم القاعدة المتعددة. العمليات المسلحة التي تشهدها محافظة أبين، ورجحان الكفة لصالح مسلحي القاعدة، قد يسمح - خصوصا في ظل الظروف التي تمر بها اليمن من سقوط مؤسسات الدولة والثورة الواقفة في حلق النظام- قد يسمح ذلك في زيادة نشاط القاعدة في أكثر من منطقة، والدخول إلى المحافظات السيادية كعدن والعاصمة وغيرها، وبالتالي تشتت المواجهات وصعوبتها، فيما إن أرادت القوات الأمنية حسم المعركة. قد تكون المعركة الحقيقة مع القاعدة، هي التي بدأت للتو. وهي في طريقها إلى أن تأخذ أبعادا أكثر عمقا واتساعا، وكل ما طالت فترة بقاء النظام وأمتد عمر الثورة؛ كلما كانت الفرصة سانحة للقاعدة للتحصن والسيطرة ومواصلة التمدد والنفوذ.