جاءت المبادرة بتشكيل "مجلس رئاسي" في اليمن من أحد فصائل شباب الثورة، لتعكس وجود اختلافات في وجهات النظر بين الأطراف المشاركة في الاحتجاجات حول طريقة الخروج من حالة الجمود الحالي في اليمن، كما تعكس شعور الأطراف كافة بوجود فراغ سياسي يتوجب ملؤه، مع غياب واضح للسلطة في اليمن. تتسم الأوضاع الداخلية في اليمن حالياً بالجمود في الموقف السياسي، وذلك على الرغم من الحراك الذي يبدو على السطح في الشارع اليمني. ذلك الجمود دفع بعض الأطراف المشاركة في الحراك في الشارع اليمني إلى طرح مبادرات لتحريك الوضع السياسي في اليمن، وتقديم جديد على الساحة، في انتظار أن تتضح مسألة عودة الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، من العاصمة السعودية "الرياض"، حيث يخضع للعلاج. مبادرة تشكيل "مجلس رئاسي" في اليمن جاءت من جانب ما يعرف ب"مجلس شباب الثورة الشعبية"، وهو أحد فصائل شباب الثورة في اليمن. وفحوى المبادرة –التي تعدّ الأحدث في الساحة السياسية اليمنية- هو تشكيل مجلس رئاسي لمرحلة "ما بعد" حكم الرئيس علي عبدالله صالح، وذلك قبل أن تحل الذكرى ال(33) لتولي صالح مقاليد السلطة في البلاد في 17 يوليو 1978. وقد اقترحت المبادرة ترشيح 17 من الشخصيات اليمنية لعضوية المجلس، من بينهم رئيسان جنوبيان سابقان هما، علي ناصر محمد، وحيدر أبو بكر العطاس، إضافة إلى شخصيات يمنية معارضة في الداخل والخارج. مع تشكيل مجلس وطني انتقالي (برلمان) مؤقت، ووضع دستور جديد للبلاد وفقاً لما ستسفر عنه نتائج "الحوار الوطني". وقد حاول فصيل "مجلس شباب الثورة" أن يضفي القبول على مبادرته، فأعلن أن تشكيل المجلس جاء بعد حوارات ومناقشات مع كل القوى الوطنية في الداخل والخارج، وأنه قد تم الاتفاق على مبادئ عدة، منها: أن الثورة قد حققت هدفها الأول المتمثل في إسقاط نظام حكم الرئيس علي عبدالله صالح، ورفض الحوار أو التفاوض مع بقايا نظام الرئيس صالح، وضرورة بناء مؤسسات الثورة من مجلس رئاسي مؤقت، ومجلس وطني انتقالي، وحكومة تكنوقراط، ومجلس دفاع وطني، ومجلس أعلى للقضاء. وقد جاءت ردود الأفعال الداخلية على تشكيل "المجلس الرئاسي" متوقعة، ولكنها تعكس في الوقت نفسه الاختلاف الداخلي في الآراء الذي يسود اليمن في الوقت الراهن. فبعض شخصيات المعارضة اليمنية في الخارج وصفت مبادرة تشكيل "المجلس الرئاسي" بأنها مهمة لتسيير شؤون البلاد وملء الفراغ الحالي. في حين لم تعلّق أحزاب المعارضة اليمنية (اللقاء المشترك) على إعلان تشكيل المجلس، ولم تشر إلى إذا ما كان تشكيل (المجلس الرئاسي) يتعارض مع مساعيها إلى تشكيل "مجلس إنقاذ اليمن" ليتولى إدارة شؤون البلاد في تلك المرحلة وهو الأمر الذي يحوي في طياته أحد تفسيرين: الأول، أن فصيل "مجلس شباب الثورة الشعبية" لم يتشاور مع "كل القوى الوطنية" في الداخل والخارج كما زعم، بدليل أن أحزاب المعارضة التزمت الصمت إزاء إعلان تأسيس ذلك المجلس الجديد. التفسير الثاني، أن هناك ازدواجية تعكس الانقسام والتسرع في محاولة ملء الفراغ الحالي في الساحة اليمنية، بين تشكيل "مجلس رئاسي" من جانب أحد فصائل الثورة، والرغبة في تشكيل "مجلس إنقاذ" من جانب أحزاب المعارضة.
رد الفعل من جانب المسؤولين اليمنيين في السلطة كان متوقعاً؛ فقد وصفوا المبادرة بتشكيل "مجلس رئاسي انتقالي" بديلاً لحكم الرئيس صالح بأنها "مجلس تصعيد الفتنة واستمرار الأزمة، وانقلاب على الشرعية والدستور"، وهو رد فعل متوقع، حيث يتألف المجلس من "القوى المعارضة" لحكم الرئيس صالح، ولم يتم التشاور حوله مع السلطات الرسمية في صنعاء. وما زاد الأمور صعوبة، هو أنه يحتوي على أسماء اثنين من رؤساء اليمن الجنوبي السابق، ما قد تفهمه السلطات في صنعاء على أنه سعي انقلابي نحو السلطة، وسعي آخر إلى العودة نحو تقسيم اليمن، وهو ما يرفضه الرئيس اليمني بشكل قاطع وواضح، حيث دعا مراراً من يريد الوصول إلى كرسي السلطة أن يلجأ إلى صناديق الانتخابات.
* تحليل لمركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية