عجز الأمم المتحدة في قضية محمد قحطان.. وصفة فشل لاتفاق السلام    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل.. إن بي سي: الإعلان عن وفاة الرئيس الإيراني وعدد من المسؤولين بسقوط المروحية خلال ساعات    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    - البرلماني حاشد يتحدث عن قطع جوازه في نصف ساعة وحرارة استقبال النائب العزي وسيارة الوزير هشام    قيادات الدولة تُعزي رئيس برلمانية الإصلاح النائب عبدالرزاق الهجري في وفاة والده    تعز.. وقفة احتجاجية لأمهات المختطفين للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهن من سجون المليشيا    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا يفهم الحوثيون الحرب
نشر في المصدر يوم 15 - 09 - 2009

الجندي تحاصره الأسئلة القاتلة، بينما يغرقُ الحوثي في إجاباته الضلالية. وإذا كانت الأسئلة مبصرة، فإن الإجابات غالباً ما تكون عمياء. عمياء مثل هذه الحرب!

- 1 -
ذكر المسعودي في " مروج الذهب" أن أميراً أمويّاً جعلَ يحدث الناس "وكان استتار الأخبارِ عنّا من أوكَد أسباب زوال ملكنا" !

- 2 -
في مباراة كرة قدم، منذ أقل من ثلاثة أسابيع، هتفت جماهير نادي الهلال السعودي ضد " الزيود اليمنيين"، مستخدمةً ألفاظاً غاية في العنصرية، طبقاً لموقع شبكة سي إن إن. هؤلاء الزيود، الذين صبّت الجماهير السعودية عليهم نار لعنتها، ليسوا إلا فريق نجران، تلك البلاد التي لم تعد يمنيّةً بعد عام 2000.

ولا ندري ما إذا كانت الأجيال القادمة من اليمنيين، تلك التي ستنجز دولتها الدستورية المدنية، ستقبل بهذه الوقائع أم أنها ستطالب باسترداد أراضيها على اعتبار أن السلطة التي وقّعت على اتفاقية مِلكية السعودية للمناطق اليمنيّة الخمسة ( وديعة، شرورة، نجران، عسير، جيزان) لم تكن سلطة دستورية، تمثّل اليمنيين بطريقة لا لبس فيها، لأسباب عديدة لن تتعب أجيال المستقبل المتبصّرة كثيراً في حشدها والتحلّق حولها.
الأمر ليس غريباً، أعني التشجيع الكروي الطائفي. فالمجتمع السعودي شحن على مدى قرنين ونصف من الزمان، من بعد اتفاقية الدرعية 1733م بين المؤسس الديني والمؤسس السياسي للدولة السعودية، ضد الزيديّة في اليمن. أي: ضد المجتمع اليمني الذي يوصف عادة وعلى سبيل التخفف: بالزيدي. وعليه: جرت تعبئته على نحو عنيف وعدواني ضد اليمن، وصولاً إلى قتل ألف من حجيج اليمن سنة 1921م دون تبرير يمكن فهمه ضمن أي سياق تاريخي إلا أن القتل حدث في دوّامة الطائفية الدينية، والتأويل الكليروسي الأحادي الديني المستخدم سياسيّاً.

لنقرأ هذا النص: "في سنة 1341ه/ 1921م انقضّ الوهابيون على وفد الحجاج اليمنيين المتوجه إلى مكة فقتلوهم غدرا وغيلة. فقد صدف أن التقت سرية من الوهابيين بحوالي ألف من أبناء اليمن القادمين لأداء فريضة الحج، وكانوا بطبيعة الحال عزلا من السلاح، فسايرهم الجنود بعد أن أعطوهم الأمان، فلما وصل الفريقان إلى وادي "تنومة" والوهابيون في الجهة العليا بينما اليمنيون في الجهة الدنيا، انقض المسلحون على الحجاج بأسلحتهم فأبادوهم ولم ينج منهم إلا اثنان.

هكذا في كتاب صفحات من تاريخ الجزيرة العربية، د. محمد عوض الخطيب". في حين لم تعُد توجد مثل هذه الشحناء ضد عُمان التي توصف في النصوص السلفية السعودية بأنها "إباضية خوارجيّة". عُمان الإباضية، والبحرين الشيعية همّا جزءان حميمان من " خليجنا واحد". لكن الزيدية في اليمن هي قرن الشيطان، ذلك القرن الأسطوري الذي كان من المفترض، بحسب نصوص تاريخية كثيرة يدركها سلفيو السعودية، أن يطلُع من مكان آخر، غير اليمن. لكنّ ما حدث هو أن قرن الشيطان خرج من اليمن، كما قال الإرياني – المستشار السياسي للسيد الرئيس.

لم تكن واقعة 1921م سوى حلقة صغيرة من حلقات جحيم الجنوب. فمثلاً، تبرّأ ابن الأمير الصنعاني من دعوة محمد بن عبد الوهاب في قصيدة مطلعها "رجعتُ عن قول الذي قد قلتُ في النجديّ" بعد أقل من ثمانية أعوام من قصيدته التي كان مطلعها "لهفي على نجدٍ ومن عاشَ في نجدِ، وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي". كان انقلاب ابن الأمير على ابن عبد الوهاب واضحاً: الموقف الديني الذي بدأ يتأسس في السعودية ضد الجيران اليمنيين، أو الزيود، مؤيّداً بتطلعات سياسية توسعية! أي أن اليمنيين، بعد قصيدة شيخهم ابن الأمير الصنعاني، أصبحوا خارج دائرة الفرقة الناجية، طبقاً لبديهيات التفكير الوهابي، وفي مرمى " البارودات" البدوية، بحسب التخطيط التوسعي الاستعماري البدوي.

وهكذا فإن النظام السياسي السعودي سوّغ لنفسه، استناداً لأسس نظرية دينية، أن يتوسّع على حساب الدولة اليمنية " الضالة". فبمجرّد أن بدأ حاكم اليمن، الإمام يحيى حميد الدين، يتحدث عن تحرير الجنوب ووحدة الشطرين في عشرينيات القرن المنصرم، عند ذلك نهضت بريطانيا العظمى من غفوتها ودفعت بحلفائها لتوريط شمال اليمن في حرب تخصّه كي لا يتطلّع إلى عدن! كانت النتيجة، سقوط مساحات هائلة تصل إلى 340 ألف كيلو متر مربّع في أيدي أهل السنة والجماعة، التي لم ترَ بالمطلق أي حرج فيما لو تحالفت مع بريطانيا لقتال اليمنيين! لا ضرر في ذلك، فهي أرض"زيود"، معتزِلة، ارتكبوا جريمة تاريخية شنيعة لا تسقط بالتقادم حين أعلن معلمهم القديم "واصل بن عطاء" مقاطعة مجلس الحسن البصري!

- 3 -
يدرك الحوثيون، شيوخ الدهماء الحوثيين، هذه الواقعية جيّداً ويستخدمونها في صراعهم العسكري ضد الدولة اليمنية. كذلك، تدرك الدولة اليمنية – التي ترأسها أسرة زيدية في الأساس- عداء السعودية للمذهب الزيدي، وتخوّفها من بوادر تلاشي الفارق الفكري والعقدي بينه وبين المذهب الجعفري. بالرغم من أن المذهب الجعفري في العراق، وفي البحرين، وفي السعودية ذاتها، لا يشكل صداعاً كبيراً للمملكة السعودية، لكنه في اليمن سيشكل صداعاً حادّاً لأسباب مفهومة تاريخيا وسياسيّاً.

وهكذا تبادر الدولة اليمنية ( في الواقع: يبادر النظام اليمني) إلى التمسّح بعتبة السعودية، لأجل اعتبار نشاطها العسكري ضد مواطنيها الحوثيين إنّما يمثّل عملاً دفاعيّاً يستهدف الحفاظ على أمن المنطقة. وعندما يتحدث النظام اليمني عن المنطقة فهو يقصد: الممكلة العربية السعودية. واستحضار السعودية يعني استجلاب أميركا، حيثُ تقع السعودية في حبّة القلب الأميركية، هُناك حيثُ ينام مخزون الطاقة الأول في العالم.

النظام اليمني أدرك هذه البديهيات بصورة متأخرة للغاية، بعد 17 يناير 1991م! تحدّث السيد وزير الخارجية عن خطورة التدخل الخارجي – يقصد إيران – في الشأن اليمني الداخلي. وحين حاول أن يشرح تجلّيات هذه الخطورة فإنه قال لنا عبر صحيفة 26 سبتمبر: "إن هذه التدخلات تضر بأمن واستقرار المنطقة وتضر بعلاقات دول المنطقة بعضها ببعض، وتثير الكثير من القلق والمخاوف حول أبعاد هذه التدخلات". لم يشر السيد الوزير إلى اليمن، مثلا: لم يقل إن التدخل الخارجي في الشأن اليمني قد يتسبّب في إثارة الاضطرابات الداخلية وانتشار الفلتان وغياب الأمن و.. إلخ "لدولة اليمن المستقلة" التي من حقّ أبنائها أن ينعموا بالأمن والطمأنينة مثل بقية شعوب العالم. ومثله تحدث السيد الرئيس لقناة الجزيرة: أمن المنطقة! ومن خلفهما كتيبة الكتبة، ومصقولي اللسان.

يجري الحديث عن أمن المنطقة بصورة تشعر المستمع بأن الجيش اليمني مجرد حارس بوّابة، مهمّته توفير الأمن – ليس لليمن، كما يقول الدستور – بل للمنطقة. المنطقة التي ستختزل ببساطة في " المملكة العربية السعودية". هل تتذكرون "فظيعٌ جهلُ ما يجري، وأفظعُ منه أن تدري" لليمني العظيم: البردّوني!

وكما تسعى السعودية إلى شيطنة الحوثيين باعتبارهم " روافض، اثنا عشرية، أخطر على الأمة من اليهود والنصارى، ثم فرس، وصفويّون". فإنهم في المقابل نجحوا في إذابة السعودية في أتون "الشيطان الأكبر". فهي التي بحسب واحد من بيانات مكتب الحوثي تدعم الأميركان، الأعداء التقليديين للأمة الإسلامية، وهي التي ساعدت في تدمير العراق... إلخ. ولأنهم يرفعون شعار " الموت لأميركا، الموت لإسرائيل" فمن المتوقّع أن تقوم وكيلة مصالح الأميركان والإسرائيليين، بحسب المنطق الحوثي، بمهاجمة من يحمل هذا التفكير المناوئ للذات الأميركية.

هكذا تبدو صورة السعودية بهذه السوداوية لدى جماعة الحوثي، ولذلك فإن مجرّد إشاعة الحديث عن اشتراكِها في العدوان على صعدة يبدو مقبولاً لدى المقاتلين الحوثيين، وحافزاً على القتال.. القتال، الذي سيكون جهاداً وستكون الهزيمة فيه " استشهاداً".

يعزز هذه الفكرة زيارة ديك تشيني وقبله الجنرال باتريوس إلى صنعاء، و تلك الوفود الأمنية بين السعودية واليمن، وصولاً إلى الذروة: تعليق القتال بعد ساعة من وصول أمين عام مجلس التعاون الخليجي، الذي قال إنه أبلغ الجانب اليمني بموقف دول الخليج، ثم استئناف تشغيل طاحونة الموت الجبلية بعد التعليق بساعتين.
هُنا فهم الحوثيون أن الموقف الخليجي الذي تحدث عنه العطية هو الموقف السعودي، وأن التعليق كان براءة ذمّة، وحسب. إذ بدا النظام اليمني مستعداً وشرهاً لمواصلة الحرب، بينما يحتفي إعلامه بأخبار نقض الهُدنة كما لو كانت إعلاناً للنصر! في حين اتّسمت افتتاحية الثورة بطيب النيّة وهي توجّه عياراتها إلى من أسمتهم "المثرثرين قليلي العقول" الذين ينادون باستمرار الحرب. كما بدا أن كاتب هذه الافتتاحية كان أبعد ما يكون عن أن يدرك " أصل الحكاية"!

بالعودة إلى وعي الحوثيين بالموقف السعودي من المذهب الزيدي، فإن الصورة هنا ستنسحب إلى الأبعد، إلى صنعاء، حيثُ ستنطبق الخصائص الشيطانية للسعودية- التي يستغل الإعلام الحوثي كل الوسائل للتدليل عليها - على النظام السياسي اليمني، بحسب المنطق الحوثي. يتساوق مع هذا المنطق حرص الأستاذ حسن زيد، رئيس المجلس الأعلى للقاء المشترك، على نفي الصفة الزيدية عن السيد الرئيس، فالزيدية " ليست جغرافيا" كما قال لصحيفة العرب القطرية.

هذا الحرص يأتي ضمن فعاليات تقسيم الخصمين إلى " فسطاطين" لا شائبة فيهما: الزيدية، والوهابية المتأمركة المتصهينة، كما يسميها الحوثيون. لأجل إنتاج الصورة النهائية للحرب: حرب دينية محضة. كان قرار النائب العام بإلقاء القبض على 54 من " داعمي التمرّد" يعزز هذا المسعى. فضمن هؤلاء ال 54 يوجد أهم ثلاث مرجعيات فقهية زيدية في اليمن، فيما يمكن اعتبار قرار كهذا، انطلاقاً من أسس التفكير الحوثيّة: تصفية للمذهب الزيدي عن قصد وسابق تخطيط! إنه سحابة جديدة ستمطر زيتاً على الحريق المشتعل، ويا لها من دائرة مفرغة.

وفي الحرب، ستتشكل العقائد على أطراف البنادق. فالنظام السياسي اليمني سيعطي توجيهاته إلى الألوية والكتائب بالاعتماد على الجندي السنّي مضمون الولاء لتجنّب أخطاء الماضي، حيث امتلأت الدواوين اليمنية بسرديات لا حصر لها حول خيانة الجندي الزيدي لطهارة السلاح، وتواطئه مع المقاتل الزيدي الخصم. عن الولاء للمذهب وخيانة الدولة الأم. وسيردُّ الحوثي على أتباعه: أرأيتُم، لا يوجد أحدٌ من شيعة رسول الله بين الأعداء، أيها " المجاهدون". إنهم وهابيون، يملأهم الحقد، تدفعهم السعودية، تموّلهم أميركا وإسرائيل، وتحشدهم حكومة عميلة.يصمتُ الحوثي لحظة واحدة، ثم يعلن: لقد وجدنا آثار سلاح إسرائيلي، وسعودي وأميركي في ترسانة الجيش المنكسِر.

وفي الحرب، تخف الآلام بينما تتسع الرؤوس لتستضيف الخرافة والأسطورة. من يتذكر آيات الرحمن في كرامات المجاهدين الأفغان! يعزز الحوثي صمود أتباعه عبر الكلام السماوي. تنكسر كتيبة من الجيش فيهتف بهم: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. يقفُ منطقهُ على رؤوس أتباعه: اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد بعدها في الأرض.
وهكذا، ينطلق الشبّان الأميون، المحرومون من الصحة والتعليم، في معيّة الغبار ليقدموا معروفاً نبيلاً للسماء، تلك التي تبدو بعيدة في صعدة أكثر من أي مكان آخر!أمام هذا المنطق اللاهوتي القوي والمباغت سيضطرب الخصم، وهو هنا النظام اليمني الذي يخوض هذه الحرب دون تفويض دستوري، فيعمد إلى نفس آلته الدعائية: إنها إيران، تدعمهم بالنار والمال. لكنه سيسمّي مقاتليه: جنوداً، بينما يطلق الحوثي على مقاتليه: المجاهدون! الجندي يؤدي وظيفة دنيوية، طبقاً لأوامر القائد.. أما المجاهد فإنه يؤدي وظيفة سماوية طبقاً لمُراد الإله. عند هذه التقاطعات من المتوقّع أن يرتبك 66 ألف مقاتل أمام آلاف بسيطة من المقاتلين القرويين (من اعتقد بحجر نفعه ربّ الحجر، يقول الصوافة)! يجد النظام نفسه في مأزق عصيب. فهو لا يستطيع أن يستمر في إشاراته إلى المذهبية الدينية، حتى النهاية. إنها طريق غير مأمون العواقب. ثمّة مقولة حديثة تذهب إلى: إن أكثر الحروب دموية هي تلك التي يعتقد فيها الطرفان أنهما يقاتلان نيابة عن الإله.

إن حكومة هشة، طبقاً لأكثر من ثلاثين تقرير دولي، لا يمكنها أن تتحمل حرباً بالغة الدمويّة، لذا فمن المرجح أن لا يعمد النظام إلى استخدام آليات الخصم. إنها إحدى آليات الخصم التي يشكل اختطافها منه خطراً حقيقياً على استراتيجية الطرف الخاطف. لدى الجندي الحوثي الكثير من وسائل القوة: فهو يقاتل وكلاء أميركا وإسرائيل، تحت قيادة السيد الحوثي سليل رسول الله، دفاعاً عن الفئة المؤمنة ( استخدم السيد مقتدى الصدر تعبير: المؤمنون الحوثيون). هذه أفكار بسيطة، ليس فيها تركيب. لذلك فهي سريعة التوغّل في عقول أصحابِها، ولا تجد معاوقة تذكر في أن تتحوّل إلى يقينات، إلى عقائد عبر عمليتي إيحاء: داخلية، يقوم بها المرء تجاه نفسه، وخارجيّة.. يؤديها الإمام المقدّس: السيد الحوثي، الذي لا يظهر إلا تحت لافتة: السيد.

في الجانب الآخر، يجد الجندي الحكومي نفسه تائهاً، يدورُ حول نفسه بلا قبضة يقين. فالمعارضة الداخلية للحرب، فضلاً عن تقارير خارجية كثيرة العدد، تزعزع عقيدته العسكرية بإشارات كثيرة حول تجار الحروب المستفيدين من كل هذا الدم. يتبادل هذه الأفكار الخطِرة مع رفاقه في الجبهة، ويتذكّر حاله الرث في منزله: راتب ضئيل، أبناء بلا مستقبل، أسرة على كفّ الضياع. لا خدمات، لا نظام، لا قانون، لا مواطنة حقيقية، حياة في انتظار غودو! إن هذا الحكم ليس رشيداً، بالمرّة. لا يمكن أن يفعل الحكم الرشيد بأهله ما يفعله نظام الحكم في اليمن، هكذا يحدّث الجندي نفسه في الجبهة، بينما هو يرى جحافل الجيش تتحرك ببطء أشبه بجِمال الملكة الزبّاء! يصرخ فيه القادة: هؤلاء المخرّبون يريدون إعادة الكهنوت والظلام إلى اليمن الحديث. يهزّ رأسه، الذي لا يأبه كثيراً للمجاز: لكننا غارقون في الظلام منذ الثورة، هكذا هي قريتي ومدينتي. يصرخ فيه حوثي أنيق من مكان بعيد: لا تصدق هذا الهراء، نحنُ لا نفكّر بإعادة النظام الإمامي، فقد تكفل نظام صنعاء بذلك. هكذا قال يحيى الحوثي في لقاء تلفزيوني. يحدث بعد ذلك أن يفر الجندي من الموقع العسكري، تاركاً وراءه الأسئلة الكبيرة أمام الجندي الحوثي كي يجيب عنها بخرافاته الكلاسيكية بلا صعوبة تذكر! وهكذا يخسر الطرفان الحرب. يدخلان في اللحظة ذاتها في معيّة التيه.
الجندي تحاصره الأسئلة القاتلة، بينما يغرقُ الحوثي في إجاباته الضلالية. وإذا كانت الأسئلة مبصرة، فإن الإجابات غالباً ما تكون عمياء. عمياء مثل هذه الحرب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.