أكثر من نصف عام من النضال تحت راية الثورة مرت سريعا، وتركت خلفها حمولة ثقيلة من الأخطاء والألم والحب أيضا! نقول الأخطاء؛ لأن الأفعال الصائبة لا تحتاج للنقد، بقدر ما تحتاج للتقويم والتشجيع.. هكذا إذا ذهبت الأيام، وجاء العيد سريعا كعادته، لكنه هذا العام لن يزور القصور الرئاسية، وإن زارها فلن يبقى فيها كثيرا كما كان يفعل سابقا. وجهة العيد هذا العام إلى خيام الثائرين، وساحات التغيير، إلى منازل الشهداء، إلى مقابرهم أيضا.. لن يُعدم هذا العيد شيٌ من "القوارح"، والقذائف الشاردة، ما أتمناه أن لا "تقرح" فيه مزيداً من رؤوس أبناء تعز أو أرحب، أو حتى إب لا فرق، تعددت "القوارح" ورأس المواطن واحد. ومع ذلك سنحاول جاهدين أن نبتسم في العيد، أن نحمل الزهور والورود، أن نتصافح، ونتعانق، ونرفع رايات السلام البيضاء. هذا العيد سيرقص فيه الثائرون على صوت حمود الكامل وهو يهتف: " السيل وصل للركبة، هي ثورة مش هيه لعبة". نعم يأتي علينا العيد وقد رحل بن علي، وقُدم مبارك وأولاده للمحاكمة العلنية، وطارد الجرذان الليبيون زعيمهم وأولاده من "كوخ" إلى "كوخ"، ومن "مدفن" إلى "مدفن"، وارتعب بشار من شدة قبضة الثوار السوريون لدرجة أنه يقتل كل من خرج إلى الشارع، وأرسل صالح الخطابات المسجلة من عزلته المنفردة في الرياض. يأتي العيد وقد ذهب جمال الشرعبي ومياس، وعوض السريحي وعبد العزيز عبدالغني إلى ربهم، وبقي القناصون على متاريسهم يتأهبون لموقعة كرامة جديدة. يأتي العيد وعبد الإله حيدر يكتب مذكراته من زنزانته المظلمة، وغالب القمش يراجع مذكرات قرون من التربع على الأمن السياسي، وعلى الآنسي مشغولٌ جدا.. بالتحقيق في حادثة جامع النهدين، ووحده "عبده الجندي" جالس فارغ "يصافط" الصحفيين في قاعة تاج سبأ. يأتي العيد وجمال أنعم يُشرف على إخراج أكبر عمل توثيقي للثورة وشهدائها، ومحمود ياسين يتعقب تعليقات القراء في المصدر أونلاين "القذرين" حد قوله، ومحمد العبسي مهموم في البحث عن دلائل افتعال الدولة لأزمات الكهرباء والوقود. يأتي العيد وعلي محسن يراجع كتاب سيرة المشير الطنطاوي، وصادق الأحمر يتكئ على "باكورته"، ويدعو إلى دولة مدنية، وأجرة الراكب من شارع العدين إلى الجولة بخمسين "قرش" فقط لا غير! يأتي العيد وقد ذاق الناس طعم الحرية، وطعم العذاب، وطعم السياسة، وكذب القنوات. يأتي العيد وقد سقطت أنظمة، وقامت أخرى، وتكونت مقابر جديدة، متوجعة وحية الألم. هي الثورة إذا، "صحة الشعب وعافية الوطن، وهي لصالح مرضه واعتلاله، هي بدءنا ومنتهاه، شروقنا وزواله، عودتنا وذهابه، حضورنا وغيابه، قوتنا وضعفه، صمودنا وسقوطه. وهي حياتنا وموته".. هكذا يسطر جمال أنعم في ذات مقال لزاويته "المنفرجة" في الصحوة. العيد ابتسامة، وعمل خير، وإصلاح، وإحسان، وأكل وشرب وذكر لله.. العيد ثورة، العيد تغيير، العيد صمود ونضال، والعيد مظاهرة، واعتصام. هي دعوةٌ لزرع الأمل في النفوس، وبث روح الإيجابية في الوجدان.. أفرحوا بعيدكم، بثورتكم، بشهدائكم، بصبركم.. افتحوا قلوبكم للقريب والبعيد، قولوا لمن لا يوافقكم الرأي تبقى المحبة بيننا والتواصل، لا تُضيقوا على الناس في أرائهم، لا تمارسوا أخطاء نظام سابق خرجتم من أجل تغيير ممارساته الباطلة. الثورة هي أكبر من مظاهرة واعتصام، الثورة أخلاق، ونظام، وإقناع، وممارسة، وعبادة. الثورة هي حياتنا.. ممارساتنا، أولوياتنا، مصيرنا، وقدرنا، ومسؤوليتنا. الشمس الآن تلوح بالإشراق؛ لكي تنهض الحياة واقفة من جديد.. طال الانتظار على الناس، ورحلة الألم مسترسلة، وقليل من البشاعة غادر وجه اليمن. أيها الثوار.. اجعلوا صباح عيدكم يوماً آخر يبعث على الغبطة، ويدعو للاحتفاء.. ابتهجوا بثورتكم كثيرا، وأعلموا أن أقوى معارضة لأي ديكتاتور في العالم هي أن تقرر أن تبتهج.