العالم تحكمه المصالح الاقتصادية والسياسية وليس المشاعر الإنسانية،فقد كشفت الثورات العربية التي مرت وتمر بها دول المنطقة العربية تفاوت حجم التفاعل الدولي مع تلك الثورات انطلاقا من حجم المصالح الاجنبية، الاقتصادية والسياسية في تلك الدول، ولا أدل على ذلك تحولات المواقف الدولية تجاه النظامين التونسي والمصري، بالرغم من كونهما حليفان رئيسان للغرب في المنطقة خصوصا فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، والعلاقة مع الكيان الصهيوني، وتحكم في تبدلات المواقف الدولية حجم المصالح الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية بالإضافة للموقع الحيوي لكلا البلدين وأثره على استقرار الأوضاع في الإقليم الذي يوجد فيه البلدين،بالإضافة لتماسك المؤسسة العسكرية وإعلانها الحياد المبكر في المواجهات بين الأنظمة السياسية والشعب الثائر المطالب بالتغيير وإسقاط النظام. ومع تنامي حركة الاحتجاجات الشعبية في تونس ومصر وعجز نظامي بن علي ومبارك على كبح جماح الثورة، واعتماد النظامين على الحل الأمني فقط في مواجهة الهبة الشعبية التي كسرت حاجز الخوف سارعت الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالامريكية لرفع الدعم والغطاء عن تلك الأنظمة، لإدراكها ان بن علي ومبارك أصبحا خارج الجاهزية وبلا قدرة على تجاوز مطالب التغيير،وأن أي دعم سياسي او اقتصادي لهما هو بمثابة رهان خاسر سيؤدي لوقوع كوارث سياسية واقتصادية ستتجاوز البلدين للمنطقة بأكملها،وستؤدي لخسائر لن يكون بإمكان أي قوة تجاوزها أو تعويضها. المعادلة في كل من ليبيا وسوريا والبحرين واليمن متغيرة كليا، بسبب طبيعة الانظمة السياسية والسيطرة الكاملة للانظمة على الجيش والانقسام الشعبي والاستحواذ على الثروة والسلطة من قبل الأنظمة الأسرية الحاكمة في تلك البلدان. كما أن ضعف المعارضة الحقيقية أو غيابها كما في سوريا وليبيا،أو الانقسام الشعبي وغياب الرؤية والإستراتيجية وعدم مساندة المحيط الاقليمي والتلاعب بورقة الانقسامات الطائفية، كما في البحرين ، الى جانب مخاطر العنف والارهاب والانفصال في اليمن،أدت تلك العوامل لوجود مواقف متناقضة وخجولة ومتعارضة في احيان كثيرة في المواقف الدولية، تجاه الثورات في تلك البلدان. في الحالتين اليمنية والبحرينية كان للموقف السلبي غير المرحب او المؤيد لفكرة الثورة والتغيير من قبل الاخ الاكبر ، للبحرين والشقيقة الكبرى لليمن (المملكة العربية السعودية) الغنية للبلدين الفقيرين والتي تتعامل معهما اللمملكة كحديقتين خلفيتين تفرض عليهما الوصاية السياسية والاقتصاية وربما الإيديولوجية، وتقف كحائط صد في مواجهة الثورة ومطالب التغيير، إنطلاقا من مخاوف المملكة المصابة أصلا بداء الاستبداد والانقسام الطائفي والاجتماعي، من انتقال عدوى الثورة. ان تكون بلدا فقيرا لجار ثري فتلك لعنة الجغرافيا التي تجعل الآخرين يتعاملون معك من ثقب باب الجار الضيق الذي يقرر حجم الضوء الذي يجب ان تتعرض له. مطالب الثورة العادلة في البحرين عارضتها أمريكا وأوربا واعتبرتها القوى الدولية التي ترفع شعار الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مجرد محاولة إيرانية لإثارة الفوضى في مناطق النفوذ الغربي، ولا علاقة لها بالحق الإنساني الأصيل في الحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية، ولم تندد تلك القوى بتدخل قوات درع الجزيرة وقيامها بقمع المحتجين في البحرين، ولم تحرك ساكنا إزاء انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرض لها المطالبين بالتغيير من قبل الحكومة البحرينية. في اليمن منذ الأيام الأولى للثورة السلمية كان الموقف الأمريكي مرتبكا إزاء الثورة وكان ضعيفا في التنديد بالجرائم التي تعرض لها المطالبين بالتغيير السلمي في البلاد،وقبل إعلان أي موقف أمريكي صريح تجاه ما يحدث في البوابة الجنوبية لدول الخليج،كان الرئيس الأمريكي يوفد مساعده لشئون الإرهاب وعدد آخر من المسئولين الأمنيين في إدارته للرياض، للاطلاع على تقييمها ووجهة نظرها تجاة مايحدث في اليمن، وسارع وزير الدفاع الامريكي للتحذير من مخاطر سقوط نظام صالح على المشروع الامريكي للحرب على القاعدة في اليمن، انطلاقا من تقديم نظام صالح لسلسلة من التنازلات والتسهيلات القانونية غير الدستورية للجانب الامريكي في تلك الحرب. كانت ولازالت المواقف الامريكية والغربية الى حد كبير ملتزمة بوجهة النظر السعودية تجاه اليمن، وكانت المبادرة الخليجية بمثابة قميص عثمان الذي تحدث العالم الغربي عن كونه المخرج الوحيد لما تمر به اليمن، وعلى الرغم من كون تلك المبادرة جاءت لتوفر مخرجا لصالح، ويقيد من طموح الثورة والثوار،بتحويل مايدور في اليمن يحتاج لمخرج سياسي يقدم ضمانات لاركان النظام يحميهم من الملاحقة والمسائلة على الجرائم السياسية وقضايا الفساد المالي والسياسي، وتحاول عبرها المملكة ضمان وجود بديل موالي لها عن نظام صالح. دوما كانت تصريحات اوباما وكبار مسئولي إدارته تؤكد إن امريكا والاتحاد الاوربي يعملون مع السعودية لايجاد مخرج مناسب لليمن وهذا تأكيد للسياق الدولي بتفويض الشقيقة الكبرى لتتصدر موضوع اليمن واقتراح مايجب ان يكون عليه الدور الاممي منذ اليوم الاول عبر العالم دعمه للمبادرة الخليجية ولم يمارس اي دور ضاغط يحرج المملكة في مواقفها المنحازة واستجابتها المنعدمة للاصوات المنادية بالضغط على صالح. بالتأكيد الرهان على تحولات الموقف الغربي تجاه الثورة اليمنية بدون المرور بالبوابة السعودية، هو أمر غير وارد، فلا احد يريد خسارة علاقته بالسعودية لحساب اليمن الفقير، وبالتالي لن يقدم الخارج حلولا عملية لصالح اليمنيين مالم تنجز الثورة مشروعها الخاص وتمضي في طريق إكمال ما بدأته قبل أكثر من ثمانية أشهر، دون الالتفات دوما نحو البوابة الشمالية لليمن، فالرهان على الضمير الإنساني للعالم لا يمكن ان يتخطى حدود المصالح، مالم تفرض أطراف الثورة السلمية أجندتهم الخاصة ويحققوا نجاحات في نضالهم السلمي،وتقديم بديل سياسي واجتماعي جديد يقوم على القبول بالآخر وتجاوز فكرة الإقصاء والعنف التي كرسها النظام خلال أكثر من ثلث قرن.