تصرخ سماح عبد الكافي (34عاماً) مع جموع الثائرين في ساحة التغيير بصنعاء بشعارات كثيرة كانت أبرزها منذ بداية الثورة هي تلك التي كانوا ينادون بها باسم قائد الضباط الأحرار في ثورة 26سبتمبر «يا على عبد المغني علي صالح جوعني»، وهذه الشكوى هي إشارة واضحة لإضاعة هذا النظام لأهداف ثورة سبتمبر التي عمدتها دماء الشرفاء أمثال على عبد المغني . كان الشباب الغاضبون يصرخون بذات الشعارات وهم يحملون ذات الهم والالم وبالطبع كانت سماح تتفق معهم لكن ثمة إضافه جعلتها تختلف عنهم وهي أنها تحمل ذات الدم الذي كان في عروق علي عبد المغني فوالدها ابن عمه اللصيق. سماح تحمل أيضا سبباً شخصياً للمشاركة في الثورة كما تقول «لقد سرق منى النظام أربع سنوات من عمري وهي السنوات التي تأخرت فيها عن التخرج من كلية الطب بعد ان صودر مقعدي مع مجموعة طلاب مثلي ليس لديهم وساطة في الجامعة, وصودرت مقاعدنا لصالح أبناء مسؤلين، اضطررت بعدها للتسجيل في جامعة خاصة على ارتفاع رسوم التسجيل فيها مما دفعني للعمل والدراسة في نفس الوقت، وكانت فترة صعبة جدا خصوصا باجتماع العمل الشاق مع دراسة الطب». تواصل سماح شرح معاناتها «ومع ذلك فقد كنت احصل على نتائج أفضل بكثير من بعض الطالبات المتفرغات للدراسة فقط، لكني لمرات عدة كنت اعجز عن دفع الرسوم وبالتالي احرم من دخول الامتحان فكانت تلك السنين من عمري والتي يدين بها النظام لي». ليس هذا الألم فقط هو المحفور في ذاكرة سماح فارتباطها بمدينة صعده التي نقل والدها للعمل فيها وبقيت هناك لبضع سنين، ومرت بها سنوات الحرب وويلاتها التي عاشها الصعديون كما تشرح هي بكل أسى «ما حدث في صعده جرائم حرب لا تغتفر وهناك فظائع كثيرة سوف يظهرها الزمن»، تختصر سماح بعض مآسي صعدة «لكم تألمت حين اتصلت لصديقتي في صعدة ودعوتها لزيارتي فاعتذرت لأنه لا يوجد احد يمكن أن يصطحبها فالجميع قتلوا الزوج والأخ و الأب، وتحملت صديقتي مسؤولية الحياة بدون سند ولكم أتألم حين اذكر سائق الباص الذي كان يوصلنا للمدرسة وكيف انه كان بسيط ككل اليمنيين يبحث عن اللقمة الحلال وتربية الأبناء وستر الحال وحسب لكنه قتل في الحرب». بالرغم من كل الألم الذي تنضح به ذاكرة سماح إلا أنها تحكي والابتسامة تسبق كلماتها وقد فسرت ذلك «لأول مرة احكي قصتي لأحد بدون بكاء ربما لأني هنا في الساحة، انتقم لكل لحظة ألم تسبب لي بها هذا النظام وحتى أني لست آسفة على هذه السنة وهي سنة الامتياز في الكلية وانا هنا في الساحة ومعنى ذلك اني أضفت السنة الخامسة للتأخير عن التخرج ومع أنني كنت في كل سنة أتأخر بها احزن بشده إلا هذه السنة فوجودي في الثورة هو الامتياز الوحيد في حياتي». لكن تلك الابتسامات لا تعني نهاية الجراح التي دائما ما يصر النظام على أن يصيب بها خيرة شباب البلد الطيب، فقد كان بكاء سماح المرير وهي تسعف الجرحى في أولى هجمات قوات الأمن على الشباب في الساحة مشهداً تراجيدياً، امتزجت فيه آهات المصابين ببكاء الطبيبة, أما عن السبب الحقيقي وراء بكاء ذلك اليوم فتقول وفاء «بينما كنت منهمكة في إسعاف الجرحى فاجأني احد المصابين بتلقيني اسمه وعنوان أهله ويرجوني ان ابلغهم عن وفاته فأحسست بظلمة تعتري المكان, ولم أتمالك نفسي فأجهشت حينها بالبكاء واحمد الله أن هذا الشاب شفي لأني من هول الموقف لم أحفظ شيئاً مما قاله». لم يقتصر عمل سماح في الساحة على الطب فقط بل إنها دائما ما تخرج في المسيرات وحتى الخطيرة منها، أيضا تشارك في الفعاليات من إعداد وجبات للمعتصمين وجمع تبرعات، وفي أوقات الفراغ تحضر سماح الندوات والدورات التي تقيمها بعض الائتلافات في الساحة. وبالعودة إلى قائد الضباط الأحرار علي عبد المغني والدور البطولي الذي قام به في ثورة سبتمبر وكيف استشهد وهو داخل الدبابة في الثلاثينيات من العمر وهو أعزب . لكن هذا لم يوقف نسل الثورة والمقاومة فهناك الآلاف يرفعون أسماء الثوار عاليا وان لم تربطهم أي أواصر عائليه، ويحملون صورهم إكراما لأدوارهم الثورية والبطولية وأيضا تخليدا لمسيرتهم النضالية، ويتساوى في هذا الولاء والحب من يحملون ذات الدم بمن يحملون ذات الهم ولا فرق، فذات مرة وفي إحدى الهجمات تقول سماح «كنت أسعف احد الجرحى وهو ممسك بصورة علي عبد المغني بيده بقوة ولم يفلتها برغم اصابتة ولكم تمنيت أن احتفظ بها لكني رأيت تمسكه بها فاستحيت ان أطلبها منه». وقد امتلأت عينا سماح بالدموع حين رأت صورة على عبد المغني التي أتينا بها لأخذ اللقطة للصحيفة وأطرقت وعينها تغوص في الصورة وردت علي حين قلت لها انها تشبهه فقالت وملامحها ترتسم بحب عميق «إنه يشبه أبي كثيرا». وتضحك سماح وبصوت عالي كلما تذكرت احد مواقفها في الفترة السابقة لثورة وهي أيضا تفصح عن السبب الحقيقي وراء ذهابها لإسعاف الجرحى في الصفوف الأولى للمواجهة بالرغم من خطورة الموقف «كنت اذهب إلى هناك حيث كان البلاطجه يهاجمون الشباب بالحجارة والزجاج حتى إذا كانت هناك إصابات طفيفة أقوم بإسعافهم بسرعة ليعودوا للمواجهة من جديد وكنت اصرخ في وجوه الهاربين ان يرجعوا للمواجهة لكم شعرت إن بعضهم يعتقد أني غير طبيعيه والبعض كنت أحس انه يخجل مني ومن زميلاتي حين يهرب لذلك كنت أصر أن أقف أمامهم وادعوهم للعودة». وأكثر ما كان يؤلمها ومازال هو الخلافات التي تحدث أحيانا في الساحة بالرغم من انه وضع طبيعي, لكنها تخاف كثيرا على الثورة لاعتقادها ان البيت المنقسم على نفسه لا يستطيع النهوض, لذلك فهي تحاول تقريب وجهات النظر ورأب الصدع من خلال المناقشات التى تديرها أثناء زيارتها للائتلافات والمنتديات الموجودة في الساحة , فحيل سماح الثورية لا تنتهي وكقبر عمها على عبد المغني الذي ظل مجهولا لفترة من الزمن لا تزال سماح في ساحة التغيير بصنعاء مغمورة لا يعرفها سوى قلة من المقربين لها وما تزال حتى اللحظة كالثورة اليمنية تقدم التضحيات في انتظار لحظة الانتصار .