عندما وصلت «مسيرة الحياة» إلى دار سلم ذهبنا أنا وصديقتاي عزيزة سبيع ومسك الجنيد لاستقبالها. كان الناس قبل الظهيرة يسيرون فرادى وجماعات للهدف نفسه، وكان البلاطجة يقطعون الطرقات ويقذفون السيارات بالحجارة، ولم يكن للجميع حديث سوى مسيرة الحياة التي تم قمعها وقتل شبابها العظماء في دار سلم ومنعها من الدخول إلى صنعاء حتى غربت الشمس، حينها عدنا أدراجنا بعد أن فقدنا الأمل في لقاء الحشد العظيم القادم من تعز أو «الضوء القادم من تعز» كما عبرت صديقتنا الدكتورة ألفت الدبعي في كتابها الرائع «مسيرة الحياة ..الضوء القادم من تعز» والذي سردت فيه تفاصيل رحلتها مع المسيرة وأهم أحداثها . ما لم تذكره العزيزة ألفت هو كيف أننا استقبلناها أنا والصديقة مسك وهي في الرمق الأخير، بعد أن نقلت إلى إحدى المستشفيات وتلقت بعض الإسعافات الأولية وحملناها وهي لا تكاد تقوى على السير وفي حالة إجهاد كبيرة، غير أن ذلك لم يمنعها من تتبع وضع المسيرة والسؤال عن حالة الشباب خاصة الفتيات اللواتي جرحن ومحاولة التواصل معهن. لقد كتبت الدكتورة ألفت الدبعي هذا الكتاب عن مشاهدة ومعاناة حقيقيتين، وقدمته كثائرة متأملة عنيت بنقل أغلب الآراء في بعض الأحداث التاريخية لكنها اهتمت أكثر بإيصال الصورة الرائعة لمسيرة قلّ أن تتكرر على مستوى العالم أجمع، واستطاعت من خلال هذا المؤلف الصغير أن تنقلنا إلى موقع الأحداث وتجعلنا نعيش الكثير من التفاصيل الرائعة حيناً والمؤلمة حيناً آخر بلغة رفيعة وسلسة في الوقت نفسه، فها هي تقول في إحدى مقاطع الكتاب: «في جبل سمارة كنا كأننا نمشي فوق السحاب، هناك شعور بخشوع عجيب أثناء السير كأننا حجاج في طريقنا إلى الديار المقدسة، ورغم شدة البرد القارس في مثل هذا الوقت من السنة، وهذا الوقت من الزمن الذي يلتقى فيه غروب الشمس بإطلالة القمر، أذهلني رؤية بعض الشباب وهم عراة الصدور يمشون في المسيرة لا يلتحفون إلا العلم اليمني». وهكذا تتتابع مقاطع الكتاب بطريقة شيقة تمنعك أن تتركه حتى تتمه، ولا تنفك تشعر بأنك صرت جزءاً من الصورة وأن مسيرة الحياة تتجسد أمام عينيك فتفرح لفرحها وتبكي لأحزانها ومآسيها. لقد أدركت الكاتبة أن حدثاً بحجم مسيرة الحياة يحتاج إلى كثير من المؤلفات، فبادرت بهذا المولود الذي ألقى الضوء على كثير من الأحداث وأطلعنا على بدايات انطلاقها وتفاصيل تنظيمها، لذا أتمنى أن يكون فاتحة لإصدارات حول مسيرة الحياة وتفاصيلها المثيرة ومشاهدها الإنسانية العظيمة، وأن تتبعه إصدارات أخرى لكل ثائر استطاع أن يلمّ بهذا الحدث الضخم وأن يوثق لكثير من أحداثه. في ختام الكتاب قالت المؤلفة الثائرة الدكتورة ألفت الدبعي خلاصة رائعة عن المسيرة وعن تعز «لقد حاولوا أن يطفئوا الضوء القادم من تعز .. حاولوا أن يغتالوه .. لكنهم لم يكونوا يدركون أنه ضوء سريع الانتشار، ضوء عصي على الاغتيال، ضوء يأبى أن ينطفئ!».