قالوا إن الأوطان لا تبنيها إلا سواعد أبنائها. وقيل إن احد اليابانيين سئل عن سبب تقدمهم فقال لقد أعطينا المعلم راتب الوزير وهيبة الضابط واحترام الامبراطور، وسبب كهذا مقنع لان أساس تقدم الامم والشعوب هو العلم بكل اشكاله، وهذا السبب الذي وضعه ذلك الياباني لا يتفق عليه الكثير من أبناء شعوب المنطقة العربية لان تكوينها النفسي كردة فعل بسبب الانظمة التطويعية السابقة كان يؤدي إلى ان تكون قاعدة الياباني كما يلي: كل مواطن عربي وبالذات النخبة تريد ان يكون لها راتب مائة وزير ولها هيبة الضابط واحترام الامبراطور وتريد ان تتحكم في كل شيء حولها. وهذا يعني ان في قلب كل مواطن عربي ديكتاتور صغير يريد كل شيء وذلك كردة فعل للحاكم المخلوع الذي حرمه كل شيء تقريبا ومثل هكذا مطالب إذا ضبطت بمبدأ العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فهي أهداف نبيلة يمكن ان تتحقق لكل فرد بطرق كثيرة في اطار ان الله كرم هذا الانسان واسجد له ملائكته، وللإنسان الحق في المطالبة بذلك ولكن بعيدا عن تقديس نفسه فلا عصمه إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم.. لكن هناك الكثير ممن تربو على ثقافة التملك والحق المطلق عندي والآخر عنده الخطاء المطلق وهذا بسبب اعتقاد مثل هؤلاء العصمة لرموزهم وقدواتهم وعلى سبيل المقارنة المتواضعة سنجد ان هناك فرق كبير بين الشعوب الحرة والشعوب النظامية وذلك كمصطلح تم رواجه في ضل الحكم القائم على نظام الحاكم الفرد او السلطة المستبدة. فالشعوب الحرة تنال حرياتها دون ان تفقد معتقداتها وعاداتها وتقاليدها بينما الشعوب النظامية يتم تطويعها لتكون معتقدة بهيبة الحاكم وقداسته.. بينما الشعوب الحرة في الإطار الإسلامي تعتقد ان لا سجود ولا ركوع إلا لله رب العالمين والمواطنين النظاميين يركعون ويسجدون ويقبلون الركب والأقدام لحكامهم او حتى لصور فوتوغرافية لحكامهم وبشار الاسد نموذج مباشر لهذه المقاربة ومن قبله حديثا كان الرخيم اليمني. وفي الجانب الاقتصادي فالزعيم او الحاكم للشعوب النظامية هو الذي يسرق و يملك كل شيء والشعب يأخذ ما يجود به سيدة سواء كان ذلك السيد يسرق مال الشعب كأخذ الخمس من أموال الدولة عند بعض التيارات الدينية المتطرفة أو يأخذ كل شيء ويمنع التملك بأي شيء تحت غطاء سلطة نظامية تعتقد انها تحقق العدالة والتي غالبا تعطي الخبز وتأخذ الحرية او تأخذهما معا.. ونماذج مثل هذه كثيرا لا تعد مما قبل نابليون بونابرت ومرورا بتشي جيفارا ووصولا الى المخلوعين الجدد.. اما من الناحية السياسية فإن حاكم الشعوب الحرة هو موظف عادي جدا يقوم بوظيفته كما يقوم الفراش والنجار بوظيفته ويذهب عندما يرفضه الشعب ولكن عند الشعوب النظامية فالحاكم بحكم القداسة التي اعطيت له والمكينة المالية التي شكلها من حقوق الناس يعتبر هو الفاعل الحقيقي في حياة الشعب يقول ويعين ويعزل من يريد بلا معايير علمية إلا عدد ركعات وسجدات حملة المباخر من حوله وعدد اللقيمات التي يوزعها وهذا سبب كل سقوط لمثل هكذا حاكم فهذا يخلق انفصام في المجتمع بحيث خمسة في المائة هي التي تعيش على حساب خمسة وتسعين في المائة من الامة او خمسين في المائة يراد لها ان تعيش حياة متساوية ربما على حساب خمسين في المائة تموت وتم الإفتاء بجواز قتلها إذا كان ذلك سيحقق ما يعتقد بانه عدل وهذا شائع جدا وتقوم عليه احزاب مؤثرة في المنطقة العربية لذلك لا نستغرب ان نسمع اصوات من بعضها تقوم بالتسويق لقتله الثوار الأحرار كيحيى صالح وأحمد علي او اللوبي المتشكل من الفلول والحوثيين. لان ذلك من أصل تكوينها الثقافي..
اما في الجانب الاجتماعي فالشعوب الحرة لها الحرية المطلقة في تنظيم نفسها وتشكيل علاقاتها الاجتماعية كما تريد وفقا لقاعدة لا ضرر ولا ضرار ولا يمثل ذلك إلا تيار الإسلاميين المعتدلين، لكن الشعوب النظامية علاقاتها محددة بدقة متناهية وفقا لما يريده الحاكم كي لا يدخل على طبقة الحكم من يشعر بجوع الفقراء ودموعهم فيكون ذلك شاذا عن القاعدة السائدة في الحكم.. ولكن الشعوب الحرة لها سقف مرتفع جدا في تكوين العلاقات الاجتماعية وأهم سقف يمكن ان يتشكل هو اهم سقف في البنية الاجتماعية وهو تكوين الاسرة حيث يمكن للإنسان ان يتزوج يهودية او نصرانية وفقا للضوابط الشرعية ولا يمثل مثل هذا المعيار إلا الإسلاميين لان الكثير غيرهم ينسب المرأة إلى زوجها ويفتي بتحريم تعدد الزوجات او انتساب الزوجات لآبائهن كما في التكوين الاجتماعي في المجتمع الغربي.. وأما في مسألة الحقوق والواجبات فالحاكم للشعوب النظامية عندما يرصف طريقا او يعطي وظيفة فإنه يعتبر ذلك فضلا منه جاد به على عياله من الشعب .. ولكن الحاكم للشعوب الحره كالشعب الذي حكمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثلا تقرقر بطنه من شدة الجوع فيقول لها لن تشبعي حتى يشبع جميع المسلمين ويعبر عن مسؤوليته المباشرة عن تعثر بغلة في العراق بسبب طريق غير مرصوف وذلك بقولة: والله لو تعثرت بغلة في العراق لسئل عنها عمر لماذا لم تصلح لها الطريق؛ فماذا لو رأى عمر حالنا ونحن نرى ابناء الامة من الناس الذين كرمهم الله وهم متعثرون بل مقيدون. فحق الحاكم مكفول بكفايته فقط مثل كل الناس كأي مواطن ولكن واجباته يمكن ان تكون اكثر بكثير من واجبات شعبة تجاه النظام الذي يحققه في حياة الناس انفسهم. واما من ناحية العدل وإقامته في المجتمع والذي يكون اساس الحكم المثالي فالعدال في نظر الحاكم، والذي هو فقط من يمثل الشعب النظامي الذي يحكمه، هي عدالة بقاءه كمقدس لا يستغني الناس عنه ولذلك يكون الميزان اعوجا دائما باتجاه لوبي الحكم ومعايير تعيين قضاته هي الولاء المطلق له وهذا في نظام الحاكم المستبد الفرد واما في نظام السلطة الحاكمة المستبدة فالقاعدة تقول ان التساوى في الظلم عدل وهذا خلافا لما ترغب به الشعوب الحرة التي تتوق للعدل بكل اشكالها وترغب بالعدالة كاملة ولا استثناء، وهذا ما درجت عليه ثقافة انصار الاسلاميين الوسطيين حيث ويد العدالة تصل الى الخليفة علي ابن ابي طالب رضي الله عنه والذي يقف امام القاضي في قاعة المحكمة مع يهودي مظلوم بشكل لم يعرفه الخليفة الراشد..