لم يعد من شك أن الحراك فقد صورته السلمية , عينا الإعتراف بالحقيقة المرة , فقد سبق و أن حذرت في مقال سابق بعنوان (شباب الجنوب بانتظار الهولوكست ) في نهاية شهر أبريل من هذا العام قبل مايقرب من ثمانية أشهر , وهو موجود على صفحات المصدر أونلاين و الصحيفة بأن الحراك لم يعد سلميًا , وحملت الدولة المسؤولية الكاملة عما يجري حينها , لكن بالمقابل علينا أن نضع أصبعًا كبيرًا على الجرح و أن نعترف بأن الحراك أصبح مثل قطار كبير يسير بسرعة كبيرة فوق قضبان مهترئة .
كان لتصعيد خطابات العنف و الخطابات الثوراتية في كلام قادة الحراك الذين يتوارون خلف قائد جديد يصيح أكثر منهم , أقول بأن لذلك التصعيد دور كبير في دق جرس الإنذار حينها , فالعنف لا يخلف إلا العنف و القتل سيرتد في نحر صحابه و إن طال الزمن , و من الصعب بمكان توجيه دفة العنف نحو المرسى الذي يريدون له أن يرسو عليه , فرجل الشارع المسكين الذي يتم شحنه بتلك الخطابات و النعرات الطائفية المناطقية لا يستطيع أن يحدد هدفه جيدًا في ظل التعبئة النفسية الشعواء التي يكرسها ماسكو المايكروفونات في المنصات الحراكية.
و أعود و أكرر بأن الدولة هي صاحبة المسؤولية في هذا الشأن في ظل تواريها عن الأنظار إزاء ما يجري , و أصلا لم يكن ليحدث مايححدث الآن لولا غياب الدولة و تنصلها من كافة مسؤولياتها تجاه الشعب شرقًا و غربًا و شمالا و جنوبًا.
و اليوم و في تصعيد خطير في محاولة لجر الجنوبيين لفتنة ثالثة ( الأولى كانت بين الجبهة القومية و حزب التحرير و الثانية في يناير 1986 م ) يقوم قادة الحراك بوصف مؤيدي الوحدة و المعارضين للحراك بشكله الحالي بأنهم خونة و عملاء و يصفون هيئات الدفاع عن الوحدة و القائمين عليها من الجنوبيين بأنهم عناصر ( الجنجويد ) و يطلقون عليهم بعض الأسماء التاريخية المعروفة في مجال الخيانة و الغدر , و هي محاولات لا يمكن وصفها بحسن النية في كل الأحوال فهي تهدف لإرهاب من لم يقف معهم فيما يدعون إليه من خلال التعبئة الخاطئة التي ما فتأ قادة الحراك يمرسونها بجدارة.
و مثل تلك الأفعال لا يمكن لقادة الحراك أن ينسبوها لأعمال الدولة فقد صدرت تلك تصريحات كثيرة من قادة الحراك و من منظريه على مواقع النت تحذر الجنوبيين الذين يعملون في الدولة أو يشغلون مناصب فيها أو حتى من يؤيدون الوحدة , و لن يستطيع أحد أن ينكر وجود تلك التصريحات أو تلك المقالات , و لكني و أنا أكيد من هذا بأن هناك من سيأتي ليفترض حسن النية في تلك التصريحات و الكتابات دون أن يخطر ببيالهم بأن إطلاق كلمة ( الجنجويد ) لوحدها كفيل بإثارة مجموعة من المشاعر و يوقظ في نفوس الفوضويين كل مشاعر الهمجية و الخراب بالإضافة إلى طريقة إطلاق تلك الكلمات و توجيهها لكي تصل لمبتغاها.
على قادة الحراك و منظريه أن يؤمنوا بمبدأ الإختلاف و أن منهم من هو وحدوي أكثر من أي يمني آخر على وجه الأرض , و أن يؤمنوا بأن الجنوبيين شعوبًا وقبائل متعددة يصعب حصرها في قالب واحد مهما كان متسعًا يبقى ضيقًا و حصريُا باسم أصحابه , و على قادة الحراك أن يعترفوا بأن الجنوبيين لا يمكن أن يكونوا شخص واحد.
على قادة الحراك أن يؤمنوا بأن الجنوبيين كلهم مع الحراك و أن يؤمنوا بأن الجنوبيين ليس كلهم مع الحراك بشكله الحالي , و كذلك عليهم أن يؤمنوا بأن كل الشعب اليمني مع الحراك , لأن القاعدة التي انطلق منها الحراك هي ظلم الدولة و غيابها وهو ما يعاني منه الجميع في حدود الجمهورية اليمنية.
و لأكون أكثر دقة , هل سأل قادة الحراك أنفسهم : ماهو مصير رجال الدولة و الوحدويين من أبناء الجنوب ؟! , و أنا أشك بأن أحدًا منهم سأل نفسه هذا السؤال الإفتراضي , كما فعل أبناء الجبهة القومية في مرحلة النضال حينما فضلوا تجاهل صوت العقل مع إخوتهم في النضال في حزب التحرير و أبناء المناطق الأخرى غير المؤيدين لهم فقتلوا و شردوا منهم الكثير , وكذلك فعل أبناء 13 يناير الدموي.
مثالان قريبان من تاريخنا المعاصر غاب فيهما صوت العقل و تصاعدت فيهما نبرة العنف و المناطقية و الحزبية التكتلية فخسر الوطن خيرة أبنائها و أصحاب الخبرة.
كنا نؤمل في الحراك الكثر و كنا نعلق عليه قدرته على إجبار الدولة على أن تعرف بأنها دولة و على النظام بأن ينهي نظام الفوضى المستشري في البلد و أن يوقف مسلسل الإنهيارات المتصاعدة في حياة اليمنيين البسطاء و أن تبعث ولو خيطًا بسيطًا من ضوء الفجر البعيد لعلنا نستشعر أننا يمنيون و نستحق هذه التسمية و أن نستحق قيمة الأرض التي نحن عليها , لكن الحراك ماضٍ في طريق بعيد باتجاهٍ واحد , و أخشى أن آتي بعد ثمانية أشهر أذكر نفسي بهذا المقال .