بعد هدنة طويلة مع مشاعره الجياشة؛ حاول فيها التوقف عن طرق أبواب الشعر، ظناً منه أن ذلك سيساعده على إيصاد الباب على عذابات الشاعر ومساءاته الحزينة، مستكيناً للعمل الإعلامي كمراسل لقناة الجزيرة في صنعاء، خرق الشاعر أحمد الشلفي هدنته الطويلة مع الإعلامي الذي استقر في داخله، ليلج مجددا الباب الذي قال أنه «ظل مشرعا على عذابات النسيان الحارقة»، من خلال مجموعته الشعرية الجديدة «يد غافلته». كان الشاعر الشلفي بدأ تدوين أشعاره في العام 2001؛ بإصداره مجموعته الأولى: «تحولات الفتى والمساء»؛ ليتبعها، في العام 2003، بمجموعته الثانية «جرح آخر يشبهني».
لكنه على ما يبدو كان قرر أن يتوقف عن مواصلة تدوين إنثيالاته الشعرية منذ ذلك الحين، ليفاجئنا بعودته مجددا، بعد كل هذه المدة، بإصدار مجموعته الجديدة: «يد غافلته».
وفي مقدمة المجموعة، التي صدرت حديثا عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة، أراد الشلفي أن يخبرنا:«لماذا كان قرر أن يمنح الشاعر في داخله وقتا طويلا قبل أن يعود»؛ يقول: «احتجت لأستعيد أنفاسي وقتاً طويلا..احتجت لأن أكتبني هنا مدادا كثيرا.. احتجت أن يعود الشاعر..أو ربما أني كنت بحاجة إلى هذه المسافات لأعود عاشقا..».
أما لماذا أراد ذلك، وكيف قرر أن يعود؟ يواصل: «اخترت أن أوصد الباب على عذابات الشاعر، ظنا مني أن ذلك سيغلق ليل الأحزان، لكن الباب ظل مشرعا على عذابات النسيان الحارقة. سنوات والشاعر يقهر نفسه..يحاول أن يبحث في رماد أيامه عن لوعات وحنين..»...، ثم في الأخير يتساءل : «لا أفهم كيف يمكن ترميم الأسئلة الصعبة؟! وكيف يمكن ترويض انهيارات اللغة وفجيعة الروح بالهزائم المتكررة للكائن ولغته؟».
إذاً، هكذا قرر الفتى – الشاعر - الجريح، الرضوخ لتحولاته المسائية، معلنا خرق تلك الهدنة الطويلة مع «الإعلامي» الذي أصبحه، منتزعاً إلى السطح ذلك «الشاعر» الذي كانه، بعد أن شعر بأن «يد غافلته».
بل أن الشاعر العائد، يبدو أنه أراد أن يقهر عجزه في نسيان عذاباته الحارقة، حين قرر أن يعقد صداقة جديدة مع ماضيه ذاك باستدعائه وجمعه في مكان واحد مع حاضره. ذلك حينما ضمت دفتي الديوان الجديد، الموزع على 160 صفحة من القطع المتوسط، كافة أعماله الشعرية؛ بتحولاته السابقة «تحولات الفتى والمساء»؛ مع جراحاته «جرح آخر يشبهني»، إلى جانب مزاجه الجديد «مزاج حمامة بيضاء».
المجموعة الجديدة التي صدرت تحت أسم "يد غافلته" تتوفر، حاليا، في مكتبة بن خلدون: بداية شارع حده - من الزبيري، والتي ستتولى أيضاً توزيعها في بقية مكاتب العاصمة صنعاء.
ومن قصائد الديوان قصيدة «أحتاج أن أتظاهر ضدي»، جاء فيها: أنا المواطن الخارج من جلد أبوتك ومن أحقادي الشخصية وثورتي الكامنة أنا الهارب من وجهك باحثا عن قناع يلاءم انتمائي لسمائك أنا ابن الثلاثين أو أكثر.. أبحث في ثلاثين أخرى عما يشبه الوطن..