قليلة هي الانجازات اليمنية في السنوات الاخيرة، لكن الوحدة تعتبر ابرزها دون منازع، فقد كان هذا الانجاز الذي تقترب البلاد من الذكرى التاسعة عشرة له مؤشرا على ان هناك من يترفع عن المصالح الذاتية، وشهوات الحكم، من اجل المصلحة العليا للوطن والامة، ونحن نتحدث هنا عن القادة الجنوبيين الذين حققوا هذا الحلم الذي دغدغ عواطف اليمنيين لسنوات طويلة. وبقدر ما يكبر الانجاز، بقدر ما تكبر المؤامرات لاجهاضه، وتفريغه من محتواه، ولهذا واجه اليمن محاولات كثيرة لفصم عرى وحدته، واعادته الى ايام الانفصال الغابرة، فكانت حرب الانفصال الدموية عام 1994 عقابا له على مواقفه الرافضة لحرب تدمير العراق، ومحاولة لتركيع قيادته للتنازل عن جزء من اراضيها، وتقزيم دور اليمن عربيا واقليميا بشكل عام. المتآمرون في اليمن، سواء على وحدته او استقراره، جاهزون دائما، فنار اليمن دائما ملتهبة، واذا خفت حدتها تظل نارها تحت الرماد تنتظر من ينفخ فيها، والنافخون من الداخل والخارج متأهبون دائما، اوداجهم منتفخة ينتظرون اشارة البدء في النفخ. اليمن يشهد اليوم اضطرابات واعمال شغب في الجنوب تتزامن في الوقت نفسه مع اخرى في الشمال. الاولى تلبس ثوبا انفصاليا، والثانية تستند الى طموحات طائفية مذهبية، بينما الحكومة المركزية ضعيفة غير قادرة على مواجهة هذه الاضطرابات التي هي اكبر من طاقتها بحكم القوى الهائلة التي تقف خلفها. أبناء الجنوب يشتكون من مظالم عديدة، أبرزها عمليات التهميش لقياداتهم، والتمييز ضدهم في الوظائف، والتقتير الشديد في ميزانيات التنمية، وحرمان بعض عسكرييهم من اموال تقاعد مستحقة، وسلسلة طويلة من حالات الغبن لا يتسع المجال لذكرها. بعض هذه المظالم صحيح، وبعضها الآخر مبالغ فيه، ولكن الصحيح أيضا أن أبناء الشمال ليسوا افضل حالا من نظرائهم في الجنوب، فالجميع يكادون يكونون متساوين في الفقر والحرمان والتمييز، باستثناء فئة قليلة محيطة بقصر الحاكم. مشكلة اليمن الاساسية، في الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة دون استثناء، وتورط كبار المسؤولين وابنائهم فيه، وفشل كل الوعود التي أطلقها الرئيس علي عبدالله صالح على مدى سنوات عديدة في التصدي له، وقطع جذوره، وسبب هذا الفشل يعود الى ان بعض اهل الحكم، من بيته هو، من الذين استغلوا نفوذهم لتكوين ثروات هائلة، بينما الشعب جائع، والبلد يحتل مرتبة متقدمة على قائمة اخطر عشرين دولة في العالم. الفقر وكل افرازاته من جوع وبطالة وانهيار الخدمات الاساسية يدفع الناس الى التمرد، وربما الثورة، لانه يؤدي الى تضخيم المشاكل، ويفتح المجال للمتصيدين لهذه الفرصة، وبعضهم في دول الجوار، يتحركون بضغطة زر من حكومات تريد ان يبقى اليمن في حال من عدم الاستقرار. الرئيس اليمني لم يدر بعض الملفات مع دول الجوار بطريقة حكيمة، وخاصة ملف الحدود مع الجارة الشمالية، وقدم تنازلات كبرى دون أن يحصل على ما كان يتمناه من امتيازات اقتصادية، ابرزها استيعاب العمالة اليمنية الزائدة من خلال معاهدات محكمة، وها هو يدفع ثمن سوء ادارته اضطرابات واعتصامات. اغلاق الصحف ومصادرة الحريات لن يحلا المشكلة، ولن يحققا الاستقرار بل ربما يؤديان الى زيادة تفاقمها. فالوحدة اليمنية كانت مشروطة بتحقيق الديمقراطية واطلاق الحريات، ومن الافضل للحكومة أن تعود الى جذور المشكلة، وتعالجها بحلول شجاعة، وابرزها الفساد ام المشاكل وابوها، والا فإن الانفصال سيقع لا محالة وقبل الاحتفال بذكراه العشرين.