في الكتابة عن واقع الجنوب أؤمن بما قاله "أبوبكر السقاف" من أن حرب 94م كانت تمثل حرب القبيلة على الوطن وحرب مراكز النفوذ على الدولة ليصل الرئيس المخلوع بعدها بالحكم مرحلة التفرد بالسلطة التي يستلذ معها بقول الشاعر "خلا لك الجو فبيضي واصفري". لم تكن معايير الشراكة السياسية هي الفاعلة والأساس بعد الحرب حسب مقتضيات الوحدة... كانت الميكافيللية السياسية للرئيس المخلوع هي المشهد الأخير والفصل الأكثر إيلاما في هذه الرواية المثخنة بالجراح.
شاشات التلفاز التقطت كثيرا صور المخلوع حاملا علم اليمن الموحد ولكنها لم تلتقط عبث صالح بأراضي الجنوب وانتهاكه لمعنى الوحدة سياسيا واجتماعيا.
كانت "العدنيات" يقفن على النوافذ وأسطح العمارات يرفرفن بأعلام اليمن الموحد واليوم يستقبلن الحشود الثائرة بنفس المشهد... هذه صورة طبق الأصل.
كان صالح يحدق بعينيه على أراضي عدن وآبار النفط... لقد ظن أن الوحدة انتهت وأنه أخذ الجنوب "غنيمة" وله ولعائلته فيها "الخمس" رغم هذا الخطأ الفادح وعبارات الثناء تشق طريقها لتغذي في الرجل المحروق جانب الفحولة الكاذبة " أنت تيس الضباط ومراقص الثعابين".
الخلايا الميكافيللية التي سكنت دماغ صالح أشعرت اليمني في الجنوب بشيء من الهزيمة والاغتصاب وهم الذين ما زالوا – أثناء الحرب – يدفعون من ضرائبهم ما يمثل قيمة "الكدم" التي تناولها "المتفيدون" الجدد باسم الوحدة اليمنية.
عدن... المرأة الخصبة التي ظل جسدها لذة عابرة لسياسيين مراهقين تواطئوا على الغدر بها والتمتع بما بقي من أنوثتها... ذلك أن زواج الصغيرات لكهول السياسة جائز في الشريعة الميكافيلية ومن منظور "الغاية تبرر الوسيلة".
عدن مدينة مشروخة كما نفسية شباب الثورة الآن وخائفة من التشظي الذي يلاحقها فيما لو فشلت كل محاولات الحوار الوطني لصياغة الوحدة اليمنية على أسس ترتكز على المصالح المشتركة والحكم الفيدرالي.
هنا يتحتم على الرئيس هادي وحكومة الوفاق أن لا تغفل النقاط المقدمة من الحزب الاشتراكي وقام بتأييدها اللقاء المشترك وعززتها اللجنة الفنية للحوار الوطني بنقاطها العشرين كرسول ثالث منذر بخطر كبير لو تم تجاهلها.
ليس من الضرورة بمكان أن ننتظر نتائج الحوار الوطني حتى يتم معالجة الجانب الحقوقي.
شيء مستفز أن تصبح أحلامنا التاريخية ناراً نصطلي من حرها وهي تخنق فينا الدمعة التي قد يذرفها أحدنا فيما لو وقف على كتابات الوطنيين في جيل السبعينيات والثمانينيات كعمر الجاوي وغيره وهم يبشرون الشعب اليمني بحلم الوحدة القريب .... في ذلك الوقت كانوا يدفعون ثمن النضالات المشتركة من "جيب" واحد ويقتسمون هموم وفواتير الوحدة القادمة.
الوقت لا يحتمل الإخفاق, والعجز سيفقدنا السيطرة والتحكم بصناعة خاتمة الجرح الجنوبي حتى لو استعنا بكل خبراء السياسة وصيادلة الجروح الشعبية أيضا العقاقير المسكنة للشعوب المتضجرة لن تؤدي إلى شفاء في غياب الحلول الحقيقية وستصير عدنالمدينة الساحرة مرثية بلا عتبات !.
لو أخفق الحوار الوطني كفرصة أخيرة ستقرر هذه الأحلام السياسية المرتبكة أن تكون دولة... لن يهمها شكل الدولة بقدر ما يهمها في المقام الأول التخلص من حكم الماضي حتى لو مضى الجنوب إلى التمزق والشتات وعودة السلطانات المستقلة وسيتطلع الكثيرون منهم لعلب "البيبسي" بتمنٍ فيما لو أنها قد أصبحت براميل الشريجة, أيضا سيبارك عبود خواجة على هكذا أحلام شعبية بصوته المتوجع الحزين "يا ريت براميل الشريجة يرجعييييين"... عندها سنصحو وقد أصبحت الأمنيات حقيقة غير مرغوب بها, لكننا سنكون أمام الأمر الواقع وكفى.