في الماضي كنا مجبرين على متابعة برنامج صور من بلادي الذي كان يقدمه المذيع الراحل محسن الجبري في الفضائية التي يسمونها "اليمنية" مع أنها لا تعبر إلا عن رأي السلطة والنظام فقط، ولا توافينا إلا بالمنجزات والمعجزات وافتتاح مئات المشاريع الوهمية يوميا..، وكانت الصور التي تأتي من بلادي حينها تفتح النفس وتدغدغ مشاعر الشوق إلى الوطن ومناظره الخلابة والرائعة. أما اليوم ونحن في قمة الثورة التكنولوجية وتنوع الإعلام وتنافسه فما أبشع الصور التي تأتي من بلادي ولم تستطع فضائيه السلطة أن تواري سوءة المسؤولين، الذين بدوا متعطشين ربما لإزهاق أرواح البشر مقابل تأمين كراسيهم والمحافظة على الخزانة التي تغذي أرصدتهم..!
ما حدث من مجزرة بشعة في مديرية المحفد بمحافظة أبين اتضحت الصورة جليا كم هو مخزون الكراهية لدى السلطة ضد مواطنيها، إلى درجة أنها يمكن أن تقتل مائة ومائتان مقابل أن تروع مليون من أبناء شعبها وتخضعهم لسمعها وطاعتها، وان تقتل عشرة متظاهرين من أجل أن تفرق ألف متظاهر من المواطنين العزل حتى ولو كان الضحية هم أطفال، أو نساء كما نسمع عن مجاز في حرب صعدة أو اسر بأكملها كما حدث بالمحفد في محافظة أبين.
من بلادي تأتي الصورة واضحة وجليه بأن السلطة هي دمار شامل للإنسان عبر التجويع أو الترويع أو الإبادة الجماعية، كما شاهدنا مؤخرا في المحفد أو في رازح، وسقوط 26 مدنيا يقولون بالخطأ، فأي خطأ يجيز قتل 15 طفلا و 3 نساء و 2 مسنيين كما ورد.
الخطأ هو وجود أمثال هؤلاء المسؤولين في السلطة الذين لا يمتلكون ذرة من الحياء فلو كانوا شجعان لقدموا استقالاتهم كما يفعل الوزراء الشرفاء في كل بلدان العالم إذا كانوا سبباً في موت حيوان وليس إنسان أو قضية فساد واحدة وليس آلاف القضايا المرعبة ذات الأرقام القياسية، ولكنهم عبيدا لا يعملون إلا بالعصي ولا يصحون إلا على الكوارث ولا يطلون علينا إلا بالتبريرات والوعود بحل الأزمات والمشاكل من بلادي تأتي الصورة واضحة وجلية فأجهزة الأمن الذي من المفترض ان تطبق القانون تحولت إلى "عصابات" تختطف الصحفيين وتصادر الصحف بعد نشرها وتعتدي على المدافعين عن الحقوق والحريات وطواقم الفضائيات والمراسلين..
لم نعد نشتاق للروابي والزهور كما كنا في السابق بل نشتاق إلى يمن بلا صور تقشعر منها الأجساد ويدمي لها الفؤاد نشتاق أن نرى اليمن بلا إرهاب دولة يمارس ضد كل من يصرخ من الظلم والجوع والتشرد نشتاق أن نرى يمن بلا مدافع لا تهدئ وأيدي ضاغطة على الزناد وجنائز تساق إلى المقابر.