لأننا اليوم في بداية عهد جديد، ما أجمل أن نعود إلى نقطة البداية التي من شأنها خلق رؤية واضحة للمستقبل المنشود وصياغة حكيمة لسياسات تنفيذها وتحويلها إلى واقع وملموس، هذه النقطة التي نقصدها وندعو إليها هي الحوار الذي به وحده نتجاوز الماضي بكل مآسيه وتراكماته السلبية، وبه ومن خلاله نصنع اللبنات القويمة والمرتكزات السوية للحياة المستقبلية الأكثر تقدماً ورقياً ونهضة. إن تضييق الاختلاف الفكري والسياسي المشاهد في أوساط تلك التوجهات أوغيرها لا يمكن أن يكون إلا من خلال الحوار الذي يمكن الجميع من الإدلاء بآرائهم بحرية تامة، ومن ثم مناقشتها للوصول في أقل الأحوال إلى رؤى مشتركة يتفق عليها الجميع فيعيشون بعد ذلك حالة من الانسجام تمكنهم من القيام بدورهم المناط بهم في الحياة على أحسن حال.
من خلال هذه المعطيات نصل إلى أن الحوار خير كله للجميع دون استثناء، حتى أولئك الذين يتباينون في الأفكار والأيدولوجيات إلى حد كبير يجعل أصحابها يتطلعون الوصول إلى مبتغاهم، ولو كان على حساب قضايا مصيرية في الأمة.
نقول: الحوار هو المنطقة الخصبة التي يجد فيها هؤلاء بغيتهم فيضعون فيها كل ما يرونه ويعتقدونه. فقط حتى يتأتى لهم وضع ذلك بحرية تامة، على الطرف الآخر أن يحترم ما يراه مخالفة من رؤى وتصورات في قضية ما، ويتعامل معها بموضوعية وتجرد مطلق، وإلا فلا قيمة لحوار يهيمن فيه طرف على طرف.
هذه هي الثقافة الراقية التي نشيد بها ونؤكد عليها في فن الحوار، فكيف بمن ينأى بنفسه عن الدخول في حوار ما ويرفضه من حيث المبدأ؟ وبدلا عن ذلك يلجأ إلى تحقيق مآربه من خلال وسائل لا مشروعة قد عفى عليها الزمن وأثبت عدم مفعوليتها الأمس، قبل اليوم الذي تعيش فيه الشعوب حالة من الوعي الرشيد والفهم السوي لكل ما يدار ويحدث.
فعلى سبيل المثال: نحن كيمنيين ندرك تماما أن هناك قضايا عالقة لا يمكن الانطلاق لرسم ملامح اليمن القادم، مالم نعمل سويا على التخلص منها ومعالجتها معالجة جذرية عادلة من خلال حوار شامل يلتقي فيه كل الأطراف المعنية، ويمثل فيه كافة أطياف المجتمع وشرائحه وهو هنا «مؤتمر الحوار الوطني» المزمع عقده خلال الأيام القادمة.
لا شك أنه التفاعل مع مجرياته واستثماره الاستثمار الأمثل كحدث تأريخي شائك فيدلي الجميع بما عنده بالطريقة التي يريد والكيفية التي يشاء، دون أي إملاءات أو هيمنة تذكر، هذا هو ما يجنح له أصحاب العقول الراجحة والفطر السوية.. فلمصلحة من يرفض أولئك حوارا كهذا؟ وما هو البديل من وجهة نظرهم؟ ثم لماذ هذا التخوف والتوجس من حوار سيقام على مستوى عال من الشفافية والرقابة؟.
من حقك أن تدعو لفك الارتباط، ومن حق هذا أن يدعو لخيار الفيدرالية، ومن حق ثالث أن يطرح رؤيته لشكل الدولة اليمنية الحديثة، لكن ليس من حق جهة ما فرض رأيها على الآخرين، و"كمان" قبل الدخول في الحوار الذي من شأنه مناقشة ذلك واختيار ماهو أنسب لمصلحة اليمن عمومأ! .. تعالوا فضعوا ما تريدون من تصورات ورؤى على الطاولة، ولن يضيق منكم أحد. أليست هذه هي الديمقراطية التي تناضلون من أجل الوصول إليها!
إذا كنا ندرك ضرورة التعايش الإيجابي والاحترام المتبادل فيما بيننا كقوى سياسية، وقبل ذلك كيمنيين، من حقنا أن نقول مانريد دون تأفف أو تخوف من أحد، فلماذا يختلق البعض لنفسه أوهاما دون أن يكون هناك مايدعو لتلك الأوهام أصلا!
إن مؤتمر الحوار الوطني القادم خير لكل الفرقاء السياسيين لو كانوا يعلمون، ومالم يدرك الجميع هذه الحقيقة فإن الشعب لا يمكن أن يكون لعبة شطرنج بيد هذا أو ذاك يحركها كيفما شاء! وهو من أوصل الجميع إلى هذا المربع، لقد صنع شعبنا اليمني التغيير، وفي مقدمته الشباب، وقدم الغالي والنفيس من أجل الخروج باليمن إلى بر الأمان، فعلى تلك القوى الرافضة أو المهددة بمقاطعة الحوار أو الرامية الى إفشاله أن لا تكون عامل هدم وحجرة عثرة أمام ما ينشده شعبنا من آمال، وأن لا تأخذ البعض منهم العزة بالإثم فينتقم من الشعب ذاته والذي لم يكن له فيما حصل من ظلم هنا أوهناك ناقة أوجمل! وما حدث ليس إلا نتاجا حتميا لفعل سياسات خرقاء عاشها واكتوى بنيرانها الجميع في الجنوب كانوا أو الشمال، الشرق او الغرب، وها هي بداية الانطلاق اليوم تلوح في الأفق معلنة بفجر جديد وحياة واعدة عبر حوار يعيد كل حق تم مصادرته.
وأخيراً: على القوى التي ستشارك في المؤتمر التجرد الحقيقي لله ثم للوطن من كل المصالح الشخصية والمطامع الزائلة، وأن تكون المصالح العليا فوق كل اعتبار، وأيضا التنصل من لغة الاستعلاء والتلويح بالهيمنة بأسلوب أو بآخر من قبل فلان أو علان، ودخول مؤتمر الحوار بنية صادقة وبقطع النظر عن الأيدلوجيات الفكرية والانتماءات السياسية لهذا أو ذاك.