من شأن ترشيح الرئيس اوباما لجون برينان، الذي يعمل في الوقت الراهن مستشار البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب، أن يحدث نقاشاً حاداً فيما يتعلق بأفضل طريقة يمكن للولايات المتحدةالامريكية من خلالها أن تواجه وتستجيب وتخفف من وطأة التحديات المحدقة بأمننا، بما في ذلك الاستراتيجية الحالية لمكافحة الإرهاب. وبشكل خاص، فإن ترشيح برينان لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية من شانه أن يثير عملية إعادة تقييم إستراتيجية الولاياتالمتحدة في استخدام الطائرات بدون طيار لتوجيه ضربات قاتلة ضد عناصر إرهابية مشبوهة.
وبالرغم من فشل الضربات الجوية للطائرات بدون طيار في باكستان على مدى العاميين الماضيين، إلا أن معدل هذه الضربات زاد بشكل مضاعف في اليمن، بينما تضاءل عدد هذه الضربات في أفغانستان العام الماضي. ومع تضاءل الرغبة في القيام بتدخل عسكري مباشر، ومع الانسحاب شبه التام من العراق وتراجع هذه الضربات في أفغانستان إلا أن استخدام الطائرات بدون طيار -والذي يعطي القدرة على نفي المسؤولية وكذلك ليس فيها مخاطر على أرواح أمريكيين- لا يزال أمر مغرياً.
وتوضح التصريحات الأخيرة للمسؤولين في الإدارة الأمريكية أن هناك اعتماد متزايد على الضربات الجوية للطائرات بدون طيار في عمليات مكافحة الإرهاب. وبالفعل، فان استخدام هذه الضربات قد يمتد إلى دول أخرى في القرن الإفريقي، منطقة الساحل وشمال إفريقيا. ينبغي أيضا على الكونجرس أن يلعب دوراً، كما أشير إلى ذلك مؤخراً في افتتاحية صحيفة الواشنطن بوست من قبل الممثل رالف اليسون الذي أشار إلى أن الهيئة التنفيذية مارست بانفرادية صلاحية استخدام الطائرات بدون طيار ودون رقابة. القرارات التكتيكية التي يتم اتخاذها لتحقيق أهداف قصيرة المدى غالباً ما تعطل الاستراتيجيات طويلة المدى التي تحتاج إلى تنفيذ.
في الوقت الذي تفكر فيه الإدارة الأمريكية في هذا التوسع، فان جلسة التصديق على برينان تعد فرصة لمناقشة السياسة الراهنة للضربات السرية للطائرات بدون طيار- ليس فقط لأسباب قانونية وأخلاقية- بل أيضا حول مسالة الفعالية. هذا له أهمية خاصة في اليمن، وهو المكان الذي تشير كل الاستخبارات الأمريكية انه أهم وجهة لهم لمواجهة نمو القاعدة وانتشار المتطرفين الإسلاميين الذين يمارسون العنف.
يقوم الجيش الأمريكي بشكل مباشر بمساعدة الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته الانتقالية على اجتثاث تنظيم القاعدة من شبه الجزيرة العربية وجناحها المحلي أنصار الشريعة وذلك عن طريق تقديم التدريب العسكري، والمعدات، والمعلومات الاستخباراتية وكذلك تقديم المساعدة التقنية على الأرض. حيث قدمت الولاياتالمتحدة مستويات مختلفة من الدعم للقوات المسلحة اليمنية ووحدتها الخاصة بمكافحة الإرهاب على مدى أكثر من عقد. كما أنها مؤخراً اضطلعت بدور رئيسي في المساعدة في عملية إعادة هيكلة الجيش التي نصت عليها خطة نقل السلطة في نوفمبر 2011 والتي وقع عليها الرئيس السابق وأحزاب المعارضة وذلك عقب الاحتجاجات الشعبية.
ومن الواضح أن قوات الجيش اليمني بحاجة إلى هذا النوع من المساعدة والدعم الأمريكي لكن الحملة الشاملة للطائرات بدون طيار التي تقودها حالياً الولاياتالمتحدة تعتبر أفضل وسيلة لحماية مصالح الولاياتالمتحدة في اليمن والمنطقة وكذلك في الداخل.
وبالرغم من أن ضبابية السرية التي تكتنف ضربات الطائرات بدون طيار تجعله من الصعب تقييم تأثيرها الكلي، إلا أن هناك إشارات مزعجة أن أثرها أكثر سلباً مما يعترف به المسؤولون الأمريكيون.
أولاً: قضية الضحايا من المدنيين وهي القضية التي يتحفظ عليها المسؤولون الامريكيون فيما يبدو انه تجاهل متعمد. ففي خطاب يونيو2011 في جونس هوبكينز، قال برينان انه لم يكن هناك: «حالة وفاة واحدة مصاحبة للعمليات حيث يعود ذلك إلى دقة وكفاءة القدرات التي كنا نطورها». إلا أن هناك عدد من الحالات قٌتل فيها مدنيين أبرياء بهذه الضربات في اليمن على مدى السنوات الماضية. هذه الأمثلة تم توثيقها بعناية حيث يقدر ان ما يتراوح بين 72-171 مدنياً لقوا حتفهم.
ثانياً: كان برينان قد صرح في الماضي أن الضربات تستخدم فقط ضد الأفراد الذين يشكلون تهديداً خطيراً ووشيكاً على مصالح ومواطني الولاياتالمتحدة، وبالرغم من ذلك، إلا انه وبسبب السرية التي تحيط بالبرنامج فانه من الصعب تقييم ماذا كان هذا هو الوضع فعلاً، أو تقييم المعايير المستخدمة.
ثالثاً: عملية المصادقة على برنامج الضربات الجوية للطائرات بدون طيار وتوسيعه بحيث يشمل ضربات تحذيرية يعني أن بعض المستهدفين يتم اختيارهم ليس على أساس هويتهم المحددة ولكن على أساس سلوك مريب قد يؤدي وقد لا يؤدي إلى فعل، وهو ما يتعارض بالضرورة مع الأرضية التي أرساها برينان في وقت سابق وفتح المجال لنتائج غير مرغوب فيها مع تزايد أرقام المارة الذين تصيبهم الضربات وهم ليسو من القاعدة.
تعتمد عملية تعزيز المصالح الأمنية للولايات المتحدة في شبه الجزيرة العربية على الاستقرار طويل المدى في اليمن وكذلك على تقليص المساحة الجغرافية التي يترعرع فيها المتطرفون. حيث أن عملية إحراز هذه الأمور لن يتم إلا من خلال الأتي: 1– أجهزة أمنية وعسكرية يمنية موحدة ومحترفه وذات تدريب جيد. 2- حكومة وطنية مسؤولة تكون ذات شرعية ومصداقية في عيون شعبها. 3- وجود الموارد والقدرة لتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وكذلك إزالة الحوافز التي تقود الشباب إلى الانضمام إلى شبكات المتطرفين والقبائل بغرض حمايتهم. حيث ان حملة الضربات الجوية المشتركة بين الولاياتالمتحدة واليمن تعطل على الأقل عاملين من الثلاثة العوامل السابقة. حيث أن غارات الطائرات بدون طيار، التي تصيب أهدافاً غير مطلوبة وتقتل مواطنين أبرياء لاسيما نساء وأطفال، تٌفقد الثقة بالرئيس هادي وتولد مشاعر العداء والكراهية للولايات المتحدة والحكومة اليمنية كما توجد أرضية خصبة لعناصر التطرف بحيث تسيطر على الشباب اليمني الذي يفتقر إلى الفرص، والأمل والوظائف.
تكمن المشكلة بشكل أكبر في صناعة سياسة الولاياتالمتحدة بحيث أن القرارات التكتيكية التي يتم اتخاذها لتحقيق أهداف قصيرة المدى غالباً ما تعطل الاستراتيجيات طويلة المدى التي هي بحاجة إلى تنفيذ. وبينما تتسم الضربات الموجهة للطائرات بدون طيار بطابع مشين يعتقد أنها تؤدي إلى آثار عكسية على الولاياتالمتحدة، لكن ماذا يحدث فيما بعد وخصوصاً عندما يقتل مدنيين في هذا الخضم؟ كم عدد المجندين الجدد الذين سيحلون محل أحد المواطنين؟ وماذا عن القبيلة التي ستسعى لأخذ الثار لمقتل احد أبنائها وبالتالي سوف تهاجم القوات الحكومية؟
وبالتالي هل يقوم جيشنا بعمليات مكافحة الإرهاب بسبب الأهداف الموجهة بشكل مباشر ضد مواطنين أمريكيين أم أ ن هذا أصبح أكثر من عملية مكافحة تمرد؟
الفترة الرئاسية الثانية للرئيس أوباما، والتي جلبت معها تأسيس فريق أمن قومي جديد، تعتبر الوقت المناسب لطرح هذه الأسئلة الصعبة وبالتالي إلقاء نظرة قوية تجاه ما إذا كان تزايد استخدام الضربات الجوية للطائرات بدون طيار يساعد أو يضر بقدرتنا على تعزيز المصالح الأمنية للولايات المتحدة على المدى القصير، والمتوسط، والطويل.
ومما يضاف إلى رصيد برينان انه دعا إلى إيجاد منظومة واضحة لمعايير وأسس وعمليات إدارة لأعمال وقرارات مكافحة الإرهاب عن طريق استخدام الضربات الجوية للطائرات بدون طيار.
ومن خلال منصبه الحالي سعى برينان إلى تقليص مسئولية السي آي ايه عن عمليات القتل وبرر انه بدلاً عن ذلك يجب على الوكالة أن تركز على أنشطة الاستخبارات. وفي الوقت الراهن من المحتمل أن يتولى برينان قيادة هذه الوكالة وبالتالي فان حضوره قد يقلل أو يوسع من ضلوع وكالة الاستخبارات المركزية في العمل المميت الذي تقوم به الطائرات بدون طيار. وليس إتباع هذه السياسة القائمة لأن ذلك هو المسار الذي يواجه اقل مقاومة ويبعد الجنود الأمريكيين عن طريق الخطر. ولذلك يجب أن تعيد الإدارة الأمريكية النظر في ما إذا كانت هذه السياسة فعالة أو فيما إذا كانت ستفضي إلى مشاكل أكثر من حلول.
التقرير نشر في صحيفة الاطلنطيك. كاتبة التقرير: دانيا جرينفيلد.. نائب مدير مركز رفيق الحريري في الشرق الأوسط في المجلس الاطلنطي والذي تدير فيه مجموعة السياسات اليمنية.