يبدو أن النخبة الحاكمة اليوم تعاني من فشل ثلاثي ذريع بدءً من حرب صعدة ومروراً بالقضية الجنوبية وانتهاء بالحوار السياسي "الوطني" وهذا الفشل يعد نتاجاً طبيعياً لانهيار ما تسمى ب"منظومات المنجزات المقدسة" أو الثوابت الوطنية التي ما فتئت تتعرض كل يوم للنحت السياسي الجائر بشتى الأدوات الموجعة أحياناً والدامية أحايين أخرى.
وما حدث ويحدث في صعدة تعبير صارخ عن فشل الثورة اليمنية في تحقيق أهدافها وتوطيد جذورها في عمق الجغرافيا وبطون التاريخ وبالتالي في وجدان الإنسان اليمني، كما أن تفاقم القضية الجنوبية يعد دليلاً واضحاً على فشل الوحدة اليمنية في إنتاج الثمار المرجوة منها للجميع،وما نشاهده من اتساع رقعة الأزمة السياسية ووقوف كلا من السلطة والمعارضة على طرفي نقيض من الحوار إلا شاهداً حياً على وفاة التعددية السياسية في ظروف بالغة التأزيم ومجهولة المصير.
لقد أدرك الحاكم جيداً نقطة الضعف التي تخيم عليها المعارضة والتي تتمثل في "درء المفسدة" واستطاع الحاكم أن يحشر أو يحاصر المعارضة في هذه الزاوية الآمنة بالنسبة له، وتوظيفاً للقاعدة الفقهية فقد بالغ الحاكم في تخويفه للمعارضة من مغبة مغادرة هذا المربع إلى منطقة "جلب المصلحة" التي أصبحت حكراً على فئة ضئيلة من الفاسدين والمتنفذين مقابل أن تتحمل البقية العظمى أعباء الدرء والمداراة السلبية طيلة الثلاثة عقود الماضية.
ولعله قد حان الوقت لأن تسعى المعارضة للدفع بالحاكم إلى دائرة "درء المفسدة" بعد أن أثبت فشله في "جلب المصلحة" وأثبتت المعارضة أيضاً فشلها في "درء المفسدة" بل إن صمتها يساعد من استمرار المفاسد وليس درئها!
تستوطن النظام السياسي اليمني أزمات خماسية مستدامة،أزمة هوية / أزمة تكامل وطني / أزمة مشاركة / أزمة شرعية / أزمة تغلغل .. وكل أزمة أخطر من أختها!
وهذه الأزمات تفصح عن ذاتها في توليد حروب صعدة وتأزيم القضية الجنوبية، واشتداد الأزمة الاقتصادية، وانعدام المواطنة الواحدة، واقتراب التفكك الاجتماعي، وغياب القضاء العادل والمستقل، والاحتكام إلى مؤسسات ما قبل الدولة، والزج بالقبيلة في الصراع السياسي، واللعب بالورقة الأمنية،واستساغة التدخل الخارجي ، واحتباس الحكمة اليمانية البائدة (إن صح التعبير) والأخطر من كل ما سبق هو الاعتداد بهذه الأزمات باعتبارها منجزات جديرة بالاحتفاء كونها عامل رئيس في إطالة بقاء الحاكم لفترة زمنية لن تدم طويلاً،ومع اقتراب العد التنازلي يتعاظم شعور الحاكم بالمخاطر التي تهدده في وجوده إلى درجة القبول بفكرة الانتحار الجمعي، وكأنه يراد من اليمنيين القيام ب"هدم المعبد" على رؤوس الجميع!
لقد تجاوزنا مرحلة "الإدارة بالأزمات" وتغلغلت فينا ثقافة التبلد وعدم الإحساس بالألم، وتسيدت لغة "التحكيم السياسي" بين الثعابين المتصارعة حقبة من الزمن.
أما اليوم فنحن نعيش مرحلة تهديد كيان الدولة اليمنية الواحدة وتلاشي فكرة الوطن الواحد في ظل معارضة واجفة ومترقبة للآتي المخيف، وفي ظل سلطة لم تعد تكترث بواحدية الجمهورية اليمنية ، وباتت خارج نطاق الشرعية السياسية، بل تحاول عبثاً التمسك بتلابيب "شرعية اللا شرعية" التي قد تسطر النعي الأخير للدولة اليمنية الواحدة ( لا سمح الله)