«عدت من الخليج عقب ثورة سبتمبر لكي أخدم بلدي المتخلف»، في هذه الجملة يختزل الحاج محمد فاضل مأساته التي أجبرته على العيش فقيراً معوزاً يحلم بالكفاف لا غير. محمد فاضل صالح أحد أبناء مديرية النادرة محافظة إب، واحد من اليمنيين القلة الذين يجتمع لهم كبر السن إلى جوار لقب المعلم، كونه حصل على فرصة خلال أنظمة الأئمة سنحت له التعلم في كل من السعودية وقطر.
أسس مدرسة من لاشيء وفي منطقة محرومة من كل شيء، كانت بدايتها تحت ظل الأشجار، لكن إصراره وعزيمته جعلا مدرسة (الإشراق) في منطقة نفيع بالنادرة، مكتملة لجميع المراحل التعليمية، زاهية بمدرسيها لجميع المواد الدراسية، حد قوله.
عاد فاضل من قطر عقب ثورة 26 سبتمبر بعامين تقريباً، رغبة منه في أن يقدم شيئاً لبلاده، وقد كان له ذلك، بيْد أن من وصفهم ب«المخربين والمحتالين»، لم يرق لهم ما صنع، وبدءوا بمحاربة مشروعة التعليمي بإهمال المدرسة من مستلزماتها الأساسية، كما تم إعطاؤها مدرسين طردوا من مدارس سابقة بسبب إهمالهم، وانتهى بهؤلاء أن ألغوا المرحلة الثانوية من المدرسة بل نهبوا محتوياتها، إضافة إلى مكتبة خاصة به كمدير حوت كتباً قيمة أفنى عمره في جمعها.
«قضية جنائية» كان ضحيتها نجل فاضل، هدَّت مستقبل أجيال، وهي القضية التي يشكو منها التعليم في اليمن، حين تُزج قضايا أخرى في العملية التعليمية وتتم عملية تصفية الحسابات على حساب التعليم.
الحاج والمعلم محمد فاضل قال إن مدير المركز التعليمي بالمديرية مارس ضده كل الانتهاكات، بتحريضٍ من أقارب قاتلي ابنه، ووصل به الحد إلى أن أحاله للتقاعد وإيقاف راتبه.
منذ 1968 وحتى 2010، وفاضل يعمل مديراً ومدرساً لمدرسة «الإشراق» بمحافظة إب، ليكافأ بعد ذلك بعزله من إدارة المدرسة وإيقاف راتبه، ليحال بعد ذلك للتقاعد بداية 2002، وحتى اللحظة لم تسلم رواتبه التي أوقفت سابقاً، أو مستحقاته التقاعدية، ولم يسوى وضعه، أيضاً.
يحمل الحاج فاضل ذو العمر السبعيني كماً هائلاً من الوثائق والمذكرات، لم يترك باباً إلا وطرقه، بدءاً بمكتب التربية بإب ومحافظ المحافظة ووزارة التربية ومنظمات حقوقية وانتهاء برئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية السابقة والحالية، لكن أحداً من هؤلاء لم ينصفه، وكانت توجيهاتهم كالعادة «يرجى النظر في موضوعه واتخاذ ما يلزم».
ساءت حالة فاضل الصحية والمادية، «12 سنة وأنا أراجع»، آخر مذكرتين للمعلم السابق فاضل كانتا لرئيس الوزراء محمد سالم باسندوة ومدير مكتب رئيس الجمهورية نصر طه مصطفى وجها فيهما - أيضاً - ب(اتخاذ الإجراءات اللازمة).
تجاعيد وجه الرجل الكهل تُخفي الكثير من ملامح الحزن والألم والخيبة، ذرفت عيناه في ختام حديثه حين قال «أناشد الرئيس عبدربه منصور هادي بإنصافي وتسوية وضعي وتسليم مستحقاتي»، كان يقلب أوراقه على الطاولة بحرقة متذكراً عقداً مليئاً بالبؤس والظلم والاضطهاد «بكيت دم وأنا أتابع عند الكثير من المسؤولين».
أصر على أن نأخذ 70 مذكرة ووثيقة ورسائل شكوى «خلوها ذكرى ولو بعد موتي»، يتنقل فاضل من مقر وسيلة إعلامية إلى أخرى لنشر قضيته للرأي العام بعد أن سُدت أمامه السبل، ويترجاك أن تنشر مظلمته علها أن تكون نافذة الأمل لإنصافه ممن وقفوا ضد خدمته للوطن.