تصريح د. أبوبكر القربي وزير الخارجية؛ حول تعيين سفراء جدد وفقا للمعايير الدبلوماسية وبعيدا عن المحاصصة الحزبية والسياسية؛ يحتاج إلى تدقيق في مدى صوابيته في الظروف الراهنة.. فمن المعروف أن قطاع الدبلوماسية اليمنية لم يكن استثناء في ممارسات الفساد الشامل التي اتسمت بها العهود الحاكمة في اليمن.. ولا نقصد هنا الفساد المالي ولكن نقصد بالذات معايير التوظيف والتعيين في وزارة الخارجية، وخاصة في المناصب المهمة الدسمة، وتفضيل البعض بالعواصم الجميلة، والتمديد للمحظوظين –وكذلك المرغوب إبعادهم- أكثر من مرة أو نقلهم من عاصمة إلى أخرى دون العودة إلى الوطن كغيرهم من خلق الله.. وبدون معايير! ولنبدأ أولا بالمعايير الدبلوماسية وفق تعبير الوزير القربي؛ فالراجح أن تعيينات السفراء خاصة لا تخضع بالضرورة لهذا المعيار أي أن يكون السفير المعين ذا خلفية دبلوماسية أو خبرة في العمل الدبلوماسي.. والدكتور القربي نفسه –حسب ما هو معروف- لم يكن صاحب خبرة دبلوماسية كبيرة قبل توليه وزارة الخارجية تؤهله لمنصب قيادة الدبلوماسية اليمنية، ولو كانت أمور التعيينات في بلادنا تسير وفقا للخبرات والمعايير المهنية فلا شك أنه كان مهيئا للعمل في وزارة الصحة بحكم كونه طبيبا معروفا، أو في وزارة التعليم العالي بحكم تجربته العملية الطويلة في رئاسة جامعة صنعاء. ومع عدم وجود خبرات دبلوماسية مناسبة لدى الدكتور القربي إلا أنه صار وزيرا للخارجية وليس سفيرا أو قنصلا، والحق أنه أثبت مقدرة وحيوية في العمل سمحت له بأن يظل في قيادة الوزارة أكثر من أي وزير خارجية يمني سابق، ونظن أن هذه المعلومة فقط تنسف حكاية المعايير من أساسها!
العمل الدبلوماسي الذي يؤديه السفراء هو عمل سياسي بالدرجة الأولى؛ وخاصة في الدول ذات العلاقات الخاصة مع البلد المعني، والأصل في السفير أنه يعمل لخدمة سياسات القيادة الحاكمة التي عينته: رئيسا أو حزبا أو ائتلافا حاكما وخاصة في البلدان ذات التوجهات الحزبية العقائدية، ومن ثم فالأصل أن يكون السفير مقتنعا بها، وقادرا على التعبير عنها، وإنجاحها. ونظن أن هذه بدهية، وها هي دول عريقة تعين سفراء لها بمواصفات ومؤهلات لا علاقة لها مباشرة بالعمل الدبلوماسي وفق معايير الخارجية اليمنية في هذه الأيام.. وخلال السنوات الماضية تولى –على سبيل المثال- سفارة الولاياتالمتحدة في صنعاء سفراء ذوو خلفيات أمنية معلنة؛ حتى يستطيعوا أن يخدموا سياسة بلادهم في اليمن فيما يتعلق بمواجهة تنظيم القاعدة!
ليس المقصود من الكلام السابق أن سفراء أي بلد لا يشترط فيهم الحد الأدنى من المعايير الضرورية لأي سفير؛ لكن الحديث الآن عن المعايير الدبلوماسية يثير الريبة، ويؤكد أن ثمة توجها لتطبيق قاعدة: (باعدوا من طريقنا) في السلك الدبلوماسي بحجة المعايير التي تذكرها المتحججون بها بعد أن راجت أنباء عن أن اللقاء المشترك يطالب بأن يكون له نصيب في تعيينات السفراء الجدد باعتباره شريكا في السلطة الحاكمة. ولو تأكد أن هذا هو الباعث الحقيقي لحكاية المعايير فإن الأمر ينذر بأخطاء سياسية جديدة للأسباب التالية: أولا/ غلبت على عملية التوظيف والانتداب في وزارة الخارجية اليمنية في الماضي معايير ليس لها علاقة بالدبلوماسية، وهناك أمثلة كثيرة على أن التعيين خضع للمجاملات السياسية والعائلية، وأعرف أن (شابا) صار فجأة مسؤولا كبيرا في وزارة الخارجية منتقلا من جهة ليس لها علاقة حتى بمصلحة القبائل ومحو الأمية، وتم تعيينه فورا مسؤولا عن ملف من أخطر ملفات الدبلوماسية اليمنية لمجرد فقط أنه صهر للرئيس السابق، ومن هناك انتقل بعد سنوات ليكون سفيرا في واحدة من أبرز الدول ذات العلاقات التاريخية مع بلادنا.. والأسوأ أنه تعين سفيرا في بلد لم يكن من ضمن الدائرة الجغرافية التي سبق أن كان مسؤولا عنها، ويفترض أن تعيينه فيها كان الغرض أو أحد أغراضه تهيئة متخصص بتلك العلاقات ينفع في اليوم الأسود!
ثانيا/ إن اليمن تحاول اليوم الخروج من شرنقة حكم فردي/حزبي تصرف بالبلاد مثل الأحزاب الشمولية المعروفة، ومن الطبيعي أن يكون قطاع الدبلوماسية أحد القطاعات التي أصيبت بداء الحزبية والولاء للفرد والأسرة، وهذا يعني أن هناك نسبة كبيرة إن لم نقل غالبية من منتسبي الخارجية تم توظيفهم بناء على الولاء الحزبي والشخصي للنظام السابق، ومن ثم فإن الإصرار على حصر حركة التعيينات الدبلوماسية في الطاقم الموجود الآن يعني أنها لن تخرج في نسبة كبيرة منها عن الموالين للنظام السابق وحزبه الحاكم سابقا.
بناء على ما سبق؛ فإن اعتماد معايير الخارجية اليمنية في الحركة الدبلوماسية الجديدة سيكون تجديدا للخطأ القديم، وتكريسا لسياسة أنانية.. بينما يمكن أن تكون وسيلة لدعم علاقات بلادنا الخارجية؛ وخاصة في هذه المرحلة التاريخية الصعبة التي يمر بها وطننا المنكوب بالمعايير حينا.. وبعدم المعايير أحيانا أخرى! وليس عيبا ولا حراما كما أسلفنا أن يكون للمعارضة المشاركة في السلطة حصة في السفراء.. حتى تتم هيكلة صحيحة لوزارة الخارجية تعيدها إلى أحضان الوطن، وتكون لليمنيين كلهم، وبمعايير صحيحة يضعها الجميع.