أكتب عن الصداقات، ويخطر في البال العديد من القضايا أو المواقف الجدلية التي لا أتذكر عنها سوى أن ثمة أصدقاء من كل جانب يتهمان بعضهما بارتكاب الأخطاء، ثم يتورطان فيما هو أبعد من ذلك، يراكمان الضغينة فحسب وتتلاشى تدريجياً الطرق والقنوات التي تقودهم إلى الالتقاء من جديد والاتفاق على ما يمكن أن يكون الصواب. أعرف بعض الأشخاص الذين قرروا أن يكونوا في جانب معين، لأسباب لا علاقة لها بمسألة الصح والغلط، ولكن لأن ثمة شخصاً آخر لا يطيقونه يقف في الجانب الآخر، هذا الأمر يمكن أن يشمل سياسيين ومثقفين كثيرين في هذه البلاد، وتُسلط مواقع التواصل الاجتماعي ضوءاً مبهراً على هذا النوع من العلاقات والعصبيات بين الناشطين في تلك المواقع.
ما سبق تمهيد مضطرب للقصة التي كتب عنها الكثير في الأيام الماضية والمرتبطة بقرار الرئيس هادي تعيين معاذ بجاش ثم التراجع عن القرار، وما حدث أثناء ذلك وبعده، إذ كان يمكن التعامل مع الأمر على أنه تطور مدهش في تعامل الرئاسة مع ما تنشره وسائل الإعلام، لقد تراجع الرئيس عن القرار بسبب أن بعض الصحفيين والناشطين طالبوا الرئيس بإلغاء القرار، وهو استجاب لهم. وبالنسبة لي كصحفي فإن رد الفعل الرئاسي يستحق الثناء والتقدير.
وإذا استطعنا تلافي التفاصيل التي رافقت ذلك، والأسلوب الذي ألغي به القرار، يمكن إضافة التالي: إن التراجع عن القرار سوف يشجع الكثير من الصحفيين والناشطين على مساعدة الرئيس في تقييم المرشحين لشغل المناصب المرتبطة بالقرارات الجمهورية، ومراجعة بعض السياسات أو القرارت التي اتخذها في أوقات سابقة، وهو من ناحية ثانية سوف يساعد الناشطين على التمهيد لمرحلة يمكن الترتيب فيها لحملات مدروسة ضد أشخاص عرف عنهم الفساد وعدم صلاحهم لممارسة الوظيفة العامة، مع الدعوات طبعاً أن تظل هذه الحملات بعيدة عن الطريقة اليمنية «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب».
في البلاد التي أتمنى أن تكون، يفترض أن تبقى الصورة وفق الإشارة لها في الفقرتين السابقتين، غير أن بعض التفاصيل التي رافقت تلك القصة مخيبة للآمال وتستدعي ما كتبته في أول المقال، إذ تحول الموضوع إلى مادة لتبادل الاتهامات واستدعاء الضغينة بين الإعلاميين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، والأهم بالنسبة لي أنه أساء إلى العلاقة التي تربط بين ثلاثة من الأصدقاء يمكنهم معاً مساعدة الكثير من اليمنيين على التمسك بأمل أن الذي تفجر في فبراير 2011 هو في صالح التغيير.
لقد صادف أن بعض من لهم علاقة مباشرة بالموضوع هم من أصدقائي، أقصد محمود ياسين ومروان الغفوري ونصر طه، غير أن هناك من بقي يؤدي دور الكاتب الذي يتحدث عن الشأن العام، وهناك من أصبح في موقع المسؤولية وعليه أن ينتبه لذلك، وفي هذا الإطار كنت أرجو أن يستمر الموضوع وأن لا يزيد عن ذلك.
أكتب بحرص، واعترف إنني لا أملك الجرأة الكافية لقول ما أظن بصحته، مخافة الإساءة لأحد وهو لا يستحق ذلك، غير أني تمنيت وأنا أقرأ رد الاستاذ نصر طه أن أجد فيه اعتذاراً لأصدقائه الذين شعروا بالأسى والخذلان من تعيين بجاش، كان يمكن أن يقول (لرفقاء الثورة) الذين انتقدوا قرار التعيين: «لقد أسأت التقدير، وأرجو إن شعرتم بالخذلان أن تقبلوا الاعتذار». حتى وإن كان لا يزال مدير مكتبه السابق في وكالة سبأ رجلاً جيداً بالنسبه إليه، أتحدث عن رفاقه، وليس الذين وجدوا في الموضوع فرصة لحد السكاكين فوق رقبته.
أعتقد إن شابين ملهمين مثل محمود ومروان، لديهما من الجرأة والنزاهة ما يجعلني أميل إلى تصديقهما في أكثر الأحيان، إنهما شجاعان ويكتبان بطريقة جيدة ومؤثرة تلامس الكثير من الشباب الذين تراودهم أحلام الدولة المدنية واليمن الجديد.
أكتب عن أصدقائي الثلاثة ولا زلت أتذكر شهر مارس في العام 2011 عندما كان محمود ياسين يرفع ذراعه التي يتكئ عليها في المقيل داخل خيمة الصحفيين بساحة التغيير ويلوح بها ويقول بحماس: إن النشيد الوطني الذي يسمعه من على المنصة يبدو جديداً ومليئاً بالروح والحياة، أما قبل ذلك فهو لم يكن يختلف عن أي «مهجل»، وأتذكر بعد ذلك بنحو ثمانية أشهر إنني كنت أحتفل عبر الفيس بوك مع الصديقين نصر طه ومروان الغفوري بعيد ميلادنا الذي صادف الأسبوع نفسه في شهر نوفمبر، وأثناء ذلك كله كان الحديث عن الآمال والتطلعات يجري بدون توقف، وكان الحماس للتغيير يستيقظ معنا كل صباح ثم لا ينام، إني أتذكر ذلك وأرجو أن يستمر، دون أن يخذلنا أحد.