في إطار النزول الميداني للهيئات والجهات المستهدفة، اطلعنا - كأعضاء في مؤتمر الحوار الوطني – على خفايا وحقائق كانت مغيبة عن الكثير منا، رغم أن وسائل الإعلام طالما سلطت الأضواء على الزوايا المظلمة في مناشط الحكومة وإدارات الدولة المتعددة في العاصمة والمحافظات. لكن بعيداً عن الخوض في التفاصيل، يمكن القول إنني شخصياً ازددت قناعة بعدم جدوى المنح الدولية في إطار دعم التنمية المحلية برغم الهالة الكبيرة من حولها، والتي توحي وكأن اليمن لن تنهض دونما عون الدول والمنظمات التي بالغت - بدورها- في استثمار الحاجة اليمنية، فاشترطت الكثير والكثير وهي تقدم معونات يعود أكثر من نصف تكلفتها الحقيقية إلى أصحابها عبر الخبراء الذين لا يقبلون إلا برواتب مرتفعة مقارنة بالحال في بلادنا.
الأسوأ من ذلك أن بعض الدول والمنظمات تأتي بمشاريع معدة سلفاً وتريد أن تنفذها في هذه الدولة أو تلك لأغراض خاصة، وليس بالضرورة أن ينطوي هذا الغرض على مؤامرة ما، ولكن يكفي أنه يأتي خارج إطار الاحتياج الفعلي لهذه الدولة، التي يفترض أن التنمية فيها قائمة على خطط علمية وعملية.
غير أن ثمة مشكلة أخرى وأدهى تتعلق بفشل التخطيط في اليمن وفي معظم الدول النامية، وهو المدخل الذي تستغله الدول المانحة فتحجب معوناتها، حتى تتوافر الدراسات والخطط العلمية، والمطابقة للمقاييس الدولية.
الفساد هو الآخر شريك رئيس في فشل التنمية باليمن، والمنظمات الدولية المانحة غدت ضمن عوامل تنامي الفساد أيضاً، حيث تستغل حاجة الحكومة والمنظمات المحلية للتمويل والدعم المالي فتفرض شروطاً تعسفية ينطوى بعضها على فساد مزدوج لا يعرفه سوى الراسخون في متابعة ومراقبة نشاط هذه المنظمات.
فوق ذلك كله فقد استغلت الجهات المانحة الأوضاع المتردية في البلاد المتعلقة بالانفلات الأمني، وبتردي البنية التحتية، من طرق وطاقة كهربائية، وغيرها، فرفعت كلفة التأمين على موظفيها وخبرائها العاملين في المشاريع الممولة من قبلها، ما جعل المردود الحقيقي لليمن واليمنيين من بعض المشاريع يصل إلى نسبة 30% على الأغلب، وهو مردود لن يكون ملبياً لطموحات التغيير التي تتطلب قفزات تنموية لا تحسينات محدودة في هذا المجال أو ذاك.
سيقول لك المتخصصون في التنمية، يجب على الحكومة أن توفر الأمن و الاستقرار أولاً، ثم عليها أن توفر الطاقة والبنية التحتية، فالجهاز الإداري القدير والكفؤ، بحيث يمكن استيعاب المساعدات الدولية على النحو الأمثل، وهذا صحيح.
لكن المشكلة تكمن أصلاً في هشاشة الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، الأمر الذي جعلها تتسول الخارج من قبل ومن بعد، أما إذا قامت بهذه الإصلاحات، فإن اليمن ستغدو أكثر ملائمة للاستثمار والنشاط الاقتصادي ما يجعلنا حكومة وشعباً في غنى عن المساعدات الدولية التي يأتي بعضها على حساب السيادة والكرامة الوطنية.