للقضية الجنوبية جذورها التاريخية مما بعد الاستقلال ووجود الأنظمة الشمولية ومستوى بناء الدولة، ففي الشمال كان الحكم كهنوتي إمامي يعيش على أسلوب عتيق للدولة مستثمرا جهل الناس بما يدور حولهم من تغيرات والذي حاول السيطرة على الناس سيطرة دينية تبنى على مسلمات عنصرية تخدم عائلة واحدة من الشعب فقط وأصبحت طاعتها واجبة وعبادة والتي أدت إلى عدم خوض الناس في أخطاء الحكم لان القائمين علية معصومون أو من نسل المعصومين. وأما في الجنوب فكان هناك شيء أخر تماما فقد كان المستعمر ليس بدرجه من السوء التي يجعل الناس جاهلة إلى أن تصل إلى حد أن تطلى وجوهها بالقطران امتثالا لأمر مولانا الإمام ولكنه يركز على السيطرة العسكرية أكثر من السيطرة الثقافية فقد أعطى حرية كبيرة للجانب الثقافي والبناء المؤسسي لأن ينمو فبني دولة حقيقية تابعه للمستعمرة خلدت في أذهان الناس النظر للأفضل وهي نفسها الثقافة التي تأثر بها ثوار السادس والعشرين من سبتمبر والتي عملت على نمو هدافهم التغييرية.
كل هذه المعطيات ورثتها قوى ما بعد الثورتين سبتمبر وأكتوبر في الشمال والجنوب وبسبب دخولها السريع إلى إدارة دولة لم تستطع الحفاظ عليها وعلى استخدام القدرات المتاحة في الجنوب، وأما من جاء إلى الحكم في الشمال فلم يستطع السيطرة على التخلف التي ورثه من مئات السنين ومع تدخل القوى الإقليمية لترجيح كفة جهة على أخرى.
كل هذا خلق أنظمة شمولية تابعة غرقت في مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مما ولد مجتمعات محتقنة ومشبعه بثقافة التبعية الاضطرارية وهي الوحيدة التي كانت صاحبة مطلب التغيير والوحدة الحقيقية وهي التي دفعت بقيامها وكانت تطمح لأي تغيير ولو حتى بوحدة اندماجية بين جناحي الطائر كي يستطيع التحليق من جديد، فهروب نظام الجنوب للأمام وطموح المستبد في الشمال في أن يسيطر على مصدر الخطر عندما كان يعمل كشرطي لمكافحته في جنوب الجزيرة العربية لحسابه الخاص ولحساب قوى إقليمية كل هذه تراكمات دفعت إلى الوحدة الاندماجية التي أنقذت الطرفين المتحكمين في قدرات الشعب وطموحاته ..وتشكل نظام حكم مشوة ووجدت فيه القيادات والمكونات الوطنية الحقيقية نفسها تسير معه في اتجاه إجباري ورأت انه يمكنها ان تحقق جزء مما تريده للناس ودخلت في استثمار على وضع بائر، وهذه القوى الوطنية هي فيما بعد التي شكلت الحراك السلمي لنواة ثورة فبراير والتي بدأت في كل بيت وقرية ومدينه و كانت تدفع ثمن لاستئثار الحاكم مما بعد الحرب والتي أنتجت نظام هجين مستبد فردي شمولى مناطقي شللى عنصري عائلي والتي كانت نتيجته اقتصاد يجعل الناس تحت خط الفقر بجداره ومبدع في استثمار مكاثرة قضايا الوطن بمهارة.
وهذا لا يعني انه تم إغلاق باب الأمل ولكن تطورت الثورة من مواجهه ديموقراطية مع المستبد إلى مواجهه ثورية من أجل التغيير و هناك قامات وأحزاب وطنية ما زال ينظر اليها الناس بأنها من ستقود مرحلة التغيير إلى نهايته منها ما تم نفيه خارج الوطن ومنها ما بقيت منفية داخل الوطن ومنها تشكل المشترك الذي وبمكوناته الوطنية وشخصيات وطنية جنوبية أيضا حتى وإن كانت ترفع شعارات انفصالية فهي من وجهة نظري وليدة اللحظة فقط وكثير من شخصيات وطنية من داخل المؤتمرايضا وهؤلاء جميعا لديهم تجربة تراكمية حقيقية في إدارة الدولة.
وكل هذه القوى هي من يمكنها ان تقطع الطريق على من كان أساس كل المعاناة التي وجدت ويمكن أن تمنعه من حلمه بثورة مضادة من أهم أهدافها ليس العودة إلى الحكم كما كان وإنما إفشال قوى الثورة الجديدة من جديد وهي فقط بحكمتها ستسير بنا من خلال الحوار الوطني إلى بداية اليمن الجديد الذي نأمل.