لعلي لست مجانباً للصواب بزعمي أن مؤتمر لندن يعد جزءاً من النتائج (غير المتوقعة سلطوياً) المترتبة على نهج إفتعال الأزمات الذي ما إنفك يمارسه النظام الحاكم بإنتظام بوصفه السبيل الأمضى قدرةً (من وجهة نظره) على صنع ضمانات النجاح الحائلة دون فشل مخططاته الوراثية.. العلاقة الشرطية الرابطة بين ثنائية إختلاق الأزمات والقدرة على التحكم في مساراتها، مثلت المنطلق الأكثر فاعلية، بالنسبة للدول العظمى، لتحقيق غاية إجراء تعديلات جوهرية في الوضع اليمني وصولاً لإحتواء تلك الأزمات مجتمعه..
اعتقاد خاطئ
لنترك هذه التوطئة للتفكير المؤقت ولنقترب من الفكرة الجوهرية أكثر.. من راقب أداء النظام خلال فائت ا لمراحل، يستنتج بسهوله أنه –أي النظام- بات يعي خطأ تصوراته حول الفوائد العائدة من حلفه مع الدول العظمى..
إذ كان يعتقد ان ذلك الحلف الذي عبر عنه الحاكم ذات مرة بعبارة: لقد ضمنت الدول العظمى!، سيمكنه من تنفيذ مخططه الوراثي عبر التمادي في نهج إذكاء جذوة الأزمات المفتعلة دون تدخل تلك الدول، وهو إعتقاد بدده الموقف الأخير لهذه الدول الرافض لفكرة الوقوف كمتفرجين في مسلسل الأزمات الصالحية المكسيكي..!
الوصاية الدولية، تلك هي النتيجة لإعتماد النظام الدائم على إدارة البلاد بالأزمات وهي نتيجة قد تكون حتمية لأسباب سيلي تبيينها فيما بعد هذه القراءة التحليلية..
تشجيع على افتعال الازمات
لنعد الى العلاقة الشرطية الرابطة بين ثنائية اختلاق الأزمات والقدرة على التحكم في مساراتها، متساءلين: كيف شكلت هذه الجزئية مدخلاً لإجبار النظام الحاكم على مآل الوصاية الدولية اللائحة في الأفق..؟!
لقد لاحظت تلك الدول أن نهج الإدارة بالأزمات بات هو المرجعية والأساس البنائي للقرارات السياسية المصيرية بالنسبة للحاكم اليمني، وهي ملاحظة جعلت تلك الدول تلجأ لتشجيع النظام على التمادي في إفتعال الأزمات بصورة تؤدي لإحداث إضطراب بين طرفي معادلة الإتزان: إختلاق الأزمات من جهة، والقدرة على التحكم في مساراتها من جهة أخرى..!
التمادي في إفتعال الازمات الذي يمكن التعبير عنه أيضاً بمصطلح (تسريع حدوثها) غالباً ما يتسبب في خروجها عن دائرة السيطرة المطلقة أو بتعبير أدق: يقلل من القدرة على التحكم في مسارها وهو يقود بالضرورة لمنح طرف آخر (تلك الدول المشجعة) قدرة جزئية (قابلة للنمو) على توجيه مسار تلك الازمات المفتعلة وبالتالي تمكين هذا الطرف من إحداث أي تعديلات يريدها على النتائج النهائية لتلك الأزمات (احتواء تلك الازمات مجتمعه وفق سيناريو وترتيب معين، خيار قد يتاح للطرف الداخل على خط توجيه مسار الأزمات بشرط ان تتحول قدرة التوجيه من جزئية إلى كلية..!)
خلق ذرائع ومبررات للوصاية
بالإمكان هنا، وكتأسيس على ماتقدم، استنتاج الفرضية التالية: جميع التطمينات الاميركية الممنوحة للنظام اليمني كذلك الحال بتعهدات الدعم الكامل مضافاً إليها التغاضي عن أخطاء النظام في حق الديمقراطية اليمنية، كل تلك لم تكن سوى طُعم لتشجيع النظام اليمني على افتعال أزمة جديدة (تضخيم دور تنظيم القاعدة في اليمن)..
فالنظام اراد ان يحقق بالاضافة لما سبق، مكاسب أبرزها الحصول على تمويل لإيقاف نزيف الإحتياطي الاستراتيجي من النقد الاجنبي في البنك المركزي الناتج عن الفساد وحرب صعدة وشراء الولاءات، غير ان الاميركان وحلفائهم كانت إرادتهم أكثر عمقاً، إذ إن تضخيم دور القاعدة في اليمن سيؤدي للفت انظار العالم الى التهديد الذي تشكله (خلق ذرائع ومبررات) ليأتي الدور على بريطانيا في قطف ثمرة ذلك الطُعم، عبر مؤتمر لندن الذي يعد أولى الخطوات نحو فكرة (تدويل أزمة القاعدة المفتعلة) وهو ما سيحقق على المدى المنظور غاية (الوصاية الأجنبية) على اليمن بذريعة مكافحة الإرهاب الذي بات –عقب ذلك التضخيم- يشكل خطراً على استقرار العالم..!!
ماذا يعني وضع اليمن تحت الوصاية
النسق التسلسلي للطرح يفرض علامتي إستفهام الأولى: لماذا لجأت تلك الدول لنهج الاستدراج والتحايل، والثانية: ماذا يعني وضع اليمن تحت الوصاية؟
كإجابة افتراضية للعلامة الاستفهامية الاولى يمكن القول أن اللجوء لاستدراج النظام كان خياراً إضطرارياً للتعاطي مع ما أسمته مجلة النيووزويك الاميركية ب(تصرفات صالح الغريبة والمغرورة التي تُغيض واشنطن كثيراً) وهي إشارة واضحة للنتائج الفادحة الناجمة عن اختلاق النظام اليمني للأزمات والتي كان ابرزها تهديد أمن منابع النفط الخليجية عبر اقحام السعودية في حرب مجهولة المصير..!
اجابة العلامة الاستفهامية الثانية متصفه بطابع الخيارات المفتوحة، إذ ان وضع اليمن تحت طائلة الوصاية، يعني وصول مشروع الدولة الى اعتاب مرحلة الفشل مما يستوجب بالضرورة تعليق العمل بفكرة السيادة الوطنية، ويعني أيضاً إلزام صالح بالموافقة على السيناريو المرسوم سلفاً لإحتواء الأزمات المفتعلة بالتوازي مع عدم السماح له بإفتعال أزمات جديدة..
قطع رؤوس الثعابين
الموافقة الصالحية على السيناريو المرسوم قد تتطلب مقايضة تكفل إدراج بعض الإضافات الى ذلك السيناريو، إذ ربما تقبل دول الوصاية بمساعدته على التخلص من بعض الثعابين ليس بوصفها حائلة دون تحقيق مشروعه الوراثي فحسب، بل لكونها تمثل عدواً للهيمنة الغربية، في المقابل سيكون الرجل مضطراً (إذا لم يكن في جعبته المزيد من الأوراق) على القبول بإعادة تشكيل النظام بصورة تحقق أدنى التطلعات الوراثية (ضمان وجود أبناء الأسرة الصالحية كأرقام حقيقية في التركيبة القيادية للنظام القادم) وهو بالمناسبة هدف مشترك لصالح ولتلك الدول على اعتبار أنهم –أي الأبناء- حلفاء للغرب منقادين للهيمنة، مع ضمان تحقيق أدنى تطلعات معارضي صالح وبالأخص غير المغضوب عليهم أميركياً: مشاركة حقيقية في السلطة والثروة..
لا يمكن لتعبير ك(عمدة صنعاء) أن يمر مرور الكرام لدى المتفحصين فيما وراء سطور مقال النيوزويك المعنون بمانشيت (رجلنا في اليمن)..
التعبير السابق المبني على وزن (عمدة كابول) يشير بجلاء الى التنامي المفرط الذي لحق بأعداد الثعابين الطامحة بمجد السلطة المتطلعة لإمتيازات الثروة، بشكل أدى لتقليص نفوذ وسلطة صالح وتقويضها على الأقل من الناحية العملية، لتغدو منحصرة في صنعاء وبعض المحافظات الخاضعة للتدجين..!
الحرب على القاعدة إذن لها أهداف أخرى غير معلنة، قد لا نبالغ بجزمنا أن ابرزها يكمن في تقليص ذلك التنامي المضطرد في أعداد الثعابين وتحديداً تلك المناوئة للوجود الغربي، أهمية تقليص ذلك التنامي، تنبع من السيناريوهات المحتملة لما بعد الوصاية، إذ إن نجاح الوصاية في فرض مجمل الاهداف مرتبط بنجاح استراتيجية التقليص والعكس قد يبدو واضحاً مع النقيض..!
هنا لانستعبد تحقق نبؤة مجلة النيوزويك عبر إرسال فرق أمنية وعسكرية خاصة ك(بلاك ووتر مثلاً) بشكل سري للمساعدة على قطع رؤوس بعض الثعابين!
تناقض واستدلال
ثمة ما يمكن الاستدلال به لتعزيز الافتراضات الآنفة وبالأخص افتراض ان حرب القاعدة ليست سوى حيلة لإيقاف النظام وفرملة النتائج الكارثية للأزمات المفتعلة..
فإدارة الرئيس أوباما وعلى لسان السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، ألمحت في توقيت سابق الى إمكانية إجراء حوار مع ما وصفته بالجناح المعتدل في حركة طالبان الأفغانية..
الإيماء بإمكانية الحوار في توقيت كالذي تمر به افغانستان واميركا، قد لا يعبر عن تكتيك سياسي بقدر تعبيره عن رغبة أميركية حقيقية..
قبل الاستدلال، لامناص من التعريج على جزئية هامة، فجناح طالبان المعتدل لا يلتقي مع تنظيم القاعدة الافغاني في ذات الايديولوجيا (السلفية الجهادية) فحسب، إذ ان المشاركة في الجهد الجهادي قاسم مشترك اضافي، وعليه فالجناح المعتدل الذي ترنو الإدارة الاميركية للحوار معه، قد لايمت بصلة لمفهوم الخلايا النائمة، هنا يأتي الاستدلال في صيغة تساؤل مؤداه: كيف تسعى اميركا للحوار مع طالبان افغانستان التي تعد جزءاً لايتجزأ من (أصل) تنظيم القاعدة، في وقت تبدو فيه عاقدة العزم على مهاجمة (فرع) تنظيم القاعدة اليمني الخاضع للتدجين المتصف غالباً بمصطلح (الخلايا النائمة) وهي التي لا تتشاطر مع التنظيم سوى في الايديولوجيا فقط ولم يسبق أن شاركت في عمليات جهادية..
التناقض بين الرغبتين (الرغبة في حوار الافغان والرغبة في مهاجمة اليمنيين) رغم انه قد يحتمل تكييفات عدة، إلا ان الاستدلال به لتعزيز الافتراضات الفائت عرضها يبدو الأقرب للمنطق الإقناعي..
وماذا بعد..
مآل الوصاية إذا ما كان هو الغاية الحقيقية من مؤتمر لندن المقرر انعقاده نهاية الشهر الجاري لتدراس الأوضاع في أفغانستان ومن ثم التعريج على الوضع اليمني، قد يتصف بطابع الحتمية شاء النظام اليمني ذلك أم أبى..لنتأمل قليلاً في مدلول الربط بين افغانستان واليمن الذي توج بجمع أزمتيهما في مؤتمر واحد..!
هنا يكمن شيطان التفاصيل دون شك، فالتعقيد البالغ الناتج عن إدمان النظام الحاكم في اليمن لنهج الادارة بالازمات، بات يجيز للدول العظمى القيام بأي تحرك دون حاجة لموافقة مسبقة من النظام لاسيما بعد ان تحقق لتلك الدول تطلعها في تحويل خطر تنظيم القاعدة اليمني الى خطر عالمي وهو ذات السبب الذي أخضع افغانستان للوصاية الدولية عبر منطق القوة..!
وبالتالي فمادام تهديد تنظيم القاعدة اليمني (الفرع) يمس إستقرار العالم كما هو حال تنظيم القاعدة الافغاني (الأصل)، فالضوء الاخضر للتحرك ضد ذلك التهديد المستوحى من اهداف التحالف الدولي لمكافحة الارهاب، يمنح الدول المعنية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة الاميركية وبريطانيا حرية التصرف في التعاطي مع ذلك التهديد حتى لو كان متجاوزاً لسيادة حكومة شرعية فما البال وحكومتنا عقب التمديد للبرلمان أضحت تفتقر لغطاء شعبي يمنحها مشروعية البقاء والدفاع عن استقلال وسيادة الوطن..
إذن، لو كانت الغاية الحقيقية التي تؤكدها شواهد الواقع هي الوصاية أو حتى التهديد بها، سيكون حال النظام اليمني شبيهاً بعبارة (يداك أوكتا وفوك نفخ) مع تعديل بسيط يتمثل فيمن سيعاني اكثر من ذلك المصير..
فالنظام الحاكم رغم أنه زرع الأزمات وعبث بأمن الوطن قاذفاً بمصير البلاد إلى أتون المجهول إرضاءً للنزوة الوراثية، غير ان الحصاد المر قد لا يكون من نصيبه كنظام غير عابئ بالمصلحة العليا للوطن، الشعب إذن هو من سيكابد مرارة السيادة المنقوصة وكفى..!