لا أظن أن هناك شيئاً يجلب الكدر لليمني أكثر من استمرار الأخبار السيئة عن بلده، وفي الأيام الأقل بؤساً التي تتراجع فيه أخبار الصراعات والقتل، تأتيك البلاد على شكل امرأة مرهقة جداً بوجه ضامر وفقير تمد يدها إليك، وتحلف لك: "معي سبعة ما يأكّلْهم؟". لكن لا شيئ أكثر مدعاة للحزن من بكاء امرأة فقدت زوجها في حرب حمقاء كالتي حدثت ولا تزال في محافظة عمران.
يخرج اليمني في تلك المناطق من بيته حاملاً سلاحه وغضبه، ذاهباً إلى القتال، فيقتُل أو يُقتل، دون أن ينتبه أو تتوافر له الفرصة لمراجعة أن ما حدث لم يكن له من داعٍ، وأن ثمة طرقاً كثيرة يمكن أن يعيش بها بقية عمره دون أن يذهب للموت، أو يرسل الآخرين إليه.
لا شيء يستدعي القتال في هذه البلاد أكثر من النضال ضد القتل نفسه، ضد الرصاص والخناجر، ضد الكره ومراكمة الضغينة تجاه اليمني الآخر، وأخشى أننا سوف نحتاج وقتاً طويلاً حتى ندرك قيمة الحياة البشرية وأن كل شيء يجب أن يخدم الطريقة التي نحافظ بها على أرواح الناس وحياتهم، طالما هم بشر ومن أولاد آدم.
كثير من الذين يقاتلون ويقتلون الآن في تلك المناطق الفقيرة، والمحرومة من مراكز التعليم وحدائق الأطفال والمياه النظيفة، يمرون في طريقهم إلى القتال على المساجد فيتوضؤون ويصلون، وربما أن بعضهم يذهب للقتال طامعاً في الأجر والثواب، فهو يعتقد أنه يقاتل في سبيل الله، ولو أنهم نالوا الحظ الكافي من التعليم الصحيح أو تدبروا الآيات والأحاديث التي تحرم قتل النفس الأخرى لربما سلكوا طريق المؤمنين الصادقين وتوقفوا عن القتل والقتال.
الأخبار السيئة تملأ الصحف، لكن أكثرها سوءاً هي التي تأتي من حيث القتال والدماء والأنين، والأخطر من ذلك هي تحولها إلى خبر يومي لا يحرك الرأي العام أو الناشطين الحقوقيين للتظاهر ضد قتل الناس بعضهم بعضاً.
أتحدث عن ما يمكن فعله لوقف قتل الناس، ولا أشير إلى الحكومة أو "الدولة" لأنها لا تزال غائبة، ولو أنها كانت حاضرة، أو أن لها وجود ما اقتتل الناس، ولذلك تعلمنا من أول يوم في كلية العلوم السياسية أن أول مهام الدولة أو الأسباب التي تدعو إلى قيامها هو الحفاظ على حياة أبنائها.
أعتقد دائماً أن الناس التي لا تهتم بالقتل ولا تسعى لوقفه، لا يمكنها أبداً أن تخطط لمستقبل جيد، وهي إن شاركت في أي خرائط تقود إلى المستقبل فسيكون من الصعب جداً التفاؤل حيالها، ويعرف القارئ أن بعض الرجال المسؤولين في هذا البلد أو يشاركون في مؤتمر الحوار الوطني مسؤولون بصورة أو بأخرى عن إرسال الناس إلى الموت في جبال وقرى محافظة عمران، وهم قبل ذلك شاركوا في ذبح اليمنيين في كثير من مناطق هذه البلاد.
أظن أن ثمة ما يجمع بين الفقر والقتل، أو أن أحدهما يتغذى من الآخر، وهناك كثير من المحاربين والمرافقين الذين يأتمرون للشيخ أو السيد، تقتلهم الحاجة قبل أن يذهبوا للقتال مع هذا الطرف أو ذاك، مع ذلك فإن الفكرة الجوهرية حيال هذا الانجذاب للحرب والقتال، لا يصنعه الفقر وحده وإنما الدولة الهشة، أو غيابها، ويمكن أن تضيف إلى ذلك الإجابات التي ترد على السؤال التالي: أين نشأ هؤلاء الناس، وأين تعلموا، وعلى ماذا يعتمدون في شراء قوت نسائهم وأبنائهم؟
أرجو أن يتوقف القتل، وأن "يأخذ الله" هؤلاء الذين يرفضون وقف القتال ويرسلون الناس إلى حتوفهم، على أمل أنه سيأتي يوم يدرك فيه اليمني أن طريق القتل لا يفضي سوى إلى مزيد من الشر والخراب.