لن يتذكر أحد الشهيد ابن مدينة عدن الحبيبة لؤي رشاد سالم، ولن يتذكر أحد قذيفة «الآر بي جي» التي أتت على رأسه في يوم 18 سبتمبر 2011 في ميدان أو جولة «كنتاكي»، أو ما اصطلحنا على تسميتها «جولة النصر» (لم يجرؤ أحد لا في الحكومة ولا في أمانة العاصمة على تعميد هذه التسمية، وأنى لهم، فلم يكونوا لا هم ولا أبناؤهم من المشاركين فيها!) كيف لنا أن نتذكره ونحن مشغولون بتذكر «جميع أنذال اليمن» نعرفهم زمرة زمرة، وطغمةً طغمة، وخُبرةً خُبرة، وحزباً حزباً، وفرداً فرداً. ونعرف شوارعهم الملتوية شارعاً فشارع. ربما أخته الوحيدة التي تتذكر آخر السطور التي كتبها: «كنت دائماً أخرج في الصفوف المتوسطة في المظاهرات وحان الوقت كي أتقدم الصفوف وأواجه الخوف وأقوم بشيء لم تتوقعوه مني». بعد عامين بالضبط ولما تزل مجزرة كنتاكي (يا للخيبة لم تستطع الثورة تغيير حتى اسم جولة!) وفرعها مجزرة القاع، وبتوابعها من الضحايا من الشباب والأمن المركزي والحرس الجمهوري، لما تزل في أدراج النسيان هي وأمها مجزرة الكرامة، وغيرها في جولات «عصر» و«دار سلم» وساحات تعز وإب. بل وأكثر من ذلك صارت أدوات للمساومة بين السلطة الساقطة (نظرياً) وقيادة الثورة/ المعارضة التي بايعناها في ذات مسيرة نائمة وأثبتت أنها توأم السلطة في السقوط.
لا يعلم لؤي أنه في اليوم الذي مات فيه، مات في الجهة المقابلة ستة جنود أمن مركزي يافعين مستجدّين لم يتمّوا حتى فرقة الصاعقة، وان ثلاثين واحداً منهم أصيبوا؟ هل يعلم أن من قنصوهم كانوا في داخل عمارة «لا إله إلا الله» التي رفض صاحبها أن يسلمها للأمن المركزي بدعوى أنه سيحميها. لكن «مسلحين مجهولين مقعّشين» احتلوا العمارة عنوة، كانوا هم الذين قنصوا أولئك الجنود المساكين؟ وأن قوات الأمن حين قتلتهم، لم تعلن عن انتماءاتهم التي لا علاقة لها بالثورة الشبابية! هذا بلاغ للنائب العام في التحقيق في أحداث ذلك اليوم وخباياه، والشهود حاضرون.
هل يعلم لؤي أن أولئك الذين اعتادوا التقدم والبروز في الصفوف الخلفية (الآمنة أو الأمينة) والذين لم يتعرف على أبنائهم في مسيرة من المسيرات، ولم يكن من بين الشهداء (جميعاً) شباب أو جنود من أفراد أسرهم أو من قبائلهم إلا بطريق الصدفة المحضة التي أجادوا تسويقها وطبعوا لها آلاف الصور. ولن يصدق أننا حتى الآن لم نجد له صورةً مطبوعة، لأنه منا ومثلنا لا ينتمي لحزب ولا لخُبره، ولا لزمرة ولا لقبيلة! هل يعلم أن أولئك تقاسموا السلطة ونظام الفساد الذي خرجنا نصرخ في وجهه «الشعب يريد إسقاط النظام». نعم، عرفنا ذلك متأخرين، ها نحن نعلم أخيراً أن الدموع الغزيرات الرحيمات لرئيس الوزراء استحالت بغير حول منه ولا قوة إلى مغسلة للفاسدين، إن ثائراً حراً آخر حذرنا من الليالي السود الطرابلسيات والمباركيات والأسديات صار الآن يحول مالك يا لؤي للمصالح القبلية والمكافآت والبدلات والمصروفات والصفقات الفاسدة لحكومة «الحرام» الوطني. هل يعلم أن أغلب وزراء الحكومة إن لم يكونوا كلهم ليسوا أهلاً لذلك، وأن «أحزاب الثورة» (أو من زعمت أنها ثورية) بالذات قسموا نصيبهم من الكعكة للأقربين؟
هل يعلم لؤي أننا كلما خاطبنا عاقلاً فيهم أو رشيداً، متى وعد التغيير، متى اليمن الجديد؟ يكررون اللوازم نفسها: «لا تستعجلوا، الأمور لا تأتي هكذا» ويتعللون بأن الله سبحانه جل في علاه خلق السموات في ستة أيام، تعالى الله عما يصفون، لذلك فإن توبتهم، هم شخصياً، واستغفارهم واعادتهم للحقوق والمنهوبات والمبسوطات، قد تستغرق من ست سنين إلى ستمائة عام! هل يعلم بأن وزير الداخلية «منظر ولا قصة له» فقطع الطريق والانفلات الأمني وإخفاء القتلة يحدث بشكل يومي، وهو يمارس مهامه في الداخلية والأمن، فأي مهام يمارس؟ وقل مثله عن وزير التعليم العالي الذي نشهد في عهده انفلاتاً تعليمياً عالياً في إنشاء «دكاكين» و«كافتيريات» التعليم العالي، وقل ماشئت عن بقية الوزراء والمحافظين: مناظر لا قيمة لها.
هل يعلم لؤي أننا صرنا «إمعات» وتوابع لدول الجوار والدول ذات القرار، إن أحسنوا لم نحسن وإن أساءوا أسأنا لأنفسنا بزيادة. صار لدينا مئات الجبهات الداخلية العميلة، كلها تضيق الخناق علينا يوماً بعد يوم، و«الأنذال» مشغولون بحساباتهم الحزبية أو القبائلية أو الشطرية من أجل حفنة من مالٍ أو أرض أو غازٍ او بترول أو.. دولارات، أما الأم اليمنية والطفل اليمني والكادح اليمني فيأتي في آخر الاهتمامات وهو غالباً لا يأتي.
هل يعلم لؤي أن الساحات أفرغت إلا من أصحاب النضال الشطري والجهوي. لم يعد من يناضل في عدن من أجل أخيه في الحديدة، ولا في صعدة من أجل أخيه في ذمار. صار البعض يقاتل من أجل أن يستفرد باليمن في شطره والبعض في محافظته. كيف لا ونحن في يمن الفساد تحت قادة رآهم الناس كلهم يناضلون من أجل البيت والأسرة والقبيلة والعصابة! صار التماهي عجيباً بين الفاسدين والمناضلين!
هل تعلمون؟ لقد كان يعلم كل ذلك، ولذلك قرر أن يفعل ذلك، فلم يكن لا هو ولا رفقاؤه بدعاً بين الشهداء. إنهم يدفعون أغلى ما عندهم في سبيل الله ويعلمون أن «الأنذال» دائماً ينتظرون على أبواب الغنائم، ولكنهم دائماً يعلمون أن ذلك لا يدوم وأن الحل لإقامة دولة الحق والعدل في تكرار اقتراف حلم البذل والكفاح وبالطبع الشهادة. انظروا إليهم في سماوات الساحات إنهم ينتظرون المتجردين أمثالهم، المجاهدين أمثالهم. يصرخون فيهم: إن الفاسدين لن يصطلحوا ويتوحدوا من أجل اليمن... هلموا إلينا.. ماذا تنتظرون!