على الرغم من مرور ما يقارب العامين على اتفاقية نقل السلطة بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، إلا أن كثيراً من الأوساط السياسية دأبت على تفسير المصطلحات وفق هواها، فهناك من لا يفرق بين التسوية السياسية والتوافق السياسي، ولا بين الثورة الشعبية والأزمة السياسية. هذا الخلط وعدم التمييز طال مؤسسة الرئاسة فالبعض لا يفرق بين مرشح رئاسي توافقي ورئيس انتقالي، وكل هؤلاء مقتنعون أن ما حصل في اليمن هو نصف ثورة لوجود اتفاق للتسوية، وهذا ما جعلهم يطلقون عليها تلك الأحكام. وبالعودة إلى معيار التفرقة بين التسوية السياسية والتوافق السياسي، وحسب ما تضمنته مبادرة نقل السلطة نجد أن: التسوية السياسية، كما فسرها المبعوث الأممي جمال بن عمر في رده على سؤال صحفي عن مفهوم التسوية بقوله: التسوية السياسية تعني نقل السلطة مقابل الخروج الآمن. هذا هو ملخص ومضمون اتفاق نقل السلطة، وهذا يتماشى مع الإرادة الشعبية وتوجهات بعض المكونات لعدم الجمع بين الحصانة ومزاولة العمل السياسي لمن شملتهم الحصانة، إذ هو خرق لاتفاق التسوية السياسية، ونحن نستغرب موقف بعض المكونات الرافض فكرة عدم الجمع بين الحصانة وممارسة العمل السياسي، معللين ذلك أنه خروج عن التسوية وهذا يدل على تفسيرهم الخاص للتسوية التي كما أشرنا تعني في الشق الأول منها "نقل السلطة" وليس "استعادة السلطة" وهذا واضح وكذلك الشق الآخر "الخروج الآمن" وليس "الدخول الآمن".
وعليه فإن فكرة عدم مزاولة العمل السياسي لمن شملهم الخروج الآمن بحسب اتفاق نقل السلطة هي ترسيخ للمبادرة الخليجية وليس خروجاً عليها كما يدعي بعض الأطراف، فهم يفسرون التسوية بالوفاق السياسي والذي يعني حسب مفهومهم تقاسم السلطة ويبررون ذلك ب50%من حكومة الوفاق وهم يمزجون هذا بهذا فحكاية ال50% من الحكومة التي لحزب المؤتمر الذين لم ينتهكوا حقوق الإنسان ولم تلطخ أيديهم بدماء شباب الثورة، هذا فيما يتعلق بالتسوية السياسية، أما فيما يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية هل هو كما يدعي البعض أو يسميه الرئيس التوافقي، وقد برزت هذه التسمية بعد المواقف الشجاعة التي تبناها فخامة رئيس الجمهورية تجاه الوطن وخدمة للصالح العام، وهو في الحقيقة ليس رئيساً توافقياً بل هو مرشح توافقي قبل انتخابه، فبعد انتخابه بنسبة كبيرة جداً أصبح رئيساً لفترة انتقالية منحته الآلية التنفيذية للمبادرة صلاحيات واسعة تفوق صلاحيات أي رئيس آخر، فكيف يطلق عليه تلك التسمية. فالآلية التنفيذي للمبادرة وفي أكثر من بند ذكرت أنه إذا لم يتفق الطرفان أو الأطراف على أي موضوع لم يتوافق عليه يرفع إلى رئيس الجمهورية وما يقرره الرئيس يلزم تنفيذه، ولم تشير المبادرة وآليتها إلى ضرورة توافق رئيس الجمهورية مع كل قرار يتخذه مع الأطراف، والحمد لله أن المبادرة لم تتطرق إلى هذا وإلا لما استطاع الرئيس عبد ربه منصور هادي اتخاذ أي قرار، وبالتالي فإن الصلاحيات التي يمارسها الرئيس الحالي بموجب بنود اتفاق نقل السلطة تفوق صلاحيات أي رئيس آخر، ونحن نطالبه في هذه الفترة وبما يمتلكه من صلاحيات واسعة ومن تأييد شعبي ودولي أن يتخذ المزيد من القرارات بما يخدم الوطن ووحدته وأمنه واستقراره.
أما فيما يتعلق بالمرجفين الذين لا يعجبهم العجب والذين تنكروا لثورتنا ولتضحية شبابنا بأن ما جرى في البلاد من حراك شعبي هو نصف ثورة كونها انتهت بتسوية، فأقول لهم إذا كنتم ترون أن ما صنعناه في أقل من عام نصف ثورة، فها قد مرت عليكم أعوام ثلاثة فلماذا لا تكملونها وتصبح ثورة كاملة فنحن لا نغلق الأبواب بوجه أحد، ولم نرفع معنا الساحات والميادين ولم ندعوا إلى العنف والاقتتال، فهلا تكرمتم وأكملتم لنا الثورة.
ولحملة الأقلام المأجورة فعن أي نضال تتحدثون فاتخذتم من التسوية شماعة علقتم عليهم خذلانكم الثورة، فنحن نذكركم هنا بثورة سبتمبر المجيدة ألم تنتهِ بتسوية سياسية في العام 1970، وبرعاية سعودية، فهل أثر ذلك على مسار الثورة أو ساهم في إجهاضها كما تتمنون لثورتنا، فالتسوية آنذاك لم تغير من الواقع شيئاً، بل كان مضمونها اعتراف الملكيين بواقع الثورة ونظامها الجمهوري مقابل الكف عن مطاردة الجمهوريين لهم، فهل حقن الدماء والمصالحة مع من لم تلطخ أيديهم بالدماء خيانة للثورة، بل على العكس فالتسوية كانت ترسيخاً لثورة سبتمبر كما كانت التسوية الأخيرة لثورتنا استكمالاً للثورة الشبابية وأهدافها النبيلة.