قبل العيد توفي عوفاديا يوسف الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين (السفارديم)، والزعيم الروحي لحزب شاس الصهيوني المتطرف في فلسطينالمحتلة. الحاخام عوفاديا كان رجل دين مارس دورا سياسيا مهما سواء في الإطار العام أو في إطار حزب سياسي/ ديني يشارك في حكم الدولة اليهودية (!)، وهو أمر لم يكن نادرا بل في إطار ظاهرة سياسية/ دينية عرفها الكيان الصهيوني منذ إنشائه وإن لم يفرض وجوده في إدارة الدولة إلا في منتصف السبعينيات بعد وصول مناحيم بيجن إلى رئاسة الوزراء. والثابت أن اليهود الصهاينة العلمانيين – وحلفاءهم وداعميهم في الغرب- لم يجعلوا من المسألة وسيلة لشن حربا استئصالية ضد الأحزاب الدينية واليهود الصهاينة ذوي المرجعية الدينية بدعوى أن لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، أو الحرب ضد الإرهاب الديني للتعلل بعدم محاربة العرب، او ترتيب انقلاب عسكري بحجة أن الأحزاب الدينية فشلت في إدارة الدولة، واستفادوا من وجود هذه الظاهرة الدينية اليهودية المتطرفة في اتجاه تدعيم خطهم السياسي والتفاوضي؛ وعلى العكس مما جرى في الجانب العربي الذي ظل منذ 1948 يقاتل الأحزاب الإسلامية أكثر مما يقاتل العدو الصهيوني [ في حرب النكبة الأولى سيق المجاهدون المتطوعون ضمن كتائب الإخوان من جبهات القتال إلى السجن مباشرة.. وفي الستينيات وقفت دول عربية ضد حركة فتح بتهمة أنها حركة إخوانية، وبعد النكبة الثانية عام 1967 فقط رفع الفيتو عنها بعد أن حظيت باحترام الشعوب العربية التي وجدت فيها جوابا صحيحا لأسئلة الهزيمة المذلة التي لحقت بأنظمة العار وجيوشها!].
[2] في خبر وفاة الحاخام اليهودي الأكبر تفصيل مهم في إطار الأزمة القائمة في مصر الآن بين أنصار الدولة العسكرية المستبدة وأنصار الطريق الديمقراطي الموؤود بالانقلاب العسكري.. ففي سجل الحاخام عوفاديا أنه كان – مثل غيره من قادة إسرائيل- محبا للرئيس المصري المخلوع/ حسني مبارك، وروى أن مبارك طلب منه في إحدى اللقاءات أن:( يا سيدي الحاخام باركني فأنا أؤمن ببركتك) فوضعت يدي على رأسه وباركته! وفي أثناء محاكمته بعد ثورة يناير المغدورة دعا الحاخام الأكبر الإسرائيليين إلى الصلاة من أجل أن يزرع الله الحكمة في قلوب هيئة المحكمة التي تحاكم مبارك كي تحكم له بالبراءة، وقال عوفاديا: [إنه يصلي من أجل براءة مبارك، ومن أجل أن يمنّ الله عليه بالصحة.. مبارك رجل سلام لا يحب الحروب (ضد اليهود وليس العرب والمسلمين!) بالإضافة إلى أنه يحب إسرائيل لكنه سقط، وسأظل أدعو ربي أن ينقذه من أعدائه!]. وسبحان الله! تحققت أمنية الحاخام اليهودي الأكبر، وطلع مبارك براءة في زمن العزة القومية واستعادة دور مصر العربي في عهد الانقلاب العسكري أو ثورة 30 يونيو أم ست ساعات فقط بقيادة العسكر وفلول دولة مبارك وبالاشتراك مع ثوار الغفلة! وفي تعليق له بعد إخلاء سبيل مبارك قال موقع كيكار الصهيوني الموالي لليهود الغربيين (الحريدم): [إن التبرئة قد تكون بسبب دعوات الحاخام عوفاديا يوسف!].
من غير شك يا ديفيد وبدون يمين! وإن كان الأمر ليس متعلقا بالسماء فالله لا يحب الظلم والظالمين، ولا يحب الفساد والمفسدين.. فقد حظي مبارك في وقت واحد بدعوات اليهود وحب الصهاينة العرب الذين أقسموا أيمانا بأن يطلع براءة بأي وسيلة.. والأكثر أهمية من براءته عودة دولته ورجاله بعد الانقلاب! الخشية الآن أن تسارع الزعامات العربية الكارهة للإسلاميين لتقديم القرابين لحاخامات إسرائيل من أجل دعوة تدفع عنهم البلاء وثورات الشعوب.. ويا ليت لو كان من الممكن أن تحظى ببركة من حاخام يمسح رأس فلان! بركات دعوة الحاخام تتوالى حتى بعد موته؛ فجلسات محاكمة مبارك صارت سرية لا يعلم عنها المصريون شيئا، وهي سرية توفر فرصة لعدم إزعاجه وإحضاره من فندق الخمسة نجوم الذي صار يعيش فيه بعد الانقلاب.. ولكيلا يقال إن محاكمة الرئيس محمد مرسي ستكون أيضا سرية لدواع أمنية بناء على توصية أجهزة الأمن؛ نبادر للقول بأن حكاية السرية هنا تدل على حيوية العقل الإجرامي الذي يحكم مصر الآن؛ فهم يعلمون أن المعتقلين المعارضين للانقلاب – وفي مقدمتهم الرئيس الشرعي لمصر- لا يعترفون بشرعية المؤسسات التي نشأت عنه، ويرفضون المثول أمامها، وتلافيا للفضيحة السياسية والإعلامية فقد أعلنوا أن محاكمة مرسي ستكون سرية.. وبعدها ليس مهما أن يحضر أو لا يحضر.. وبالإمكان الادعاء بأنه حضر.. ولا أحد شاف ولا أحد سمع.. وسوف ينجحون في ذلك كما نجحوا في إخفاء جرائم قتل الآلاف في رابعة العدوية وغيرها، وفي حوادث إحراق الكنائس المتتالية! [وفقا للأستاذ/ فهمي هويدي فإن كل حوادث إحراق وتفجير الكنائس منذ آخر عهد مبارك حتى الأيام القليلة الماضية لم يقدم فيها المجرمون إلى القضاء حتى الآن.. ولن يقدموا؛ لأن الهدف منها هو استخدامها في الحرب ضد الإسلاميين وتحميلهم المسؤولية مقدما ثم بعد ذلك ينسى المصريون الحوادث القديمة مع مزيد من الحوادث الجديدة.. ومن أظرف تعليقات القراء على كلام هويدي ما أثبته قارىء سخر من الإعلام المصري الذي يلقي المسؤولية على الإسلاميين فور وقوع الحوادث؛ وأحيانا قبل وقوعها؛ كذكر أوصاف للمعتدين مثل (ملثمان ملتحيان ومجهولان إخوانيان!).. أما كيف عرف أنهما ملتحيان رغم اللثام أو أنهما إخوانيان رغم أنهما مجهولان فهذا أمر سهل سهولة ما حدث يوم حادثة أو تمثيلية الاعتداء على وزير الداخلية المصري عندما قالوا إنه شوهد مجموعة من الأشخاص يمرون في الشارع وعليهم سيماء الإخوان! وحتى لو كان المقصود اللحى فهي ليست قاصرة على الإخوان بل هم الأقل عددا في إعفائها مقارنة بالسلفيين وغيرهم بمن فيهم كهنة وقساوسة الكنيسة الأرثوذكسية التي تكون في العادة أكبر لحية في مصر على وجه البابا.. ولا يمكن مقارنتها إطلاقا بلحى شيخ الأزهر والمفتي و كبار رجال الأزهر!].
[3] لكيلا يقال ما وجه الاعتراض على كلام عوفاديا الطيب بشأن مبارك فهو رجل دين الأصل فيه الكلمة الطيبة والرقة والحنان؟ نثبت هنا أن عوفاديا مشهور عنه؛ رغم مركزه الديني الخطير؛ أنه صاحب تصريحات وشتائم تجاه غير اليهود، فالعرب والفلسطينيون خاصة عنده مجرد صراصير ونمل وأفاعي، وصب لعناته على من سماهم: الوثنيون، والعرب، والسود، والنساء، والعلمانيون بمن فيهم العلمانيون اليهود، وحتى اليهود الذين لم يتبعوا تعاليمه والجنود الذين يعملون يوم السبت! وهو الذي دعا الرب أن يضرب محمود عباس وعرب فلسطين بالطاعون.. بتهمة أنهم: [يتكاثرون كالنمل.. تبا لهم فليذهبوا إلى الجحيم!].
[4] كل ما سبق يعيد إلى الذاكرة أكذوبة اتهام المخلوع اليمني لثورات الربيع العربي بأنها صناعة صهيونية، وأن غرفة عمليات سرية في تل أبيب كانت تدير الأحداث.. ضد من؟ مبارك وأمثال مبارك؟ ها نحن قد عرفنا أنه كان محروسا بدعوات الحاخام الأكبر لليهود المتطرفين، وأنه حظي ببركة خاصة منه لم يحظ بها شارون نفسه الذي ادعى الحاخام أنه دعا الرب بالهلاك له.. وأقوى من كل ذلك هو عودة المياه إلى مجاريها بين السلطة الانقلابية الحاكمة في مصر والكيان الصهيوني كما كانت أيام مبارك .. وأحسن بكثير! [ أليس غريبا أن قادة الإخوان متهمون داخل مصر بالتخابر مع حماس وفي خارج مصر يتهمهم أنصار الانقلاب بأنهم عملاء لإسرائيل وأمريكا.. صدق من قال: حتى الجنان يشتي عقل!].
أستبعد بقوة أن توافق الولاياتالمتحدة على صفقة الأسلحة الجديدة (11 مليار دولار) لكل من الإمارات والسعودية؛ خوفا من أن تكون ضربة موجعة للمخططات الأمريكية والإسرائيلية للهيمنة على العرب، وتستخدم هذه المرة في دعم الموجة القومية التقدمية التي ظهرت في مصر بعد الانقلاب على حكم الإخوان ود. مرسي المتهم بالتخابر مع حركة شاس الصهيونية.. أقصد حركة حماس الفلسطينية الإسلامية!